بدون أشباه الموصلات، هل من الممكن أن نرى التكنولوجيا كما نراها اليوم؟! أجهزة الكمبيوتر، والهواتف النقَّالة، والسيارات والطائرات، والمعدات المستخدمة في الرعاية الصحية في التشخيص والعلاج، والإلكترونيات التي نستخدمها في مشاهدة المحتوى المرئي وسماع الصوتيات تشترك جميعها في كون أشباه الموصلات أهم مكوناتها الرئيسية.
الموصلات والعوازل وأشباه الموصلات
تُصنَّف المواد طبقًا لقدرتها على التوصيل الكهربي إلى: «مواد موصلة» (Conductors)، و«مواد عازلة» (Insulators)، و«مواد شبه موصلة» (Semiconductors). يمكننا فهم هذا التصنيف على المستوى الذري كالآتي: تحتوي الذرة في المركز على «نواة» (Nucleus) موجبة الشحنة تدور حولها «إلكترونات» (Electrons) سالبة الشحنة، تمتلك هذه الإلكترونات مقدارًا معينًا من الطاقة حيث تتوزع الإلكترونات حول النواة في مستويات تسمى «مستويات الطاقة» (Energy Levels)، وذلك على حسب مقدار الطاقة الذي يمتلكه كل إلكترون.
يخضع أيضًا توزيع الإلكترونات في الذرة لـ «مبدأ باولي للاستبعاد» (Pauli Exclusion Principle) الذي ينص على أنه لا يمكن لاثنين من الإلكترونات أن يتطابقا في قيم أعداد الكم، وهي مجموعة أرقام تحدد خصائص معينة لكل إلكترون، مثل حجم وشكل واتجاه المدار الذي يتحرك فيه الإلكترون واتجاه دوران الإلكترون حول نفسه، وكل هذه الصفات تؤثر على الخصائص الكيميائية والفيزيائية للمادة.
يُطلق على مستوى الطاقة الذي يحتوي على الإلكترونات التي تشارك في التفاعلات الكيميائية، وهو الأعلى من حيث الطاقة، اسم «نطاق التكافؤ» (Valence Band). نجد في الموصلات أن نطاق التكافؤ يمتلئ بشكل جزئي بالإلكترونات، مما يسمح للإلكترونات بالحركة تحت تأثير المجال الكهربي أو تأثير الحرارة، وتنتقل الإلكترونات من نطاق التكافؤ إلى نطاق آخر يُعرَف بـ «نطاق التوصيل» (Conduction Band)، وبالتالي تنتقل الشحنة الكهربية خلال المادة.
أما في المواد العازلة، فيمتلئ نطاق التكافؤ بالإلكترونات، بالإضافة إلى وجود فجوة كبيرة تفصل ما بين نطاق التكافؤ ونطاق التوصيل تُعرَف بـ «الفجوة النطاقية» (Band Gap)، الأمر الذي يُعيق بدوره حركة الإلكترونات تحت تأثير المجال الكهربي أو تأثير الحرارة. وبالنسبة إلى أشباه الموصلات، توجد فجوة نطاقية لكنها أصغر حجمًا مقارنةً بفجوة المواد العازلة، حيث تستطيع الإلكترونات -تحت تأثير قدرٍ كافٍ من الطاقة- تجاوز هذه الفجوة والتحرك بحرية في نطاق التوصيل مما يسمح بنقل الشحنات الكهربية خلال المادة.
الفجوة النطاقية المباشرة وغير المباشرة في أشباه الموصلات
تمثل الفجوة النطاقية أقل فرق في الطاقة ما بين أعلى قيمة لنطاق التكافؤ وأقل قيمة لنطاق التوصيل. في أحيان عديدة لا تتساوى قيمتا نطاق التوصيل ونطاق التكافؤ من حيث «الزخم الإلكتروني» (Electron Momentum)، حيث يعبر الزخم الإلكتروني عن كمية الحركة للإلكترون، وهي ناتج ضرب كتلة الإلكترون (m) وسرعته (v).
لذلك يمكن تصنيف الفجوة النطاقية تبعًا لهذا المبدأ إلى نوعين:
الفجوة النطاقية المباشرة (Direct Band Gap): وهي الفجوة التي تتشارك فيها أعلى قيمة لنطاق التكافؤ وأقل قيمة لنطاق التوصيل نفس قيمة كمية الحركة.
الفجوة النطاقية غير المباشرة (Indirect Band Gap): وهي الفجوة التي لا تتشارك فيها أعلى قيمة لنطاق التكافؤ وأقل قيمة لنطاق التوصيل نفس قيمة كمية الحركة.
الفرق ما بين الفجوة النطاقية المباشرة وغير المباشرة في أشباه الموصلات له دور رئيسي في تطبيقات الأجهزة البصرية (Optical Devices) القائمة على الإشارات الضوئية؛ لذلك يؤثر نوع الفجوة على كفاءة توليد واستجابة شبه الموصل للضوء.
السيليكون والجرمانيوم وانبعاث الضوء
السيليكون (Si) والجرمانيوم (Ge) من أشباه الموصلات التي تمتلك فجوة نطاقية غير مباشرة تمنع كِلَيهما من إطلاق الضوء بكفاءة. وعلى الرغم من هيمنة السيليكون على صناعة أشباه الموصلات التي ترجع إلى امتلاكه خصائص إلكترونية وفيزيائية فريدة، فعدم قدرته على إطلاق الضوء بكفاءة يُعيق تطوير تطبيقات السيليكون في مجال الإلكترونيات -بشكل عام-، وتطبيقات «الدوائر البصرية السلبية» (Passive Optical Circuits) -بشكل خاص- والمعتمدة على استخدام الإشارات الضوئية لنقل البيانات.
ولكن، نُشِرَت دراسة في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» (Nature Communication) عام 2020 توضح إجراء تغييرات في البنية البلورية للسيليكون والجرمانيوم ينتج عنها تحسينات في الخواص الضوئية لكل منهما.
استطاعت «إلهام فضالي» الباحثة في علم الضوئيات في شركة «أبل» (Apple) والمؤلفة الأولى للدراسة، مع عدد كبير من الباحثين في قسم الفيزياء التطبيقية في «جامعة آيندهوفن للتكنولوجيا» (Eindhoven University of Technology)، إخضاع ذرات عنصري السيليكون والجرمانيوم لإعادة ترتيب نتج عنها تغيير في البنية البلورية لكل من العنصرين؛ من «البنية البلورية المكعبة» (Cubic Crystal Structure) إلى «البنية البلورية السداسية» (Hexagonal Crystal Structure)، حيث يؤدي ذلك إلى ظهور فجوة نطاقية مباشرة تساعد على تحسين الخصائص الضوئية.
على الرغم من إخضاع ذرات عنصر السيليكون لتتشكل في البنية السداسية، لم يكن هذا التغيير كافيًا لصنع فجوة نطاقية مباشرة. استطاع الفريق حل هذه المشكلة عن طريق خلط السيليكون والجرمانيوم لتكوين «سبيكة السيليكون والجرمانيوم ذات البنية البلورية السداسية» (Hexagonal Si-Ge Alloy).
أجرى الفريق عدة حسابات نظرية مثل «نظرية الكثافة الوظيفية» (Density Functional Theory) بالإضافة إلى دراسة الخصائص البلورية للسبائك التي تتكون من أكثر من عنصر، وذلك لفهم التعديلات اللازمة لتحقيق فجوة نطاقية مباشرة في سبيكة السيليكون والجرمانيوم.
أكدت الدراسة أن النتائج المعملية تتوافق مع التنبؤات النظرية التي قاموا بها، والتي تشير إلى أن سبائك السيليكون والجرمانيوم سداسية التبلور تمثل نوعًا جديدًا من أشباه الموصلات ذات الفجوة النطاقية المباشرة التي تُمكِّن هذه السبيكة من امتلاك خصائص ضوئية عالية تفتح آفاقًا جديدة لاستخدام السيليكون في صناعة الإلكترونيات ونقل البيانات عن طريق الإشارات الضوئية.
المصادر
1. Fadaly, E.M.T., Dijkstra, A., Suck”rt, J.R. et al. Direct-bandgap emission from hexagonal Ge and SiGe alloys. Nature 580, 205–209 (2020). https://doi.org/10.1038”s41586-020-2150-y
2. Dcadmin. (2023, April 3). What is a semiconductor?. Semiconductor Industry Association. https://www.semiconductors.org/semiconductors-101/what-is-a-semiconductor/
3. Department of Materials Science and Metallurgy – University of Cambridge. (n.d.). Direct and indirect band Gap Semiconductors. https://www.doitpoms.ac.uk/tlplib/semiconductors/direct.php
4. Encyclopædia Britannica, inc. (n.d.). Conductors, insulators, and semiconductors. Encyclopædia Britannica. https://www.britannica.com/science/electricity/Conductors-insulators-and-semiconductors
5. Pauli Exclusion Principle. Pauli Exclusion Principle – an overview | ScienceDirect Topics” (n.d.). https://www.sciencedirect.com/topics/pharmacology-toxicology-and-pharmaceutical-science/pauli-exclusion-principle
6. Quantum numbers and electron config”ratio’s. (n.d.). https://chemed.chem.purdue.edu/genchem/topicreview/bp/ch6/quantum.html