ما الإبداع؟

الإبداع هو عملية الإتيان بجديد ذي قيمة. تأتي قيمة الإبداع من أنه يُمَكِّنُنا من رؤية الأشياء بشكل مُختلف، فمن خلاله نستطيع إيجاد حلولٍ كثيرة لمُشكلات مُستعصية في مجتمعاتنا. كل الإنجازات الرائعة التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، مثل الهواتف الذكية وغيرها، ما هي إلا نتيجة لمجموعة من الأفكار الإبداعية المتميزة التي نُفِّذَت بنجاح. ذلك ما يجعلنا نجد أن معظم الشركات الرائدة في مجالها تسعى بشكل كبير لتوفير جو مناسب لتنمية الإبداع والتشجيع عليه بين موظفيها.

رغم ذلك توجد بعض المفاهيم الخاطئة التي تُعيق تقدمنا كأفراد على طريق الإبداع.

قد تندهش كثيرًا عندما أُخبرك أنك بالفعل مُبدع. نعم، أنت كذلك! والدليل أنه تأتيك أفكار عن أشياء مُتعددة، غير أنك لا تهتم بتدوينها أو تنفيذها. الحقيقة أننا كلنا نولد مبدعين، لذلك تجد الأطفال هم الأكثر إبداعًا. لكن نسبة الإبداع تقل مع تقدم السن نتيجة إهمال التفكير بشكل إبداعي، والدخول في قوالب ثابتة تفرضها طُرُق الدراسة وغيرها. وأيضًا نظرة المُجتمع للمُبدع على أنه شخص غريب شاذ عن النظام، فيلقى مُقاومة تؤدِّي إلى كبت إبداعه.

هل الإبداع حكر على بعض الأشخاص؟
مفهوم آخر مُنتشر يجعلنا نعتقد أن الإبداع محصور فقط على الأشخاص المُبدعين المشهورين في مجال الفن أو التكنولوجيا أو غيرهما، والذين استطاعوا بشكل ما أن ينجوا بقدراتهم الإبداعية من الصغر، وأيضًا أن ينَمُّوها بشكل رائع. في الحقيقة، دعني أُخبرك أمرًا: الإبداع عملية مُنظمة يُمكن تعلمها وتنميتها. ببساطة، مجموعة من الخطوات التي تتبعها فتُبدع! ذلك أن الإبداع كأي مهارة أُخرى، يتحسن بشكل كبير بالاهتمام والتدريب المُستمر.

سوف نتعرف على خطوات الإبداع وأيضًا مصادر لتنميته لاحقًا في هذا المقال، فقط ابقَ معي في الرحلة.

كيف تأتي الأفكار الإبداعية؟

كثيرًا ما نعتقد أن الأفكار الإبداعية تأتي فجأة في لحظة إلهام مُعينة يهبُّ بعدها صاحبها قائلًا «وجدتها!». صحيحٌ أن بعض الأفكار قد تأتي فجأة على الخاطر، ولكن أغلب الأفكار الإبداعية الفعَّالة تأتي بعد عملية مُنظمة تتضمن البحث والتفكير وفحص الأفكار والاختيار منها، وتأخذ بعض الوقت. بل إن بعض الابتكارات العظيمة قد يصل إليها أصحابها بعد سنوات من البحث والتفكير قد تمتد إلى عقد كامل، كاختراع الإنترنت مثلًا. ذلك أن الإنسان تكون عنده فكرة مبدئِيَّة تنمو على مدار الوقت بالنقاش مع آخرين والحصول على معلومات من مصادر مُختلفة، ليجد ضالته أو الجزء الناقص في النهاية، فيصل إلى فكرته الكاملة وابتكاره العظيم، والذي هو أكبر من مجموع تلك الأفكار المبدئية. لتتعرف على هذا المفهوم بشكل أكبر، ولتعرف من أين تأتي الأفكار الجيدة، وما البيئات المُحفزة للإبداع، أدعوك لقراءة كتاب “Where Good Ideas Come From”. هذا رابط لمُلخص الأفكار العامة للكتاب، مشروح في فيديو إبداعي:

خطوات الإبداع

تبدأ بالملاحظة، ثم تحديد المشكلة، وبعدها إنتاج الأفكار، وتصميم «نموذج مصغر» (Prototype) لها، وأخيرًا، اختبار الفكرة. سنناقش كل خطوة لنعرف كيف تتم، وأهميتها للمنتج النهائي ولعملية الإبداع ككل.

أولًا: مرحلة المُلاحظة

هذه المرحلة مُهمَّة جدًا، وكثيرًا ما يتم إغفالها والقفز إلى ما بعدها (تحديد المُشكلة). المُلاحظة المُستمرة وسؤال أصحاب المُشكلة جُزء مهم ورئيسي، ذلك أن ما تعتقده أنت هو سبب المُشكلة قد لا يكون كذلك على الإطلاق.

لنأخذ مثالًا، شركة فُرَش الأسنان المشهورة «أورال بي» أرادت صُنع فُرشاة أسنان مُبتكرة للأطفال. ذَهَبَت لشركة تصميم إبداعي للمُنتجات لتحصل منها على تصميم مُبتكر. بدأ فريق العمل في أولى خطوات الإبداع، المُلاحظة المُستمرة لأطفال يغسلون أسنانهم، وكيف يستخدمون الفُرشاة. الافتراض البديهي لأي شخص هنا سيكون أن الأطفال الصغار يحتاجون فرش أسنان صغيرة، فقط بهذه البساطة دون الحاجة لكل هذه الملاحظة والبحث. المُثير هنا أن فريق العمل لاحظ أن الأطفال، لصغر أيديهم، لا يملكون ذات التحكم الجيد في الفُرشاة كالكبار، بل لاحظوا أنهم عندما يغسلون أسنانهم بتلك الفرش الصغيرة يحرِّكونها وكأنهم يلكمون أنفسهم في وجوههم! نِتاجًا لذلك قام فريق العمل بتصميم فُرشاة كبيرة بيد مُمتلئة للأطفال، ما أدى إلى زيادة أرباح شركة أورال بي بشكل كبير لعدة شهور متتالية، وهذا كله بفضل مُلاحظة بسيطة.

ثانيًا: مرحلة تحديد المُشكلة

بعد انتهاء المُلاحظة الدقيقة وجمع المعلومات تأتي تلك المرحلة. يُنصح فيها بالتفكير الجيد لتحديد المُشكلة بشكل دقيق، وهي مرحلة حرجة ومُهمة ويَعتمد عليها نجاح الحل الإبداعي. يجب أن يُراعى ألا تكون المُشكلة سطحية تمامًا، أو كبيرة جدًا ومتشعبة فلا يمكن تحديها أو إيجاد حلول عملية لها يمكن قياسها.

ثالثًا: مرحلة إنتاج الأفكار

مرحلة إنتاج الأفكار هي مرحلة الإبداع الفعلي – مصدر الصورة

وتلك المرحلة هي مرحلة الإبداع الفعلي، وتتضمن إنتاج أكبر عدد من الأفكار الخاصة بحل المُشكلة وكتابتها. في هذه المرحلة كل الأفكار مقبولة حتى تلك التي قد تبدو سخيفة أو مجنونة أو تافهة أو لا يُمكن تطبيقها. الحكم على الأفكار هو من أكبر عوائق الإبداع، لذا وجب تقبل كل الأفكار مهما كانت. مُهم جدًا أمر كتابة الأفكار وتدوينها، بالإضافة إلى رسم توضيحي صغير يبرز الفكرة بجانبها.

الجزء الثاني من تلك المرحلة هو فحص الأفكار المطروحة، واختيار أنسب ثلاث أفكار لحل المشكلة، ثم اختيار فكرة منهم للتنفيذ.

رابعًا: مرحلة تصميم النموذج المصغر 

تُعد هذه المرحلة أولى مراحل وضع الفكرة في حيز التنفيذ، وفيها يتم تصميم نموذج مُصغر للفكرة، سواء كانت مُنتجًا أو آلة، أو حتى موقعًا إلكترونيًا. يراعى في هذا النموذج أن يكون مُبسَّطًا ومُعبِّرًا عن الفكرة، وتُستخدم فيه أدوات موجودة في البيئة، من أوراق وأقلام وأسلاك وغيرها. يُمكن مثلًا عند تصميم موقع أو مبنى أن يُرسَم على ورق بألوان مُختلفة، فيُستخدم كنموذج للفكرة.

خامسًا: اختبار الفكرة

وهو ما يعطي للفكرة مصداقية من حيث إنه يمكن الاستفادة منها في أرض الواقع بشكل حقيقي. تتضمن تلك المرحلة عرض الفكرة على المستفيدين وسؤالهم، هل فعلًا تصلح الفكرة للتطبيق في الواقع للاستفادة منها؟ هل تحتاج لإضافات أم أنها لا تصلح إطلاقًا؟

يجب أن تؤخذ هذه المرحلة باهتمام كبير مع تقَبُّل النقد مهما كان، حتى وإن كانت نتيجته أن الفكرة غير مُناسبة وتحتاج إلى العودة والبدء من جديد.


انتهت رحلتنا القصيرة في عالم الإبداع الرائع المليء بالمفاجآت. والآن، أقدم لك بعض الكنوز والمصادر التي تُمكنك من تنمية مهارات الإبداع لديك بشكل كبير. أقدم لك مجموعة من الكورسات المُقدمة من جامعات عالمية رائدة في مجال الإبداع، وهي مجانية وتُعلمك الإبداع بشكل مُبَسَّط وتفاعلي رائع، وستحظى بتجربة متميزة مع أقرانك المُبدعين حول العالم:

وإن كنت من هواة القراءة أدعوك لقراءة هذا الكتاب المجاني المتميز عن إتقان الإبداع “Mastering creativity”. قم بتحميله من خلال هذا الرابط، واستمتع.

Exit mobile version