بعد يوم طويل مرهق يبدو الاستلقاء أفضل فعل، ويبدو السرير كما لو أنه الملاذ الآمن لنمارس فعلًا تَشارَكنا به مع كل المخلوقات منذ بداية الخليقة. إنه النوم… النشاط -إن جاز تسميته كذلك- الذي نمارسه منذ لحظتنا الأولى، لكننا ربما لا نقدِّره كفاية ولا نعطيه حقه. لكن لماذا ننام من الأساس؟ وما هي تلك اللحظة التي تشعر فيها بقدميك تتهاوى من جسر الواقع إلى عالم النوم؟ ما هي فسيولوجية النوم؟ وهل تلك الأقاويل حول ضرورة النوم لمدة 8 ساعات يوميًا حقيقة أم خرافة؟ لنعرف هذا خلال الأسطر القادمة.
كيف ننام؟
دورة النوم واليقظة (دورة الضوء والظلام)
لنسأل السؤال بطريقة أخرى: كيف تعلم أنك مستيقظ الآن ولست نائمًا وأنت تقرأ المقال؟ حسنًا، سنبتعد عن الإجابات الفلسفية وسنكتفي بالشق العلمي فقط؛ للجسم «ساعة بيولوجية داخلية» (Circadian Clock) تعمل على مدار 24 ساعة بشكل متناغم مع باقي أعضاء الجسم، تتأثر تلك الساعة بعوامل عديدة أهمها التعرض للضوء والظلام من خلال نواة توجَد في الدماغ -تُسمَّى «النواة فوق التصالبية» (Suprachiasmatic Nucleus)- تستقبل أشعة الضوء العابرة للعين، وترسل إشارات لبقية أعضاء الجسم عن طريق: «الجهاز العصبي السمبثاوي» (Sympathetic Nervous System) المسؤول عن اليقظة والنشاط، و«الجهاز العصبي الباراسمبثاوي» (Parasympathetic Nervous System) المسؤول عن الراحة والاسترخاء.
في الوقت ذاته، تخضع عملية النوم لإشراف «هرمون الميلاتونين» (Melatonin Hormone)، وهو الهرمون المحفز للنوم والذي يزداد إفرازه في الظلام ويقل عند التعرض للضوء، الأمر الذي يفسر لنا الشعور بالرغبة بالنوم أكثر في المساء، وينبهنا في الوقت ذاته لخطر التعرض لأشعة الأجهزة الإلكترونية التي تعيق إفراز ذلك الهرمون بشكل طبيعي مما قد يؤدي لحدوث اضطرابات في النوم.
الشعور بالحاجة إلى النوم
بطبيعة الحال، للجسم احتياج طبيعي للنوم، وهذا الاحتياج يتزايد عند الاستيقاظ لفترات أطول. من المواد التي ارتبطت بذلك الشعور مركب «الأدينوزين» (Adenosine)؛ حيث يزداد مستوى ذلك المركب في الدماغ وأنت مستيقظ، وتزداد معه الرغبة في النوم. والصورة بالأسفل توضح لك مدى تشابه مركبَي الأدينوزين والكافيين الموجودين بالقهوة؛ حيث تلعب القهوة دورًا محوريًا في غلق مستقبلات الأدينوزين في الدماغ، وهو ما يمكننا من الشعور بالتركيز والقدرة على السهر وعدم الحاجة للنوم.
في مدح النوم: لماذا يجب أن تنام؟
تشير الأبحاث لفوائد عديدة تقدمها لنفسك ولجسدك فقط بالاستلقاء على السرير يوميًا ليلًا لتنال قسطًا من الراحة. تؤكد أغلب الدراسات على أن الحرمان من النوم أو عدم الحصول على عدد كافٍ من ساعات النوم يؤدي إلى زيادة معدل إصابة الشخص بأمراض مثل:
- السكتة الدماغية.
- ضغط الدم المرتفع.
- أمراض شرايين القلب التاجية.
- السمنة.
وقد أشارت دراسة نُشِرت في عام 2021 في «مجلة الطب التجريبي» (Journal of Experimental Medicine) إلى أن النوم يقوم بدور رئيسي وحيوي في تنظيم عملية انقسام الخلايا الجذعية وتمايزها لباقي خلايا الدم المختلفة، وأن الحرمان من النوم أو عدم الحصول على عدد ساعات نوم كافية يؤدي إلى حدوث خلل في تلك العملية وزيادة معدل حدوث الالتهابات.
النوم والصحة النفسية
هناك دراسة أُجرِيت للإجابة عن سؤال “هل هناك علاقة بين النوم والإصابة بالأمراض النفسية؟”، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن جودة النوم لها تأثير بارز على الصحة النفسية وظهور أمراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق والاجترار (الاجترار هو عملية التركيز والتفكير الزائد بشكل متكرر ومستمر في تجربة أو فكرة سلبية بلا توقف). وأشارت دراسة أخرى أُجرِيت على 11,553 من المراهقين في بريطانيا (لتوضيح العلاقة بين الصحة النفسية والنوم لدى المراهقين) إلى أن المراهقين الذين لا يقضون أغلب ساعات الليل في النوم بل السهر لديهم احتمال أعلى للإصابة بأمراض مثل القلق والاكتئاب.
عدد ساعات النوم الكافية وجودة النوم
بالنسبة لسؤال “كم ساعة يجب أن تنامها لكي تنعم بنوم جيد؟”، يشير موقع «مايو كلينك» (Mayo Clinic) الشهير إلى أن الشخص البالغ يحتاج إلى حوالي 7 ساعات من النوم ليلًا. من المهم الإشارة إلى أن عدد الساعات ليس العامل الأهم، بل جودة النوم نفسها والتى تمكنك من الحصول على نوم جيد هادئ من خلال اتباع طرق بسيطة تتلخص في النصائح التالية:
- جدول نوم محدد: حدِّد عدد ساعات معينًا يوميًا للنوم، وليكن 8 ساعات. أغلب الناس لا يحتاج أكثر من 8 ساعات في السرير للحصول على راحة جيدة. اذهب إلى السرير واستيقظ في نفس الوقت كل يوم ضمن جدول محدد للنوم، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع. إذا لم تغفُ خلال 20 دقيقة تقريبًا من الذهاب إلى السرير، اترك غرفة النوم واذهب لتفعل شيئًا (كالقراءة مثلًا)، ثم عُد إلى السرير عندما تكون متعبًا.
- الطعام والنوم: لا تذهب إلى الفراش جائعًا أو بعد أكل وجبة دسمة في غضون ساعتين من وقت النوم. كما أن النيكوتين والكافيين يعيقا عملية النوم الجيد، لذلك ابتعد عن القهوة والتدخين -من الأفضل الإقلاع طبعًا عن التدخين- في فترة المساء.
- تهيئة مكان النوم: حافظ على غرفتك باردة ومظلمة وهادئة. إن التعرض للضوء في المساء قد يزيد من صعوبة النوم، لذا تجنَّب الاستخدام المطوَّل لشاشات الهواتف الذكية والحاسوب قبل وقت النوم مباشرةً. يساعد الاستحمام قبل النوم أيضًا على الاستمتاع بنوم هادئ.
- القيلولة أثناء النهار: يمكن أن تتداخل القيلولة الطويلة أثناء النهار مع النوم ليلًا، لذا يُفضَّل الحد من القيلولة إلى ما لا يزيد عن ساعة واحدة، وتجنب أخذ القيلولة في وقت متأخر من اليوم. ومع ذلك، إذا كنت تعمل ليلًا، فقد تحتاج إلى قيلولة في وقت متأخر من اليوم قبل العمل للمساعدة في تعويض النوم.
- الرياضة والحركة كل يوم: النشاط البدني والرياضة بشكل منتظم يعززان النوم بشكل أفضل. ومع ذلك، تجنَّب ممارسة الرياضة قبل وقت النوم. قد يكون قضاء بعض الوقت في الخارج كل يوم مفيدًا أيضًا.
- لا تجلب مخاوفك إلى السرير: حاول حل مشاكلك ومواجهة مخاوفك وما يسبب لك التوتر عن طريق تدوين ما يدور في ذهنك ثم وضعه جانبًا للغد؛ فالآن وقت الراحة!
المصادر:
https://www.nhlbi.nih.gov/health/sleep/sleep-wake-cycle
https://content.iospress.com/articles/journal-of-alzheimers-disease/jad01379
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1087079221001416?via%3Dihub
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3312901/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8835146
https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/adult-health/in-depth/sleep/art-20048379