الكاتب: رنا ماضي
إذا حاول كائن ما مهاجمتك، فبالتأكيد ستحركك غريزتك الأولى -وهي الرغبة في البقاء على قيد الحياة- لتحاول الدفاع عن نفسك بكل الوسائل والأسلحة المتاحة، ولكن ماذا إذا كان ما يهاجمك لا تستطيع رؤيته بعينيك؟ رغم أنه بالقرب منك، بل ويحيط بك من جميع الجهات وبأعداد مهولة! إذًا، لا بد أنك بحاجة إلى سلاح من نوع خاص.
في هذا المقال سنتناول ماهية اللقاحات وكيفية عملها والأنواع المختلفة منها.
مسببات الأمراض (Pathogens) كالفيروسات والبكتيريا والطفيليات والفطريات هي أكبر مثال على ذلك النوع الذي يحتاج إلى سلاح من نوع خاص، وسلاحنا هنا هو اللقاح (Vaccine). اللقاح هو منتج يُصنع لمقاومة المسببات المرضية، ومنع أو التحكم في الأمراض الناتجة عنها. فمنذ آلاف السنين كانت هناك الكثير من الأمراض التي عانى البشر منها، ورغم ضعف الإمكانيات إلا أن المحاولات لم تتوقف من أجل إيجاد علاج لهذه الأمراض، حتى أنه كان يُتوصّل إلى علاج بعض هذه الأمراض على الرغم من الجهل بالمسبب المرضيّ وبالآلية التي تمكن العلاج من القضاء على المرض من خلالها.
لنأخذ جولة سريعة في الماضي، وتحديدًا شهر مايو عام 1796. هذه الرحلة القصيرة إلى الماضي ستساعدنا كثيرًا في فهم الفكرة الأساسية لعمل اللقاحات.
تبدأ القصة بعد أن لاحظ العالم الإنجليزي «إدوارد جانر» (Edward Jenner) أن بعض الأشخاص ممن يحلبون الأبقار ويصابون بمرض «جدري البقر» (Cowpox) -وهو مرض يصيب الأبقار ويمكن أن ينتقل إلى الإنسان- لا يصابون بمرض «الجدري» (Smallpox) حتى في الحالات الشديدة لتفشي المرض، وعلى الرغم من أن التشابه بين المرضين ليس كبيرًا، حيث أن مرض جدري البقر عندما يصيب إنسانًا تكون أعراضه أخف كثيرًا مقارنةً بمرض الجدري إلا أن التشابه الموجود كفيلٌ بأن يستحث جهازك المناعيّ لمقاومة مرض الجدري (Smallpox)، فقام العالم «إدوارد جانر» بأخذ أجزاء من البثور (Pustules) الناتجة عن مرض جدري البقر من إحدى السيدات التي أصيبت به، تُدعى «سارا نيلمس» (Sarah Nelmes)، ولقّح بها صبيًا يبلغ من العمر ثمانية أعوام، يُدعى «جيمس فيبس» (James Phipps)، فشعر الصبي بأعراض خفيفة لكنّه تحسّن فيما بعد، ثم بعد بضعة أيام لقح العالم «إدوارد جانر» الصبيّ مرة أخرى، لكن هذه المرة كان ما استخدمه مأخوذًا من شخص ما مصاب بالجدري (Smallpox)وهذه المرة لم يُصَبْ الصبي بأي أمراض ولم تتطور لديه أي أعراض.
لم تكن هذه بداية فكرة التلقيح فقد سبقتها محاولات كثيرة، ويعود أصل هذه الفكرة إلى سنوات طويلة جدًا قبل ميلاد العالم «إدوارد جانر»، لكن يعتبر العالم «إدوارد جانر» هو أول من طور نسخة آمنة وموثوقًا بها من اللقاحات.
والآن كيف يعمل اللقاح؟
لكي تعرف كيف يعمل اللقاح عليك أولًا فهم كيف يعمل جهازك المناعي، حيث أن لكل مسبب مرضيّ أجزاء فرعية (Subparts) تُعرف باسم «المستضدات/أنتيجينات» (Antigens)، والأنتيجين هو ما يحفّز ما يُعرف بـ «الأجسام المضادة» (Antibodies)، وهي نوع من أنواع البروتينات التي ينتجها الجهاز المناعي للقضاء على المسبب المرضي، ويكون لكل أنتيجين نوع واحد فقط من الأجسام المضادة تستطيع أن تتعرف عليه وتقضي على المسبب المرضي، ويمكن في حالة وجود نوعين متشابهين من المسببات المرضية أن يكون لهما نفس النوع من الأجسام المضادة التي تتعرف عليهما. عندما يدخل مسبب مرضي ما جسمك لأول مرة يستغرق جسمك فترةً من الوقت لينتج الجسم المضاد المناسب، وخلال تلك الفترة يمكن للمسبب المرضي أن يتضاعف داخل جسمك مما يؤدي إلى حدوث عدوى فتصبح مريضًا. وعندما ينتج جسمك الجسم المضاد المناسب ويقضي على المسبب المرضيّ، يتشكل في جسمك نوع من الخلايا تسمى خلايا الذاكرة (Memory Cells)، وتستطيع هذه الخلايا أن تبقى في الجسم حتى بعد القضاء على المسبب المرضي، لكي تتعرف عليه إذا دخل جسمك مرة أخرى، فتكون الاستجابة المناعية في هذه الحالة أسرع وأكثر فاعلية، مما يضمن لك حماية من الأمراض التي كان من الممكن أن يحدثها هذا المسبب المرضي.
إذًا فما دور اللقاح هنا؟
اللقاح باختلاف أنواعه التي سنتناولها دوره تحفيز وتدريب جهازك المناعي على مواجهة والقضاء على المسبب المرضي دون أن تكون قد تعرضت لهذا المسبب المرضي من قبل، وعليه إذا حدث وتعرضت لهذا المسبب المرضي سيكون جهازك المناعي مستعدًا بالأجسام المضادة المناسبة ليقضي على المسبب المرضي نظرًا لوجود خلايا الذاكرة التي تكونت بعد تكوين الأجسام المضادة، حيث أصبح جسمك الآن يعرف جيدًا كيف يقاوم هذا المسبب المرضي، وهذا يضمن لك عدم إصابتك بالمرض أو منع تطور الأعراض.
والآن ما أنواع اللقاحات؟
هناك العديد من الطرق والتقنيات منها ما يستخدم حديثًا لصناعة اللقاحات وتتضمن:
- «اللقاحات معطلة المفعول» (Inactivated Vaccine) وفيها يُستخدم المسبب المرضي أو آخر شبيه له بعد أن يُقتل بالحرارة أو باستخدام مادة كيميائية أو بالإشعاع، ومن ضمن الأمثلة على هذا النوع من اللقاحات تلك المستخدمة في علاج الإنفلونزا وشلل الأطفال.
- «اللقاحات الحية الموهنة» (Live-attenuated Vaccine) وفيها تُستخدم نسخة حية ولكن ضعيفة جدًا من المسبب المرضي أو آخر شبيه له. هذا النوع من اللقاحات هو أقرب للعدوى بشكل طبيعي لذا هو خير مدرب لجهازك المناعي لمواجهة مسببات الأمراض، ولذا إذا كان الشخص ذا مناعة ضعيفة -خاصةً الأطفال- لا يجب عليهم أخذ هذا النوع من اللقاحات. ويُعد اللقاح المستخدم لعلاج «الحصبة الألمانية» (Rubella)، و«الحمى الصفراء» (Yellow Fever)، و«الجدري» (Smallpox) من بين الأمثلة على هذا النوع من اللقاحات.
- «لقاحات الناقل الفيروسي» (Viral Vector Vaccine)وفيها يُستخدم فيروس آمن أي لن يسبب لك أي مشاكل، لينقل ويوصل أجزاء من المسبب المرضي إلى داخل جسمك، هذه الأجزاء عبارة عن بروتينات ودخولها إلى جسمك كافٍ ليستحث جهازك المناعي للاستجابة لها بشكل مناسب. ومن بين الأمثلة على هذا النوع من اللقاحات اللقاح المستخدم لعلاج الإيبولا.
- لقاحات تُستخدم فيها أجزاء من المسبب المرضي (Subunit Vaccine)، وهذا النوع على عكس ما سبقه لا يُستخدم فيه المسبب المرضي كاملًا أو ناقل فيروسي، بل تُستخدم فيه أجزاء معينة من الفيروس قد تكون بروتينات أو سكريات أو غيرها والتي يتعرف عليها جهازك المناعي، ويستجيب لها بشكل مناسب. ومثال على هذا النوع من اللقاحات هو اللقاح المستخدم لعلاج مرض «الخنّاق» (Diphtheria)، وهو مرض بكتيري ناتج عن سموم تفرزها البكتيريا.
- «لقاحات الحمض النووي» (Nucleic Acids Vaccine)، وعلى عكس الأنواع السابقة فلا يُستخدم المسبب المرضي كاملًا أو حتى أجزاء منه، بل يُستخدم مقطع من المادة الوراثية، فسواء كان (DNA) أو (mRNA) فكلاهما يحتوي على التعليمات اللازمة لإنتاج بروتينات معيّنة يستطيع الجهاز المناعي أن يتعرّف عليها ويتعامل معها. هذا النوع من اللقاحات يُعد واحدًا من التقنيات المستخدمة حديثًا لمواجهة فيروس كورونا، حيث دفعت الجائحة إلى تطور وتقدم كبير في الأبحاث التي تتناول هذا النوع من اللقاحات مما أدى إلى السماح باستخدام «لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال» (mRNA Vaccines) كلقاحي «فايزر بيوتك» و«مودرنا» بشكل طارئ لمواجهة فيروس كورونا.
في ظل ما يشهده العالم من أحداث تتعلق بجائحة كورونا أصبح علينا الآن أن نعي أكثر بالمخاطر التي تحيط بنا دون علم منا. فالمسببات المرضية كالفيروسات والبكتيريا ليست جديدة على عالمنا، وقد سبق وشهدت البشرية تفشي أمراض خطيرة أدت إلى أحداث مأساوية، وهي ما أدت إلى اكتشافنا سلاحنا الخاص الذي تنافست الدول منذ فترة حتى تكون صاحبة الفضل لإنقاذ البشرية من خلاله، وانتظره ملايين البشر آملين في عودة الحياة الطبيعية. ولا يزال التنافس مستمرًا، فالعلم يتطور بسرعة هائلة، والعالم يتغير كل يوم، والمخاطر ستتواجد دائمًا، لذا كن دائمًا مستعدًا للمواجهة مع سلاحك الخاص.
المصادر:
https://www.who.int/news-room/feature-stories/detail/how-do-vaccines-work
https://time.com/5835668/vaccine-history/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1200696/
https://www.cdc.gov/vaccines/hcp/conversations/understanding-vacc-work.html
https://www.who.int/ar/news-room/feature-stories/detail/the-race-for-a-covid-19-vaccine-explained