بقلم:شروق عبدالحكيم
منذ صغري ومشاهدة سماء الليل وأسرارها من أحب الأنشطة وأقربها إلى قلبي، وهناك لحظات محورية في علاقتي مع السماء، منها -مثلًا- تلك الليلة الصيفية. كنت لا أزال صغيرة، وكنت كعادتي أقضي ساعات الليل أحدق في السماء، عندما رأيتها. كرة كبيرة من اللهب الأزرق تشق ظلام الليل، بدت قريبة حتى ظننت أن بإمكاني إن مددت يديّ أن أمسكها، ظهرت لثانيتين ثم اختفت في الظلام الذي جاءت منه.
لاحقًا سأعرف أن ما رأيته يومها كان شهابًا أو كرة لهب، لكنّ مشهده لن يفارق ذاكرتي وربما سيكون سببًا في جعل زخات الشهب من أمتع الأحداث السماوية التي لا أملّ متابعتَها.
مصطلحات فلكية:
قبل أن نخوض في حديثنا عن العروض التي تقدمها السماء، علينا أولًا الوقوف في محطة صغيرة، نرسي فيها بعض المفاهيم الأساسية التي سنحتاج إليها لفهم ما سَيَلِي من موضوعات.
ولنستهل الحديث ببداية القصة، حيث الشهاب الأزرق الغامض.
ما الشهاب؟
يطلق المجتمع الفلكي عدة أسماء على نفس الجسم، حسب اختلاف أماكن تواجده.
فالكتلة الصخرية الصغيرة، التي يتراوح حجمها من حجم حبة حصى إلى عدة أمتار على أكبر تقدير وتشغل المساحات الفضائية بين الكواكب والنجوم، تسمى بـ «النيازك» (Meteoroid).
وعندما يدخل النيزك إلى غلاف الأرض الجوي -أو أي كوكب آخر-، يحترق هذا النيزك نتيجة احتكاكه بذرات الغلاف، وينتج عن هذا الاحتراق ضوء نراه في صورة سهم منير، ويسمى هذا الضوء «شهابًا» (Meteor).
وإذا لم يحترق هذا الشهاب حتى آخره، ونَجَت منه بقايا لتسقط على سطح الأرض (الكوكب)، نسمي تلك البقايا في هذه الحالة بـ «الأحجار النيزكية» (Meteorite).
وكل تلك الصخور الصغيرة المعلقة في فضاء الكوكب تتكون نتيجة لتفتت قطع من صخور وجسيمات أكبر منها (عند اصطدامها أو مرورها قرب الشمس)، وقد تكون هذه الجسيمات:
«مذنبات» (Comet)، وهي أجسام ذات نواة جليدية كبيرة نسبيًا، تأتي من الفضاء السحيق حيث «سحابة أورت» (Oort cloud) ولكل منها مدار محدد حول الشمس تتمه في عدد من السنوات قد يقصر أو يطول. وقد اكتشفت هذه المدارات بسبب واحد من أكثر المذنبات شهرة في السماء، «مذنب هالي» (Halley’s Comet)، الذي يتم دورته حول الشمس في مدة من 75 إلى 79 عامًا. وسيعود ليطل على الأرض بعد 37 عامًا من الآن.
أو «كويكبات» (Asteroid) وهي صخور فضائية متوسطة الحجم توجد عادة بين الكواكب، مثل الموجودة بين المريخ والمشتري في حزام الكويكبات، والتي قد تتأثر بجاذبية الكواكب والأجرام القريبة فتخرج عن مدارها، ومنها أيضًا ما يتحرك في مدارات قريبة من كوكب الأرض ويُطلق عليها «الأجرام القريبة من الأرض» (Near-Earth Objects).
كيف تحدث الشهب؟
أثناء حركة المذنب في مداره، وعند اقترابه من الشمس، تتسبب الحرارة في إذابة بعض أجزائه، وتتكسر أجزاء صغيرة منه لتعطي هذه الصخور الصغيرة التي ستكوّن الشهب. ولأن مدار الأرض ليس طريقًا ممهدًا تمامًا؛ بل به من العقبات والمحطات الكثير، فمن حين لآخر يتقاطع مدارنا مع مدار مذنب بعيد، أو كويكب. ورغم غياب المذنب نفسه عن المدار، إلا أن الحطام الذي خلفه يظل عالقًا في الفضاء، يرسم مداره ويدور بدوره حول الشمس، فيتقاطع مسار الأرض مع الطابور الصخري من المخلفات المذنبية، وتقع الظاهرة عند مرور الأرض عبر هذه البقايا، فتنهال الأخيرة من السماء شهبًا.
نجوم ملونة:
لنتابع الآن مع الشهب. قلنا أن الشهب هي احتراق الصخور في الغلاف الجوي، وكما يمكن أن نتذكر من دروس علوم المواد في المرحلة الإعدادية، فإن احتراق المواد المختلفة يصدر عنه لهبٌ مختلفٌ ألوانه، حتى أن بإمكانك التعرف على نوع العنصر المكون للشهاب بدلالة لونه. هذه الخاصية نراها بوضوح في الشهب الساقطة من السماء. فرغم أن الشهاب يتحرك بسرعات مهولة في الغلاف الجوي قد تصل إلى ٧١ كيلومترًا في الثانية الواحدة، ويبقى ظاهرًا لثانية أو ثانيتين فقط. إلا أن هذه الثواني كافية لتحديد لون الشهاب بالعين المجردة، أو هكذا الحال مع معظم الشهب على الأقل. يمكنك الاستعانة بالصورة المرفقة لتحديد نوع العنصر الذي يتكون منه الشهاب بناءً على لون وهجه.
ليال مرصعة بكرات اللهب:
والآن إلى السؤال الأهم، متى يمكنك رؤية هذه الألعاب النارية السماوية؟ في الواقع، يُقدّر مجموع ما يسقط على الأرض من صخور فضائية صغيرة بما يصل وزنه إلى 44 طنًا من الصخور يوميًا. لذا لن يكون شيئًا عجيبًا إذا رصدت شهابًا مارًا في لحظةٍ عابرة وأنت تنظر للسماء. بيد أن هناك بعض الأوقات أكثر تميزًا عن غيرها، تزداد فيها أعداد هذه الشهب المتساقطة، لتصل إلى عشرات بل ومئات الشهب في الساعة الواحدة.
زخات الشهب:
تلك الأيام التي تمطر فيها السماء شهبًا تعرف باسم «زخات الشهب» (Meteor Showers) ، وفيها تقدم السماء عرضًا فريدًا لمن ينظر إلى الأعلى. ولهذه الزخات مواقيت معلومة على مدار العام يمكنك الاطلاع عليها بسهولة.
إلى جانب هذا المعدل الوسطيّ، يمكن للسماء أن تفاجئنا بعاصفة كاملة من الشهب (Meteor Storm)، تزداد فيها أعداد الشهب المتوقعة لتصل إلى الآلاف في الساعة الواحدة. وأحد الأمثلة الشهيرة عاصفة شهب الأسديات التي حدثت عام 1966 حيث رأى المراقبون -ولدقائق معدودة- مطرًا غزيرًا من الشهب ينهال من السماء، وكانت أعداد الشهب أكثر من أن يستطيع المراقبون عدّها!
زخة شهب البرشاويات:
كعادة السماء في مثل هذا التوقيت من كل سنة، سيكون كوكب الأرض على موعد مع واحدة من أشهر الزخات على الإطلاق. فالفترة من 17 يوليو إلى 24 أغسطس تمثل ميقات زخة شهب «البرشاويات» (Perseids)، التي تقع ذروتها في فجر أيام 11 و12 و13 أغسطس.
سميت البرشاويات بهذا الاسم نسبة لكوكبة «برشاوس» (Perseus)، حامل رأس الغول ومنقذ الأميرة أندروميدا التي تبدو الشهب في تساقطها وكأنها تخرج منها، ومع أنك يمكنك أن ترى الشهب من جميع أنحاء السماء لا من زاوية وحيدة، إلا أنه كقاعدة، خلال كل زخة شهب، دائمًا ما يشير ذيل الشهاب إلى نقطة محددة من السماء، تعرف هذه النقطة باسم «نقطة التلاقي» (Radiant) وهي نقطة ظاهرية تعتمد على منظورنا من سطح الأرض، نتيجة لحركة الأرض للأمام عبر حطام الشهب. وإذا أمكننا بطريقة تخيلية رؤية كل الشهب التي مرت خلال ليلة في نظرة واحدة شاملة، فستبدو وكأنها جميعًا تخرج من نقطة التلاقي هذه.
كما ذكرنا سابقًا، فإن لكل زخة مذنب مسؤول عن حدوثها، في هذه الحالة هو مذنب (Swift-Tuttle) ذو المدار الذي يستغرق133 عامًا لإتمامه والذي سنشاهده مرة أخرى من الأرض عام 2125.
تعرف زخة شهب البرشاويات بعدد الشهب الكبير نسبيًا، فمتوسط ما يسقط في الساعة الواحدة قد يصل إلى 20 شهابًا في الساعة من منطقة متوسطة التلوث الضوئي، أما إذا كنت في الصحراء أو في مكان منخفض التلوث الضوئي، فبإمكانك في الساعة الواحدة، رؤية ما يقرب من 150 شهابًا.
وهذا العام بالتحديد يشكل مناسبة خاصة لمحبي الزخة، فإلى جانب الظروف العامة المناسبة للرصد، لأن زخة البرشاويات تقع في فصل الصيف فلا يعيق السحاب الكثيف الرؤية في معظم الأحيان، فإن هذا العام يتميز بقمره منخفض الإضاءة في أيام الذروة حيث يصل إلى قرابة 9% فقط من لمعانه، فلن نقلق من أن يطغى نوره على وهج الشهب؛ مما سيجعله عامًا مميزًا بحق للحاق بأكبر عدد ممكن من الكرات الملتهبة.
كيف تنضم للملايين من محبي السماء في هذه المناسبة المميزة؟
بعد معرفة هذه المعلومات الأساسية، أنت الآن على استعداد للانضمام للآلاف من عشاق سماء الليل وهواة الفلك، في رحلة رصدية ممتعة وساحرة، لا تحتاج فيها إلا إلى عينيك ورغبة في رؤية جمال سماء الليل وبعض الصبر. كذلك سيفيدك كثيرًا أن تكون في منطقة ذات تلوث ضوئي منخفض، أو أن تذهب إلى الصحراء الواسعة.
اخرج، ربما لسطح منزلك أو لفنائك الخلفي، واستلقِ على ظهرك، وانظر مُستقبِلًا السماء الواسعة.
من يدري، لعلها تكون بداية تعلقك بواحدٍ من أكثر المشاهد سحرًا على هذا الكوكب.
المصادر:
In Depth | Meteors & Meteorites – NASA Solar System Exploration
Meteor (nationalgeographic.org)
In Depth | Asteroids – NASA Solar System Exploration
In Depth | 1P/Halley – NASA Solar System Exploration
Overview | Meteors & Meteorites – NASA Solar System Exploration
Perseids Meteor Shower Information (theskylive.com)
In Depth | 109P/Swift-Tuttle – NASA Solar System Exploration
Perseid meteor shower: All you need to know in 2023 (earthsky.org)
In Depth | Perseids – NASA Solar System Exploration
Meteor Showers Facts For Kids | History, How Long They Last?, Size (nineplanets.org)Algol | Variable, Binary, Binary System | Britannica