اجتماعات البنك الدولي 2021: رأي وإطلالة

بقلم: يسرية عادل

مرة أخرى هذا العام، شَرُفت بالمشاركة في حلقات نقاشية رفيعة المستوى عبر البث مباشر، في حضور نخبة من الساسة والخبراء في الشأن الاقتصادي والطبي والمهتمين بالبيئة وغيرهم، في اجتماعات مجموعة البنك الدولي في أكتوبر ٢٠٢١ التي تناولت عدة محاور بالتحليل والاستقصاء ورصد الآراء والرؤى، وذلك في أربع فعاليات رئيسة هي :

  1. النمو في وقت الأزمة
  2. إنهاء الجائحة والتعافي الشامل
  3. جعل العمل المناخي مؤثرًا
  4. التجارة في مهمة إنقاذ
الواقع بات يدفع بعنصريّ الاستثمار الأثيرين الآن: اللقاحات ومشروعات الطاقة النظيفة، فضلًا عن استهداف دعم القطاع الخاص لإعداد لاعبين جدد في مواجهة تداعيات تغيّر المناخ !

ورغم اختلاف أهداف المشاركين في تلك الاجتماعات، كانت المضامين إيجابية، حيث انطلقت في مسار كيفية تأمين الواقع الآنيّ والمتوقع !

صياغات النقاش الترويجية التي طرحها «ديفيد مالباس» (David Malpass) والمستشارون بالبنك الدولي لا شك في استهدافها تحقيق استثمارات آمنة نسبيًا للبنك الدولي، وتخفيض نسب عدم الثقة فيها، لا سيما أن الواقع بات يدفع بعنصريّ الاستثمار الأثيرين الآن: اللقاحات ومشروعات الطاقة النظيفة، فضلًا عن استهداف دعم القطاع الخاص لإعداد لاعبين جدد في مواجهة تداعيات تغيّر المناخ !

أكّد «ديفيد مالباس» -رئيس البنك الدولي- في مستهل المؤتمر الصحفيّ، أن العالم يعاني من تعافٍ غير متوازن وتضخّم، وقد تسببت الجائحة في إغلاق العديد من المصانع والموانئ وتوقف الحاويات، نتيجة إضعاف مشروعات القطاع الخاص وإغلاقها، وهو ما تسبب في حدوث نقص في سلاسل الإمداد، وتأخّرٍ في الوفاء بالتعاقدات وتوصيل اللقاحات.

من هنا انبثقت فكرة توطين الصناعات الطبية والغذائية لتلبية الحاجات الضرورية والعاجلة، واتضحت أهمية توازن الحكومات في الإنفاق على الصحة والتعليم ورأس المال البشري. وأهمية التوجه نحو وقف دعم المشروعات التي تستخدم الطاقة الضارة بالبيئة، والحد من الفقر، حتى تتمكن المجتمعات الفقيرة من الصمود في مواجهة تحديات تغير المناخ.

لفت مالباس الانتباه إلى مدى ارتفاع نسب الذين تجاوزوا حد الفقر المدقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وطالب بعض الساسة المنظمات الدوليّة بدعم الحكومات في قضايا العدالة وتوفير المعلومات حول السياق العالمي، كنوع من الأدلة لدعم موقفها حيال تلك القضايا.

كانت أهم النقاط التي طرحت خلال النقاشات كيفية التعامل مع عدم المساواة بين الدول المتقدمة والدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث حصل 61% من المواطنين في الدول الغنية على اللقاحات، بينما لم يحصل عليها إلا 4% من المواطنين في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.

تناولت النقاشات أيضًا مسألة صناعة اللقاح والاحتكار وإشكاليات مركزية الإنتاج، ومدى إمكانية نقل التكنولوجيا والتنازل عن الملكية الفكرية لدعم إنتاج اللقاحات في أفريقيا، ومدى أهمية استثمار القطاع الخاص الوطني فيه.

ألحّ بعض رجال الأعمال الأفارقة في طلب تصنيع اللقاحات في بلدانهم، وتخصيص أراضٍ ومنح تراخيص للصناعات وصلاحيات للشركات العالمية مثل «فايزر» و«مودرنا»، وتمكين بلدانهم من التصنيع ونقل المهارات والمعرفة إليها، بقولهم «الأرواح قبل الأرباح» لا العكس.

تجربة دعم الهند من صندوق الائتمان الإفريقي والبنك الدولي، وتبني الاتحاد العام للقاحات، وإنشاء شركات لإنتاج اللقاحات في استهداف الإمداد العاجل لبلدان أفريقيا، ثم تملص الهند من الوفاء بطلبات أفريقيا العاجلة من اللقاحات، بدعوى «شعبي أولًا»، تلك «الأنا أولًا» جعلت دول أفريقيا، تؤكد خطأها في وضع بذور التصنيع خارج أراضيها، بعد خلق سوق اللقاحات الجديد في الهند، وأسواق لملايين الوظائف والخدمات الطبية لمواطنيها .

كانت على رأس النقاشات كذلك تقوية الأنظمة الصحية، ومد جسور التعاون الإقليمي، والاستعداد للطوارئ الصحية. وفي معرض حديثه ذكر «د. أجول» من إثيوبيا تجربتهم في إنشاء المركز الإثيوبي لعلاج الأوبئة المستوطنة، ودور البنك الدولي في دعمه بالخبرات، وتوفير الموارد من خلال المنح وبناء القدرات، وإعداد البنية التحتية.

عدم القدرة على توقع القادم يجعل الاستعداد بنظم صحية قوية مسألة رئيسية، ويجعل الإسراع بالتعاقد مع شركات مثل «فيليبس» و«إلكتريك»، وشراكة القطاعين العام والخاص لإنتاج المعدات والأجهزة الطبية، وكذلك التركيز على تخريج كوادر من الفنيين، والالتزام بالمعايير الدولية، أمرًا ملحًا لا مفر منه.

في حلقة المناخ كانت هناك رسالة هامة مفادها أن العالم يتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة إلى ثلاث درجات، وماهية دورنا في اتخاذ إجراءات للحد من هذا الارتفاع بحد أقصى 1,5 درجة لمنع انتشار الأوبئة والأمراض، والهجرة، والقدرة على إنتاج الغذاء وغيرها من المواضيع.

«التجارة في مهمة إنقاذ» عنوان له معنى، حيث دعمت الجائحة التجارة المحلية، وأظهرت دلالات انخفاض نسب التبادل التجاري بين بلدان القارة الأفريقية، مقارنة ببلدان العالم الأخرى؟ وُضعت علامة حمراء أمام مسألة الشركات الكبيرة، وقدرتها على الحصول على القروض المصرفية والأسواق المالية، وهو ما لا يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة تحقيقه.

في ضوء ما سبق، نجد أن بإمكاننا بحث إمكانية الاستفادة من تغيُّر المناخ بتشارك الفكر العلمي المتخصص، ومواصلة التجارب العلمية لزراعة بعض المحاصيل التي يمكنها النمو في درجات الحرارة العالية، ومحاصيل أخرى تُزرع بمياه البحر، ويمكننا إجراء التجارب على الأراضي الصحراوية، والأراضي الممتدة على السواحل. لدينا في مصر فرص واعدة لإنتاج الطاقة الشمسية واستخدامها، باستغلال النوافذ والأسطح في المدن الجديدة، والتطبيق التجريبي تدريجيًا للاكتفاء داخل منطقة أو مدينة، ثم التعميم.

تراودني تساؤلات حول دور البحث العلمي العالمي والمحلي، لاسيما الدور المتخصصة كالمراكز البحثية الدوائية والعلاجية، الإنسان والحيوان والنبات، وصمت العلماء عن طرح اكتشافات أخرى، خلاف التكيف والصمود. ماذا عن ثقب الأوزون، أليس هناك حلول من علماء الفضاء؟  ثم ماذا عن الإعلام العلمي وتقاريره ومقالاته وإلهامه العلمي للخبراء والمتخصصين، ومتابعاته الاحترافية في هذا الغزو المناخي، ما قبله وبعده؟

Exit mobile version