النقلة من عالم الطيور إلى عالم الثدييات
صديقنا موضوع اليوم هو واحد من الدلائل التطورية التي تؤكد هذه النقلة، حيث يُظهر صفات وخصائص تجمع بين الطيور والثدييات، ويعتبره علماء البيولوجيا من الثدييات البدائية التي لا تحمل كامل صفات الثدييات، بل الصفات الرئيسية فقط.
لكن قبل التحدث عنه، دعوني أخبركم معلومتين عن خصيصتين رئيستين بشأن جميع الثدييات، ولا توجد إلا في الثدييات فقط.
أولًا: الشعر:
تتميز الثدييات بوجود الشعر الذي إما أن يغطي جميع أجزاء الجسم كما هي الحال في العديد من الثدييات المعروفة، أو يغطي بعض أجزاء الجسم، حتى أنه قد يقتصر فقط على بعض الشعيرات التي تكون في الغالب ذات وظيفة حسيّة كما في الدلافين والحيتان. ويُعتقد بأن للشعر وظيفة مهمة جدًا في معظم الثدييات إذ يستخدم في الحفاظ على درجة حرارة الجسم، فالثدييات من ذوات الدم الحار التي لا تتأثر درجة حرارتها الداخلية بدرجة حرارة الجو المحيط، ويساعدها في ذلك وجود الشعر.
ثانيًا: «الغدد الثديّة» (Mammary Glands):
تتميز جميع الثدييات بلا استثناء بوجود الغدد اللبنيّة في الأنثى، والتي تساعد في تغذية الصغار من خلال الحليب (الذي يتميز باحتوائه على جميع العناصر الغذائية من البروتين، والدهون والسكريات خاصة «سكر اللاكتوز»، كما يحتوي على الفيتامينات). يعتقد بعض العلماء أن الغدد الثديّة في الأصل غدد عرقيّة، لكنها مُعدّلة تمامًا؛ حيث تتكون من نظام من القنوات تضم أنسجة غديّة مسؤولة عن إفراز الحليب. وتختلف الغدد الثديّة في شكلها وموقعها داخل الجسم بين الأنواع المختلفة من الثدييات، لكنّ هذه الغدد إحدى الصفات الرئيسة للثدييات، والتي اشتق منها اسم «الثدييات».
الآن وقد تحدّثنا بما يكفي عن الثدييات، دعوني أُرحِّب بصديقنا اليوم الذي أبهر العديد من العلماء ولا يزال يُبهرهم. «خُلْد الماء» (Duck Billed Platypus) -والاسم العلمي له (Ornithorhynchus anatinus)– واحد من الثدييات التي تعيش في شرق أستراليا، بدءًا من المناطق الاستوائية المشبعة بالبخار في أقصى شمال كوينزلاند وحتى ثلوج تسمانيا المتجمدة. تعيش هذه الحيوانات في الأنهار شرق سلسلة جبال «الفاصل الكبير» (Great Dividing)، كما تتواجد في بعض التيارات المتدفقة في الغرب، وتعيش هذه الحيوانات في شمال كوينزلاند بالقرب من الساحل.
ما المميز في هذه الحيوانات إذًا؟
تتميز هذه الكائنات بأنها تجمع بين خصائص الطيور وخصائص الثدييات، وقد اعتبرها المستكشفون الأوائل ووصفوها بأنها بطة في جسم ثديي مُغطَّى بالشعر، إذ لها منقار يشبه منقار الطيور، لكن هذا المنقار -رُغم وجه الشبه- ليّن للغاية ويحتوى على آلاف المستقبلات التي تساعد على اكتشاف الفريسة. هذه الحيوانات لا تلد مثل الثدييات، بل تبيض وترقد على بيضها، لكنها تعتبر من الثدييات لوجود الغدد الثديّة التي لم تتطوّر كثيرًا، فحيوانات خُلد الماء لا تملك حلمات، بل تتعرق الحليب ليسيل على جسمها وتتغذى عليه الصغار، كما أن جسمها مغطى بالفرو الذي له دور كبير في الحفاظ على درجة حرارة جسمها وإبقائها دافئة وجافة حتى بعد السباحة لساعات طويلة.
تتميز هذه الكائنات أيضًا بانخفاض درجة حرارة جسمها حيث تكون درجة حرارة جسمها 32 درجة مئوية. كما أنها تتميز بأنها كائنات عادةً ما تكون منعزلة، وتقضي حياتها إما في التغذي على طول قيعان الأنهار والجداول والبحيرات أو الراحة في جحورها، وهي كائنات نشيطة جدًا وتتغذى بشكل مستمر أثناء تواجدها بالماء. يكثر نشاط هذا الكائن بصفة عامة وقت الفجر والغسق، لكنه قد ينشط كثيرًا خلال النهار اعتمادًا على الموسم، لكنه في الأوقات العادية يقضي معظم النهار مختبئًا في جحره. ومن بين المميزات -الأكثر خطورة- لهذا الكائن، أن ذكر خلد الماء لديه لسعات حادة في كعوب أقدامه الخلفية يستخدمها لتوجيه ضربة سامة قوية لأي عدو تؤدي في الغالب إلى قتل الكائنات الصغيرة، وقد تتسبب بألم حاد للإنسان إذا اخترقت الجلد.
التغذية:
تتغذى هذه الكائنات على اللافقاريات مثل المحار والديدان، لكنها قد تتغذى على الحشرات واليرقات وفي بعض الأحيان الأسماك والضفادع. ولا تمتلك هذه الكائنات أسنانًا، لذلك تلتقط الحصى من القاع إلى جانب طعامها، وتختزنه في أكياس الخد التي تساعدها على طحن وهضم الطعام. وإلى جانب افتقاره للأسنان، لا يملك خلد الماء مَعِدة، حيث يتصل المريء بالأمعاء الدقيقة مباشرةً. وتتميز هذه الكائنات أيضًا بنظامها الكهروميكانيكي المعقد الذي تستخدمه لاكتشاف الإشارات الكهربية الدقيقة الصادرة عن عضلات فريستها.
العمر:
تعيش هذه الكائنات 20 عامًا أو أكثر في الأُسَر، وتصل إلى 12 عامًا في البرية. ويتراوح طول خلد الماء من 38 إلى 40 سم والذكور أكبر بشكل عام عن الإناث.
الحركة:
في الماء تتحرك هذه الكائنات بسرعة، حيث تتضمن التكيفات المائية لهذا الكائن الجسم الانسيابي المسطح والعينين والخياشيم على ظهره والفراء الكثيف المقاوم للماء الذي يحافظ على خلد الماء معزولًا جيدًا، ويحافظ الشعر الطويل على المنطقة البطنية جافة حتى بعد ساعات من السباحة. كما يعمل الذيل الشبيه بالمضرب كمثبت في عملية السباحة، بينما تعمل القدم الخلفية كدفة ومكبح، وتستخدم القدم الأمامية كمجدف في السباحة، مما يساعد خلد الماء على السباحة باحترافية.
أما على اليابسة، فتتحرك هذه الكائنات ببطء، وينكشف الفراء الموجود على أقدامها لتظهر الأظافر التي تساعدها على الجري. وتستخدم هذه الكائنات أظافرها وأقدامها لبناء حجور ترابية على حافة المياه تبقى فيها بقية النهار، ويكون الجحر بمساحة تكفي خلد ماء واحد فقط، وتستخدم هذه الجحور لوضع بيضها بداخلها.
التطور:
تظهر الدراسات الحديثة أن أول ظهور لهذه الكائنات يعود إلى حوالي 110 مليون عام، في أوائل العصر الطباشيري، عندما كانت أستراليا لا تزال متصلة بأمريكا الجنوبية عن طريق القارة القطبية الجنوبية، أي قبل انقراض الديناصورات بوقت طويل.
التكاثر:
في الحقيقة لا يُعرف الكثير عن دورة حياة هذه الكائنات، إلا أن المعروف أن ذكور وإناث هذه الكائنات تكبر بشكل كامل بين عمر 12 و18 شهرًا، وتصبح ناضجة جنسيًا خلال حوالى 18 شهرًا. يتجنب الجنسان بعضهما البعض إلا للتزاوج، ولا يتزاوجان حتى يبلغا أربع سنوات على الأقل. وغالبًا ما يتقاتل الذكور خلال موسم التكاثر مما يتسبب في إصابة بعضهم البعض بجروح بسبب نتوءات الكاحل الحادة. وتتم المغازلة والتزاوج في الماء من أواخر الشتاء حتى الربيع، ويختلف التوقيت باختلاف خطوط العرض، حيث يحدث التزاوج في وقت مبكر في الأجزاء الشمالية من النطاق، وبعد ذلك في المناطق الجنوبية.
لا يشارك الذكور في تربية الصغار، حيث تبني الإناث جحورًا حضانة مبنية خصيصًا، وتضع عادة فيها بيضتين صغيرتين. يستغرق الحمل أسبوعين على الأقل (وقد يصل إلى شهر)، وقد تستغرق حضانة البيض من 6 إلى 10 أيام أخرى، لكن صغار خلد الماء تكون ضعيفة جدًا، لذلك تتولى الأم رعاية صغارها وإرضاعهم لمدة تتراوح بين ثلاثة وحتى أربعة أشهر ليتمكن الصغار من السباحة بمفردهم.
المصادر:
https://animaldiversity.org/collections/mammal_anatomy/mammary_glands/
https://www.britannica.com/science/mammary-gland
https://www.nationalgeographic.com/animals/mammals/facts/platypus
https://www.britannica.com/animal/echidna-monotreme
https://environment.des.qld.gov.au/wildlife/animals/a-z/platypus