بعد أن منّ الله عليّ بدرجة الدكتوراة، قررت أن أشارك المهتمين من الباحثين بعض النصائح والتي أتت نتاج خبرة عملية متواضعة. ولا أدعي في هذا المقال أن هذه النصائح هي وصفة سحرية للحصول على الدكتوراة، إنما هي فقط بعض الخبرات التي اكتسبتها من تجربتي العملية والتي ساعدتني كثيرًا في الحصول على الدكتوراة بدون مشاكل والحمد لله.
وقد لا تنطبق جميع هذه النصائح على كل الحالات، ولا يمكن أخذها على وجه العموم، نتيجة لاختلاف الظروف حسب مجال الدراسة والجامعة والمشرف على الرسالة. وأولًا وأخيرًا يجب عليك كطالب دكتوراة أن تحدد جيدًا هدفك من هذه الخطوة وما تسعى له من نيل هذه الدرجة، مما سيساعدك على وضع الوصفة السحرية المناسبة لك لإتمام هذه الدرجة بدون مشاكل.
جودة رسالة الدكتوراة ليست بكبر موضوعها، ولكن الحكم على رسالة الدكتوراة يتضمن العديد من الجوانب، مثل وضوح الفكرة وأهميتها والأدوات البحثية المستخدمة ومدى الجهد المبذول في الرسالة.
1. الدكتوراة ليست نهاية المطاف
قد تبدو هذه الجملة منطقية ومعروفة لدى الكثيرين، ولكنها شأنها شأن أي فكرة، بدون توظيفها توظيفًا صحيحًا أثناء رحلة الدكتوراة تصبح عديمة الجدوى.
قد يظن البعض أن درجة الدكتوراة هي آخر المشوار الأكاديمي أو آخر الدرجات العلمية التي يمكن الحصول عليها، وقد يكون ذلك نتيجة أن في بلادنا العربية كل ما نراه أن الدكتور هو شخص يقوم بالتدريس في الجامعة، ولكن حقيقة الأمر هي أن الدكتوراة ليست إلا درجة علمية تقر أنك كباحث لديك إلمام بمبادئ المجال الذي تدرسه ولديك القدرة على القيام بالبحث العلمي بشكل مستقل فيه باستخدام الأدوات المناسبة.
وعندما توظف هذه الفكرة سوف تجد أن العديد من العقبات يمكن تخطيها، حيث يجب عليك أن تنظر إلى الدكتوراة كعقبة أو كمسئولية ينبغي عليك القيام بها ضمن مسئوليات أخرى كثيرة بحيث لا تطغى أي منهم على الأخرى، مما سيحدث التوازن بين حياتك العلمية والعملية والأسرية.
2. ليس مطلوبًا منك أن تخترع الذرة!
ليس المطلوب منك أن تكون عبقريًا أو مخترعًا. بالطبع من الجيد أن تكون كذلك ولكنه ليس ضروريًا لإتمام الدكتوراة، بل إن اعتقادك أن رسالة الدكتوراة يجب أن تحتوي على اختراع جديد أو إسهام جليل للعلم قد يؤدي إلى العديد من المشاكل والعقبات.
يجب أن تكون توقعاتك لشكل الرسالة توقعات واقعية تتلاقى مع توقعات المشرف والجامعة التي تدرس بها، وذلك لأنه إذا كانت لديك العديد من الأفكار (العبقرية) صعبة التطبيق فإن ذلك سيكون عائقًا أمام تقدمك ولن يصيبك إلا بالإحباط في حال صعوبة تحقيق ما كنت تفكر فيه، وعادة لن تتقبل الحياد عن هذه الأفكار البحثية إلى أفكار أكثر تبسيطًا وأكثر قابلية للتطبيق العملي، وهذا سيطيل مشوار الدكتوراة لفترة أطول مما كنت تتوقعه.
كل ما هو مطلوب منك أن تجد فكرة بحثية جيدة، وتقنع بها المشرف ولجنة تحكيم الرسالة. ويا حبذا لو كانت فكرة ممتعة لك، بحيث تستمتع أثناء عملك بها. يأتي بعد ذلك تصميم الدراسة المناسب لبحث هذه الفكرة والقيام بجمع وتحليل البيانات. طبعًا ليس الأمر بهذه البساطة، فكل كلمة مما سبق ذكره تحتاج العديد من المحاولات والقراءات والمراجعات والاجتماعات مع المشرفين وكتابة أوراق بحثية وحضور مؤتمرات. وبشكل عام، في كل جامعة توجد خطوات أو مراحل أساسية يجب أن يجتازها الطالب للحصول على الدكتوراة، ويحصل المئات أو الآلاف في كل جامعة سنويًا على درجة الدكتوراة وبالتالي فإن الحصول على هذه الدرجة ليس شيئًا مستحيلًا.
عندما تضع هذه الحقائق أمام نظرك ستساعدك على رؤية الأمور بشكل أوضح. والخلاصة هي أنه ليس المطلوب رسالة دكتوراة تغير العالم، بل المطلوب رسالة دكتوراة جيدة تستطيع من خلالها الحصول على الدرجة العلمية.
3. لا تتوقع أن تكون خبيرًا بمجرد حصولك على الدكتوراة
قد يبدو لك أن لقب الدكتور أو الأستاذ يعني أن هذا الشخص ملم بكل تفاصيل المجال وأنه يعرف كل شيء عن هذا المجال. وهذه الفكرة خاطئة تمامًا. لأنه كما ذكرنا من قبل، حصولك على الدكتوراة يعني أن لديك القدرة على القيام بالبحث العلمي بناءً على أسس صحيحة وباستخدام الأدوات والتقنيات المناسبة، وبالتالي فإن محاولتك لتعلم كل تفاصيل المجال أثناء فترة محدودة وهي فترة الدكتوراة -دون التركيز في موضوع رسالتك- قد يعيق تقدمك وإنجازك للرسالة. يجب عليك أثناء هذه المرحلة التركيز على الأدوات والتقنيات التي يمكن من خلالها إنجاز رسالة الدكتوراة الخاصة بك، والتي ستبني عليها مجالك بعد التخرج ونيل درجة الدكتوراة.
تذكر دائمًا أن الحصول على درجة الدكتوراة مشروط بفترة زمنية، بمعنى أنه يجب عليك إتمام رسالة دكتوراة في فترة أربع أو خمس سنوات، على حسب القسم أو الجامعة. وبالتالي يجب أن تراعي عامل الوقت في حساباتك وتخطيطك.
4. لا تخف وعبر عن أفكارك
وتنطبق هذه القاعدة بشكل أكبر في حالة العلوم الاجتماعية، حيث يكون الطالب مسؤولًا عن إيجاد فكرة لرسالة الدكتوراة وغالبًا ما يكون العمل بشكل فردي وليس جماعيًا كما في بعض المجالات الأخرى، وبالتالي ففي هذه الحالة قد يستغرق الطالب نصف مدة الدراسة -حوالي سنتين- فقط لإيجاد فكرة الدكتوراة، حيث أنها ليست قاعدة أن يعمل الطالب في نفس مجالات اهتمام المشرفين. وبالتالي فإنه أثناء فترة البحث عن موضوع للرسالة يجب على الطالب التعبير عن أفكاره والتحدث عنها مع أساتذته وزملائه في القسم. ستجعل هذه النقاشات الفكرة أكثر وضوحًا في ذهن الطالب وتلقي الضوء على بعض المشاكل التي قد يقابلها أو بعض الأدوات البحثية التي يمكن أن يستخدمها.
تذكر أن مرحلة الدكتوراة هي مرحلة دراسة، وبالتالي فإن كل أساتذتك يعلمون أنك لازلت تحاول تنمية مهاراتك البحثية وتحاول أن تجد نقطة بحثية معينة تثير اهتمامك، وبالتالي فإنهم على استعداد لسماع أفكارك البحثية وإسداء النصح والمشورة.
5. فكرة واضحة ومحددة!
يقع معظم طلبة الدكتوراة في نفس الخطأ، ألا وهو اقتراح فكرة بحثية متعددة الجوانب ومتشعبة، ظنًا منهم أنه كلما كانت الفكرة كبيرة كلما كانت الرسالة جيدة. ولكن ما يكتشفونه لاحقًا -وقد يكون بعد فوات الأوان- أن جودة رسالة الدكتوراة ليست بكبر موضوعها، ولكن الحكم على رسالة الدكتوراة يتضمن العديد من الجوانب، مثل وضوح الفكرة وأهميتها والأدوات البحثية المستخدمة ومدى الجهد المبذول في الرسالة. وبشكل عام لا تبذل الوقت والمجهود في اختراع أو إثبات ما تم إثباته بالفعل، فعليك أن تبدأ مما انتهى إليه الآخرون.
وتذكر أن الإضافة للعلم لا تقتصر على الاختراعات الجديدة، ولكن البناء على ما هو موجود بالفعل وتحسينه وإيجاد بعض الحلول للمشاكل العملية أو حتى اختبار هذه الحلول، بصرف النظر عن جدواها، هي إسهامات علمية. وأخيرًا الفيصل هو قدرتك على إقناع المشرف ولجنة المناقشة بأهمية الفكرة وبالجهد المبذول في البحث، فكلما استطعت إقناعهم، فإن حصولك على درجة الدكتوراة لن يكون صعبًا.
6. خطط لكل مرحلة على حدة مع وضع عينك على النهاية
بوجه عام أثناء دراسة الدكتوراة توجد مراحل يمر بها الطالب، وتختلف هذه المراحل حسب مجال الدراسة والجامعة. ولكن بوجه عام يوجد اختبار مؤهل بعد أول سنة أو سنتين، يلي ذلك سيمينار لعرض موضوع الرسالة على لجنة من الأساتذة ثم سيمينار لعرض نتائج الدكتوراة ثم المناقشة.
وبالتالي يمكن تقسيم الدراسة إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة حضور الفصول الدراسية، والثانية مرحلة اختيار موضوع الرسالة وكتابة المقترح البحثي للرسالة، والمرحلة الثالثة هي مرحلة العمل الفعلي في الرسالة سواء في جمع البيانات وتحليلها أو كتابة الرسالة. وبالتالي فإن أسلم طريق لإنجاز هذه المراحل هي التفكير فيها مرحليًا، حيث أن التفكير في إنجاز آخر مرحلة قبل إنجاز المراحل الأولية لن يصيب الطالب إلا بخيبة الأمل، وذلك لأنه ليس مؤهلًا لهذه المرحلة بعد.
وفي نفس الوقت لا تحاول مقارنة نفسك ومهاراتك البحثية بزملائك السابقين لك، فهم قد مروا بما أنت فيه في أحد الأيام وبمرور الأيام وبالعمل استطاعوا اكتساب المهارات التي يمتلكونها الآن، وإن كانت المقارنة مهمة إذا كنت تستخدمها كدافع لك.
7. اكتب!
فيما يتعلق بكتابة الرسالة أو كتابة أي بحث بوجه عام، لكل شخص طريقة يفضلها، فالبعض يفضل البدء في الكتابة منذ المراحل الأولى للبحث، والبعض الآخر يفضل تأجيل الكتابة حتى انتهاء البحث، ولكن بالنسبة لرسالة الدكتوراة، فقد وجدت أن التدوين والكتابة أثناء جميع مراحل البحث هو من أهم الطرق الفعالة لإنجاز الرسالة.
وتبدأ هذه المراحل منذ البدايات الأولى للرسالة والتي يبحث فيها الطالب عن موضوع للرسالة ويقوم بعمل مسح للأدبيات، حيث أن كتابة مسح شامل للأدبيات في هذه المرحلة يساعد الطالب على استيعاب ما قرأه جيدًا، وكذلك فإنه يختصر الوقت فيما بعد عندما يأتي لكتابة الرسالة نفسها، حيث يمكن تلخيص مسح الأدبيات بشكل ملائم للرسالة.
وبشكل عام كلما كان لديك مخزون مكتوب من الأفكار والملاحظات عن الرسالة، فإن هذا المخزون يمكن استخدامه في أي وقت لكتابة أية أوراق علمية والاشتراك بها في المؤتمرات أو إرسالها للنشر في المجلات العلمية المتخصصة.
وأخيرًا وإلى جانب جميع الفوائد السابقة، تمنحك الكتابة الشعور بالإنجاز، وهذا الشعور هو من أهم المحفزات التي تستطيع من خلالها الاستمرار في البحث العلمي والتطلع إلى المزيد. أما فيما يتعلق بجودة الكتابة، نجد أنه ليس من السهل الكتابة بأسلوب علمي خاصة عندما تكون بلغة أخرى غير اللغة الأم، ولكن بشكل عام يوجد العديد من الأساليب التي يمكن اتباعها لتحسين جودة الكتابة بما يتناسب مع رسالة الدكتوراة، وسوف نتعرض إلى بعض هذه الأساليب في مقال منفصل.
8. أمسك بزمام القيادة
بوجه عام أثناء تعاملك مع مشرف الرسالة، يجب أن تتولى زمام القيادة لأنها رسالتك أنت وليست رسالة المشرف، وبالتالي فيجب أن تكون الأفكار الموجودة في الرسالة هي أفكارك، ويأتي دور المشرف في متابعة هذه الأفكار والتأكد من أنها منطقية ويمكن أن تكون نواة لرسالة جيدة.
ضع في اعتبارك أن المشرف لديه العديد من الرسائل والأبحاث والنشاطات الأخرى التي يتابعها، وبالتالي فيجب أن تتولى أنت زمام المبادرة بالأفكار. يجب أن تكون أنت المتحدث الرئيس في كل اجتماع، اقترح الأفكار والأدوات المناسبة لتطبيق هذه الأفكار، وضع خطة لتطبيق هذه الأفكار.
يجب أن يراك المشرف كشخص مسئول قادر على القيام بالبحث العلمي بشكل مستقل، وبالتالي ستكون محل ثقته. لا تكن مجرد منفذ لأفكار المشرف، لأنك في هذه الحالة لن تسيطر على أي شيء ولن تستطيع اتخاذ أي قرار.
كذلك لا يجب أن يكون المشرف عقبة في طريق تقدمك، فعلى سبيل المثال نجد أن بعض المشرفين نتيجة لانشغالاته العديدة لا يتابع أفكارك كما يجب، وبالتالي فهو يتعامل معك في كل اجتماع كما أنه أول مرة يسمع هذه الأفكار، فيسألك العديد من الأسئلة التوضيحية، والتي أجبتها مئات المرات بالفعل، بل ويقترح العديد من التعديلات في كل مرة. والظريف في الأمر أنك لو أسرعت بعمل هذه التعديلات فإنه سيسألك في اجتماع لاحق لماذا قمت بهذه التعديلات! في هذه الحالة عليك بتفعيل قيادتك للأمور.
لا تتسرع وتقوم بتنفيذ جميع التعديلات المطلوبة لأنه سيغيرها على أية حال، بل حاول أن تذكره دائمًا بالغرض مما تقومون به وأن عليك أن تنجز هذه الرسالة في الوقت المحدد، كما حاول تدوين كل مقترحاته وتذكيره بها.
9. خطط لما بعد الدكتوراة
قبل الحصول على درجة الدكتوراة، يجب على الطالب التفكير وتحديد في أية مسار يرغب في الاستمرار، المسار الأكاديمي أم مسار الشركات الخاصة. ولا أبالغ عندما أقول أنه من الأفضل أن يكون لديك فكرة عن مسارك المفضل من أول يوم في دراسة الدكتوراة، وذلك لأن طريقة الإعداد تختلف على حسب المسار وقد تؤثر على خططك واختياراتك أثناء مرحلة الدكتوراة.
وبشكل عام لكل من المسارين مميزات وعيوب سوف نتناولها في مقالات أخرى. أما عن مميزات وعيوب كل مسار، فإن هذا موضوع آخر سيفرد له مقال آخر. ويمكنكم مراسلة علماء مصر بهذا الصدد.