خلايا المخ التى تم تطويرها فى المختبر تلعب «البونج»

بقلم: عبير عثمان

في أواخر أكتوبر من عام ٢٠٢٢ نجح الفريق البحثي لدكتور «بريت كاجان» (Bertt Kagan)  في إنماء خلايا دماغ بشرية في مختبر ملبورن بأستراليا، وتعليمها لعب البونج وهي لعبة فيديو تشبه الإسكواش أو التنس.

تمكّن العلماء من زراعة الخلايا العصبية أولًا في أطباق مختبرية، وذلك لتجريب فعالية الأدوية ومعرفة آثارها الجانبية، لكن المثير للاهتمام أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها دراسة تفاعل الخلايا العصبية مع بيئة خارجية وتحفيزها أيضًا لأداء مهام موجهة نحو هدف كما في صد الكرات بلعبة الفيديو.

هناك الكثير من الأسئلة التي تحوم حول هذه الدراسة الحديثة، مثل كيف تعلمت خلايا الدماغ المزروعة في «طبق بتري» (Petri Dish) لعب البونج وهل حققت وعيًا ببيئتها الخارجية، وهل ذكاء هذه الخلايا يُشبه ذكاء السيليكون الاصطناعي أم أنه أقرب للذكاء البشري؟ وما الوضع القانوني والأخلاقي لهذه الشبكات العصبية؟ سنحاول الإجابة عن بعض من تلك الأسئلة في هذا المقال، بينما سيظل الجانب الأكبر راهنًا للاحتمالات.

كيف تعلّمت خلايا المخ لعب البونج؟

سمح العلماء لما يقرُب من مليون خلية عصبية بالنمو في «طبق بتري» تتوافر فيه البيئة المناسبة لنموها، جاءت بعض الخلايا العصبية من مصدر بشري، حيث تم الحصول عليها من خلايا جذعية، إضافةً إلى خلايا دماغ من أجنة الفئران؛ ثم قاموا بدمج وتحميل هذه الخلايا على رقائق سيليكون لتتمكن من الاستجابة لنبضات الكهرباء في لعبة الفيديو. وقد أظهرت الخلايا العصبية البشرية لاحقًا تفوقًا ملحوظًا في جوانب معينة من اللعبة بالمقارنة مع الخلايا المشتقة من أجنه الفئران.

 ولنتمكن من استيعاب ما حدث فعليًا تخيّل معي أن ملعب لعبة البونج هو شريحة كهربائية مُكوّنة من 22 ألف قطب كهربي تعمل كطبقة اتصال بين خلايا الدماغ وخلايا مُحاكاة كرة البونج (طرفي اللعبة)، وعليه لم تقم  هذه الشريحة بأي عملية برمجة، فهي موجودة فقط لإرسال واستقبال الإشارات الكهربية.

وبالاعتماد على «مبدأ الطاقة الحرة» (Free Energy Principle) -الذي ينص على أن خلايا الدماغ تسعى دائمًا إلى تقليل المعلومات أو المتغيرات غير المعروفة في بيئتها- فعندما يُغذّي الباحثون خلايا الدماغ ببعض متغيرات بيئة لعبة البونج مثل اتجاه الموجات الحركية أو الموقع الفعلي للمضرب أو الكرة، تستطيع طبقة الاتصال الكهربائية الحصول على مدخلات يمكن إرسالها إلى الخلايا العصبية عندما تُقذف الكرة أو لتحريك المضرب لصد الكرة بإشارة يمكن التنبؤ بها. وإذا حدث خلل في نظام المحاكاة تستقبل خلايا المخ ضوضاء غير متوقعة، وهي بمثابة حالة من الفوضى لخلايا المخ. لكن بمرور الوقت، تكيّفت الدماغ المصغرة مع حركة المضرب لتجنب الإشارات الصاخبة وإتقان اللعب.

هل تُعتبر خلايا الدماغ المُصغرة واعية بإتقانها لعب البونج؟

هل يمكن أن تُعتبر خلايا الدماغ المُصغّرة التي نمت في المختبر قد حققت وعيًا بإتقانها لعب البونج؟ عادةً ما يُعرف الوعي بأنه القدرة على الإحساس والاستجابة لعالم خارجي عنك، وإذا كان النظام المغلق الذي أُجريت فيه التجربة يقيس ما إذا كان هناك نشاط وحركة للخلايا أم لا.

 فحتى لو قبلنا بأن الخلايا العصبية يمكن أن تستجيب لمحفز خارجي، فإننا لا نعرف ما إذا كانت تفعل ذلك عن قصد وفهم أم هي مجرد معالجة للمعلومات في الوقت الحالي ويمكن أن تؤدي ردود فعلها إلى نتائج مختلفة إذا تغيّرت ظروف البيئة المحيطة.

ما هو المعيار الأخلاقي لخلايا الدماغ المُتطورة بالمعمل؟

يعتقد علماء الأخلاق أن الكائنات الواعية لها الحق الأخلاقي في عدم إساءة معاملتها، وإذا كانت الخلايا العصبية بمختبر ملبورن واعية؛ حيث تمكنت -بتطبيق نظام ألعاب المحاكاة- أن تُنظم نشاطًا ذاتيًا لإظهار سلوك ذكيّ وواعٍ، فمن الممكن أن تشعر بالمعاناة، وليس بعيدًا عن العوالم الاحتمالية هذه أن يكون الشعور بالألم هو الدراسة التالية لهذه الأدمغة المُصغرة. وإذا كان هذا صحيحًا، فليس الأخلاقيون وحدهم من يجب أن ينتبهوا، بل يجب على المشرعين أيضًا مُراقبة هذه التكنولوجيا عن كثب.

من المُرجح أن تُصبح الأدمغة المُصغرة أكثر تعقيدًا مع تقدم البحث، فهي تشبه إلى حد كبير النماذج الأولية للكمبيوتر «الترانزستور» والتي لم تكن موثوقة للغاية في بدايتها هي الأخرى، لكن بعد سنوات من البحث المتفاني، أدت إلى أعاجيب تكنولوجية هائلة في جميع أنحاء العالم، فقد أنتج باحثو الذكاء الاصطناعي بالفعل أجهزة استطاعت التغلب على أساتذة الشطرنج الكبار.

لكن الفريق البحثي للدكتور «كاجان» يعمل مع علماء أخلاقيات علم الأحياء لتجنب الأسئلة المحورية والأخلاقية قدر المُستطاع، وللتأكد من أنهم لا يخلقون عقلًا واعيًا دون قصد، وهم يأملون أن تُستخدم هذه التكنولوجيا لاختبار تأثير الكحول على قدرة الدماغ المُصغرة على لعب البونج باعتباره بديلًا تجريبيًا مشابهًا للدماغ البشري، أو حتى في علاجات الأمراض العصبية المزمنة مثل الزهايمر.

المصادر:

https://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(22)00806-6?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS0896627322008066%3Fshowall%3Dtrue

https://www.nature.com/articles/d41586-022-03229-y

https://scroll.in/article/1036547/scientists-have-grown-human-brain-cells-in-a-lab-that-can-play-a-video-gamehttps://www.bbc.com/news/science-environment-63195653

Exit mobile version