بقلم : عبيـــر عمـــر
منذ اختراع البلاستيك عام 1950 م، لم يألُ العلماء جهدًا في تطوير هذه المادة التي تفوقت على كثير من المعادن والأخشاب، لما لها من خصائص متعددة جعلتها عنصرًا أساسيًا في كثير من الصناعات، لتحتل الصناعة البلاستيكية الصدارة، فلا تخلو حياتنا اليومية من الكثير من المنتجات التي يكون البلاستيك جزءًا منها.
كيف يتم تصنيع البلاستيك؟
يتم تصنيع البلاستيك عن طريق تحويل البترول الخام إلى جزيئات صغيرة تسمّى «مونيمر» عن طريق تكسير الروابط، ثم يتم ربط تلك «المونيمرات» معًا في سلاسل كربونية طويلة تسمّى «بوليمرات»، ويُطلق على هذه العملية اسم «البلمرة»، وهناك العديد من البوليمرات، منها «البولي إيثيلين» (Polyethylene) و«البوليستر» (Polyester).
ما الذي جعل صناعة البلاستيك تحتل الصدارة؟
للبلاستيك العديد من الخصائص التي جعلت صناعة بأكملها تقوم عليه ليحل محل الكثير من المعادن والأخشاب، فهو:
1- رخيص الثمن.
2- مقاوم للصدأ والتآكل.
3- سهل التشكيل والقولبة، حيث يتم صبّ البلاستيك في صورته السائلة في القوالب لنحصل على أي منتج كزجاجات المياه، وعلب حفظ الطعام، وغيرها من المنتجات، ليكون البلاستيك بذلك جزءًا أساسيًا في كثير من الصناعات كالسيارات والأدوات المنزلية والطلاء وغيرها الكثير من المنتجات. ومنذ اختراع هذه المادة إلى الآن تم إنتاج ما يقرب من 380 مليون طنٍ، ومن المتوقع أن يزداد معدل الإنتاج سنويًا.
كيف تحول البلاستيك من عماد الثروة الصناعية إلى كارثة بيئية؟
يحتاج «البولي ستايرين» (Polystyrene) إلى عقود من الزمن كي يتحلل تمامًا، فرغم المزايا العديدة لهذه المادة إلا أنها تتصف بصعوبة التحلل، وترجع صعوبة تحللها إلى عاملين أساسيين هما: كبر الوزن الجزيئي لبوليمرات البلاستيك، وأنه «كاره للماء» (Hydrophobic)، حيث تتميز المركبات الكارهة للماء بصعوبة التحلل المائي، فتقل قابليتها للتحلل البيولوجي. لذا، نجد مخلفات هذه الصناعة حولنا حتى الآن، حيث تم توثيق وجود نفايات بلاستيكية في أعماق البحر وعلى قمم الجبال أيضًا.
كارثة بيئية نتيجة للإنتاج المتزايد للبلاستيك وصعوبة تحلله
يستغرق البلاستيك 500 عام ليتحلل تمامًا ويصل إلى عناصره الأساسية الأولية، وقد تحتاج أكياس البلاستيك 1000عام حتى تتحلل بالكامل، فيترتب على ذلك وصول مخلفات البلاستيك إلى الماء والهواء وسلسلة الغذاء، فيخلّف الإنتاج الهائل للمواد البلاستيكية أطنانًا من النفايات البلاستيكية. وقد نتج عن ذلك التلوث عدة حالات نفوق للأسماك والحيوانات والطيور، ففي الولايات المتحدة الأمريكية أُبلِغَ عن الكثير من السلاحف والدلافين والطيور النافقة نتيجة ابتلاع هذه المخلفات.
إلا أن هناك خطرًا أعظم من المخلفات البلاستيكية هو غبار البلاستيك غير المرئي، الذي يتكون من جزيئات البلاستيك الدقيقة التي لا يتجاوز قطرها 5 مم وتعرف بـ «الميكروبلاستيك» (Microplastic)، وجزيئات «النانو بلاستيك» (Nanoplastic) التي لا يتجاوز قطرها بضع نانومترات، حيث يمكن لهذه الجزيئات التواجد في الهواء ومعظم المسطحات حولنا، ولا يكاد يخلو أي مكان من مخلفات تلك الملوثات.
هل يمكن أن يشكل الميكروبلاستيك خطرًا على الإنسان؟
كشفت نتائج فحوصات مجموعة من الأفراد يتراوح عددهم بين 9 وحتى 11 شخصًا عن وجود 39 عينة من الميكروبلاستيك داخل رئة هؤلاء الأشخاص، وكانت هذه العينات عبارة عن بوليمرات متعددة ومعظمها من بوليمرات البولي إيثلين الموجود في أكياس التعبئة وبوليمرات النايلون الموجود في الملابس، والتي يُعتقد أنها وصلت إلى لأنسجة العميقة للرئة من خلال الهواء الملوث بغبار البلاستيك، ولكن لم يستطع العلماء بعد تحديد الأثر الطبي لهذه الجزيئات على صحة الأفراد ووظائفهم الحيوية، ولكن كلما توغّلت جزيئات الميكروبلاستيك في خلايا الرئة العميقة، زاد خطرها.
وكشفت دراسة أخرى حول نتائج تعرض الإنسان للميكروبلاستيك والنانوبلاستيك عن إمكانية امتصاص هذه الجزيئات داخل الجسم، ووجود عينات من هذه الجزيئات بالدم داخل الأوعية الدموية لمجموعة الأفراد المتطوعين بتركيز 1 ميكروجرام/مل، وأن معدل تخلص الجسم منها عن طريق الكُلى والقناة الصفراوية أقل بكثير من معدلات امتصاص الجسم لها.
وأشار الفريق البحثي عن إمكانية وصول جزيئات البلاستيك إلى خلايا المناعة، مما قد يؤثر على الجهاز المناعي ويؤدي إلى أمراض مناعية.
مما سبق، تتضح الحاجة الماسّة إلى القضاء على النفايات البلاستيكية، ولكن كما ذكرنا سلفًا فإن البلاستيك يتصف بصعوبة التحلل فيتم التخلص منه عن طريق إعادة تدويره، أو عن طريق الحرق. ويتسبب الأخير في زيادة معدلات تلوث الهواء، بالإضافة إلى انبعاثات هائلة لثاني أكسيد الكربون و«الديوكسن» (Dioxin)، والتي تعتبر مسببًا رئيسًا لأمراض الرئتين والسرطانات.
بذل الباحثين جهودًا هائلة ليُسفر ذلك عن وجود كائنات دقيقة قادرة على تحليل البلاستيك واستخدامه كمصدر للكربون.
أوضحت العديد من الأبحاث دور الكائنات الدقيقة المحللة للبلاستيك -كالبكتيريا التي تقوم بإفراز إنزيمات مؤكسدة وإنزيمات محللة-، حيث تعمل على تحليل جزيئات البلاستيك وتحويلها إلى مركبات بسيطة آمنة بيئيًا، فيما يعرف بـ «التحلل الحيويّ» (Biodegradationn)، فيعتبر التحلل الحيوي الحل الأمثل للتخلص الآمن من نفايات البلاستيك التي غطت البسيطة حولنا من قاع المحيطات إلى قمم الجبال.
تم فصل وزراعة عدة أنواع من البكتيريا الموجود في التربة منها (Pseudomonas aeruginosa) و (Enterobacter sp)، وتمر عملية التحلل بثلاث مراحل رئيسية:
- «التفكك» (Deterioration): وهي تفكك البوليمر إلى أجزاء صغيرة، حيث تكون تلك البكتيريا مستعمرات تغطي الجزيئات الدقيقة للبوليمرات؛ فتحدث ثقوبًا دقيقة في الطبقات العلوية لجزيئات البوليمر، مما يتيح للبكتيريا اختراق الطبقات العميقة في جزيئات البوليمر.
- «إزالة البلمرة» (Depolymerization): حيث تقوم تلك الكائنات الدقيقة بإفراز العديد من الإنزيمات المؤكسدة و«الإنزيمات المحللة» (Hydrolase Enzymes) التي بدورها تعمل على كسر الروابط الكيميائية الموجودة بين السلاسل الكربونية في تلك البوليمرات فتتحول إلى مونيمرات. وتحتاج البوليمرات المختلفة إلى إنزيمات متخصصة قادرة على تحليل كل نوع منها، وباختلاف نوع الرابطة يختلف الإنزيم اللازم لكسرها.
- «الهضم والامتصاص» (Assimilation): تنتهي المراحل بامتصاص البكتيريا للمونيمرات كمصدر للكربون وهضمها لإنتاج الطاقة، فيتحلل البلاستيك تمامًا إلى عناصره الأولية من ثاني أكسيد الكربون والماء وبعض العناصر الأخرى الآمنة تمامًا.
وبذلك، يكون التحلل الحيوي للبلاستيك الطريقة الآمنة للتخلص من نفايات البلاستيك ووقف الضرر الذي لحق بالنظام البيئي.
المصادر
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0160412022001258
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0048969722020009