السرطان مرض تنقسم فيه الخلايا بشكل غير محدود مكونةً كتلة تستغل الجسم لنموها، دون الاستجابة لأي إشارات من باقي الخلايا التي قد تمنعها من الانقسام، متجنبةً الوسائل المختلفة التي تُميت الخلايا عندما تخرج عن السيطرة.
ربما في مراحل متقدمة، تستطيع بعض الخلايا في هذه الكتلة «الورم الأوَّلي» (Primary Tumor) الهروب وزراعة نفسها في عضو آخر، مكونةً كتلة جديدة «ورم ثانوي» (Secondary Tumor) في عملية تُعرَف بـ«الانبثاث» (Metastasis). وهناك أنواع أخرى من الكتل تُسمَّى «الأورام الحميدة»، والتي لها قدرة محدودة على الانقسام، ولا تستطيع مغادرة مكانها الأصلي.
توجد الأورام -سواء كانت خبيثة أم حميدة- في أماكن مختلفة، مثل: الكبد، الكلى، العظام، الجلد، وغيرها. ولكن هناك مكان نادرًا ما يُصاب بأورام خبيثة، وهو القلب. فلماذا؟ ما الذي يجعل القلب مميزًا جدًا فلا يُصاب بالسرطان؟
التمايز والتكاثر في السرطان
«التمايز» (Differentiation) هو الحالة التي تكون فيها الخلايا في شكلها الطبيعي الذي يخدم وظيفتها؛ فبعض الخلايا تكون مكعبة، وأخرى مغزلية الشكل. وإذا فقدت الخلايا شكلها الطبيعي، فهذا يشير إلى وجود مرض في هذه الخلايا. أما «التكاثر» (Proliferation)، فهو نتيجة انقسام الخلايا، ويرتبط بـ«قدرة الخلايا على التجدد» (Regenerative Potential).
كل من التمايز والتكاثر عمليتان ضروريتان لمعظم الخلايا. تبدأ عملية التمايز بعد وقت قصير من أولى الانقسامات الخلوية التي تلي الإخصاب. خلال التطور وفي الكائنات البالغة، تكون قدرة الخلية على التكاثر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحالتها التمايزية. تُعبِّر الأنسجة البالغة عادةً عن مجموعة متنوعة من العوامل التي تحافظ على حالتي التكاثر والتمايز للخلايا، تشمل هذه العوامل: «المستقبلات الغشائية» (Transmembrane Receptors)، «جزيئات الإشارات الخلوية» (Intracellular Signaling Molecules)، و«عوامل النسخ» (Transcription Factors). في السرطان، تفقد الخلية بنيتها تدريجيًا نتيجة لعدد من الطفرات التراكمية التي تؤدي إلى تغيرات في البروتينات البنيوية والوظيفية للخلية، وزيادة حجمها وعددها، وتكوين ما يُعرَف بـ«بالبيئة الدقيقة» (Microenvironment) للنسيج السرطاني. نتيجة لذلك، يتغير شكل الخلايا السرطانية تحت الميكروسكوب، ويُطلَق عليها أنها «قليلة التمايز». وتتميز الخلايا السرطانية أيضًا بارتفاع معدلات التكاثر لأنها تكون في حالة انقسام مستمر، مما يُمكِّنها من التجدد
في الصورة الموضحة (أ)، تنقسم الخلايا الطبيعية بشكل منظم وبحجم وشكل متناسق، ونواة وكروموسومات طبيعية داخل حدود واضحة. أما الخلايا السرطانية، فإنها تنمو وتنقسم بشكل غير مُسيطَر عليه، وهي ذات أحجام وأشكال مختلفة، ونواة أكبر وكروموسومات غير منظمة دون حدود واضحة.
في الصورة الموضحة (ب)، يُلاحَظ أن هناك فرقًا بين سرعة تكاثر الخلايا الطبيعية وسرعة تكاثر الخلايا السرطانية.
في الصورة الموضحة (ج)، تظهر خلايا سرطان الكبد مختلفة في درجة تقدُّم السرطان فيها، ومصبوغة بصبغة (H & E) بحيث نرى الأنوية (الدوائر الملونة بالأزرق) في الدرجات الدنيا (بالأعلى) موزعة بشكل منتظم، ولها شكل ثابت مما يدل على محافظتها على شكلها الطبيعي؛ أي أنها «جيدة التمايز» (Well Differentiated). أما في النسيج أسفل الصورة، نرى الأنوية مختلفة الشكل غير منتظمة التوزيع، مما يدل على أن السرطان فيها متقدم وأنها «سيئة التمايز» (Poorly Differentiated).
الأورام القلبية
الأورام السرطانية الأولية للقلب نادرة للغاية، حيث يتم تصنيف حوالي 90% منها على أنها أورام حميدة. من بين هذه الأورام، تُعد «الأورام المخاطية القلبية» (Cardiac Myxomas) الأكثر شيوعًا. وعلى الرغم من طبيعتها الحميدة، تحمل الأورام المخاطية القلبية أهمية كبيرة في أبحاث القلب والممارسات السريرية، لأنها تسبب عددًا من الأعراض المشابهة لأمراض القلب والنوبات القلبية.
«الخلايا العضلية القلبية» (Cardiomyocytes) هي أحد أنواع الخلايا التي تتمتع بقدرة محدودة جدًا على «التجدد» (Regeneration) وتعيش لفترات طويلة جدًا. ولهذا السبب، تحتاج باستمرار إلى الحفاظ على حالتها في وضع «متمايز جيدًا» (Well-Differentiated).
اكتساب خلايا القلب صفات «الخلايا الجذعية القلبية» (Cardiac Progenitor Cells) -وهو نوع من الخلايا التي تتكون في الأجنة ويسبق تكوُّن خلايا القلب عند البالغين، وله قدرة مرتفعة على الانقسام- أحد الخطوات المهمة لتحول خلايا القلب الطبيعية إلى خلايا ورمية.
والسبب المحتمل لعدم قدرة خلايا عضلة القلب على التحول بسهولة إلى أورام خبيثة أولية أنها تخضع لتنظيم قوي جدًا في حالتها المتمايزة عبر سلسلة من الجينات المتحكمة في التمايز و«الجينات الكابتة للأورام» (Tumor Suppressor Genes). هذا التأثير الكبير الذي تمارسه هذه الجينات يفرض القيود أيضًا على القدرات التجديدية والتكاثرية لخلايا عضلة القلب.
كذلك تعمل العديد من «عوامل النسخ» (Transcription Factors) الخاصة بالخلايا الجذعية القلبية (CPCs)، مثل «Isl1» و«Nkx2-5»، على الحفاظ على المصير القلبي أو الشكل النهائي لخلايا القلب. كما أن الجينات المسؤولة عن الانقسام، مثل «Mef2c» و«Baf60»، لا تعمل بشكل مستقل؛ بل يتم تنظيمها بإحكام لتعمل مع عوامل النسخ المختلفة.
المصادر
Martins-Filho, S. N., Paiva, C., Azevedo, R. S., & Alves, V. A. F. (2017). Histological grading of hepatocellular carcinoma—a systematic review of literature. Frontiers in medicine, 4, 193.
Holland, J. F. (2003). Holland-Frei cancer medicine, Differentiation. PMPH-USA.https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK13838/
Shafi, O., Siddiqui, G., & Jaffry, H. A. (2023). The benign nature and rare occurrence of cardiac myxoma as a possible consequence of the limited cardiac proliferative/regenerative potential: a systematic review. BMC cancer, 23(1), 1245.https://link.springer.com/article/10.1186/s12885-023-11723-3
Nguyen T, Vaidya Y. Atrial Myxoma. [Updated 2023 Jul 3]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2024 Jan-. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK556040/