منطق السوق: نظرة من الداخل على الإصلاح الاقتصادي الصيني

أهلًا بك في رحلة إلى قلب الاقتصاد الصيني المتغير!

لنستكشف معًا كتاب «منطق السوق: نظرة من الداخل على الإصلاح الاقتصادي الصيني» (The Logic of The Market: An Insider’s View of Chinese Economic Reform) للاقتصادي الصيني البارز «تشانغ وي ينغ» (Zhang Weiying). تخيل أنك تجلس في مكتب صانع قرار اقتصادي في بكين، تشاهد من كثب كيف تحولت الصين من اقتصاد مغلق إلى قوة اقتصادية عالمية في غضون عقود قليلة. هذا بالضبط ما يقدمه لك «تشانغ» في كتابه الرائد.

مقدمة عن المؤلف

«تشانغ وي ينغ» هو اقتصادي صيني بارز ومدافع قوي عن ليبرالية السوق. حصل البروفيسور «تشانغ» على الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة أكسفورد عام 1994، وبدأ العمل مدرسًا لمادة الاقتصاد في جامعة بكين منذ عام 1997، وشغل منصب عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة بكين من عام 2006 وحتى عام 2010. يشغل البروفيسور «تشانغ» أيضًا منصب الخبير الاقتصادي لمنتدى ريادة الأعمال الصيني منذ إنشائه في عام 2001، وقد أثَّر «تشانغ» بشكل كبير على السياسات الاقتصادية في الصين من خلال مقالاته وآرائه الاقتصادية.

نظرة عامة على الكتاب

«منطق السوق» هو مجموعة من مقالات «تشانغ» التي تتناول تفاصيل الإصلاحات الاقتصادية في الصين على مدى العقود الثلاثة السابقة لإصدار الكتاب. يُقدِّم الكتاب نظرة فريدة من الداخل على رحلة التحول الاقتصادي في الصين. صدر الكتاب للمرة الأولي باللغة الصينية في عام 2010 ثم تُرجِم بعد سنوات قليلة إلى الإنجليزية، وهي النسخة التي يقدم هذا المقال ملخصها.

من الجدير بالذكر أن «تشانغ» في بداية كتابه بيَّن أن هناك مدرستين فكريتين في الداخل الصيني تريان أن التحول الاقتصادي الصيني -من نهاية سبعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الجديدة-  قد شابَهُ نوع من الفشل. المدرسة الأولى ترى أنه يجب على الحكومة أن تتدخل بدرجة أكبر وتتبنى سياسات مركزية أكثر كي تضمن اقتصادًا أفضل، بينما ترى المدرسة الأخرى أن التناقضات الصينية الداخلية -من ناحية التفاوت في الدخل والرعاية الصحية وغيرها فضلًا عن التفاوت الاقتصادي بين المقاطعات المختلفة- ترجع في أساسها إلى تحرير الأسواق وإفساح المجال لاقتصاد السوق الحر، أي أن المدرستين مجمعتان على نقد السوق الحر، ولكن من منظورين مختلفين. على عكس المدرستين؛ يرى البروفيسور «تشانغ» أن ما حققته الصين من نجاح بالغ في فترة الإصلاح الاقتصادي وصعودها السريع من المركز الثالث عشر إلى المركز الثاني عالميًا يرجع بالأساس إلى تبني اقتصاديات السوق وسحب يد الدولة والتخطيط المركزي للاقتصاد.

هيكل الكتاب

الكتاب مقسم بشكل مدروس إلى أربعة أجزاء رئيسية يحتوي كل جزء منها على عدة فصول تشرح سياقًا معينًا:

  1. الجزء الأول: مقسم إلى سبعة فصول تركز على آلية اقتصاد السوق الحر من جوانب مختلفة، مع ربط بعض هذه الجوانب بالتجربة الصينية بشكل موجز.
  2. الجزء الثاني: يُعدُّ الجزء الأهم من وجهة نظري، وهو مقسم إلى ستة فصول تتحدث عن تجربة التحول الاقتصادي الصيني كما يراها «تشانغ» وهي تجربة مليئة بلحظات الصعود ولحظات الهبوط.
  3. الجزء الثالث: مقسم إلى ثلاثة فصول تبحث في أصل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ودور الولايات المتحدة والصين في تشكل هذه الأزمة من خلال تبنيهم بعض السياسات الاقتصادية.
  4. الجزء الرابع: يحتوي على فصل واحد يستشرف فيه البروفيسور «تشانغ» المستقبل الاقتصادي الصيني في العقود التالية، وما يراه من مسارات يجب أن تتخذها الصين كي تحافظ على نموها الاقتصادي وتحسِّن منه.

الأفكار الرئيسية التي تمت مناقشتها

  1. المنافسة في السوق
    المبدأ الأساسي: يؤكد «تشانغ» أن المنافسة في السوق هي القوة الدافعة وراء الكفاءة الاقتصادية والابتكار، ويشرح كيف تشجع المنافسة الشركات على تحسين منتجاتها وخدماتها، وعلى تقليل التكاليف والابتكار للبقاء في المقدمة.
    المقارنة مع الاقتصادات المخططة مركزيًا: يقارن الكتاب بين ديناميكية الاقتصادات السوقية وجمود الاقتصادات المخططة مركزيًا، مستخدمًا دراسات حالة لتوضيح كيفية دفع المنافسة التقدم.

  2. التجربة الصينية في الإصلاح الاقتصادي
    صعوبة تحديد مسار إستراتيجي: على الرغم من المحاولات الكثيرة التي قامت بها الحكومة الصينية لوضع مسار استراتيجي موحد، أسفر تعقيد الواقع الصيني عن عدة مسوَدات مختلفة في تصوراتها أو لم تنفذها الحكومة، وقد انتهى الأمر بالتجربة الصينية إلى تحسس طريقها وتعديل خطواتها للتعامل مع الواقع المتجدد بشكل مستمر.
    المسار المزدوج: انتهى المطاف بالتجربة الصينية إلى مسار مزدوج، إذ حافظت الحكومة على سيطرتها في بعض القطاعات، مثل الطاقة والاتصالات والموارد النادرة، وأطلقت يد السوق الحرة في جميع القطاعات الأخرى.
    الانتقال من الاقتصاد المخطط مركزيًا إلى الاقتصاد الموجه نحو السوق: يوضح «تشانغ» التحول التدريجي من الاقتصاد المخطط مركزيًا إلى الاقتصاد الموجه نحو السوق، موضحًا السياسات الرئيسية التي سهلت هذا الانتقال، مثل تحرير الأسعار، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، والانفتاح على الاستثمار الأجنبي.
    ريادة الأعمال: يشارك «تشانغ» قصص نجاح رواد الأعمال الصينيين الذين ازدهرت أعمالهم في ظل الإصلاحات الموجهة نحو السوق، مسلطًا الضوء على مساهماتهم في الاقتصاد، واستعرض «تشانغ» ثلاثة أجيال من رواد الأعمال الذين اختلفوا حسب النمو التدريجي للإصلاح الاقتصادي بدءًا من رواد الأعمال ذوي  الخلفية الزراعية، ومرورًا برواد الأعمال ذوي الخلفية البيروقراطية/الحكومية، ووصولًا إلى الذروة مع رواد الأعمال التقنيين والعائدين من الخارج مع بداية ثورة الإنترنت.

  3. الأزمة الاقتصادية العالمية
    فهم أسباب الأزمة: يرجع السبب الرئيسي للأزمة في توسع البنك الفيدرالي الأمريكي في سياسات الإقراض مع المحافظة على سعر فائدة منخفض على القروض، مما أدى إلى إرسال إشعارات سعرية مضللة إلى المستثمرين والمستهلكين  أدت إلى التوسع في الاستثمار في قطاعات اقتصادية غير منتجة وزيادة استهلاكية كبيرة مع توفر الأموال،  ما أدى إلى سلسلة من الأحداث انتهت بانهيار الفقاعة العقارية وبدء الأزمة.
    دور الصين في الأزمة: يرجع دور الصين في الأزمة إلى أسلوب قياسها وفهمها للناتج القومي الإجمالي،  ما جعلها تحافظ على القيمة النقدية لعملتها تحت السعر السوقي لها، مما أدي إلى انخفاض سعر صادراتها إلى الولايات المتحدة التي كانت تعاني من زيادة كبيرة في الاستهلاك وقد غطتها الصين بمنتجاتها. كما أن انخفاض الواردات بدوره قد ضلل الفيدرالي الأمريكي في تقدير قدرته وسياساته المالية.
    معالجة الأزمة: يري «تشانغ»، وهو المؤمن الشديد بقدرة السوق على معالجة نفسه واستعادة توازنه، أن التدخل الحكومي للدول المختلفة هو الذي أدى إلى انتشار الأزمة وطول أمدها.

  4. التحديات المستقبلية التي تواجه الصين
    الاندماج العالمي: يناقش «تشانغ» اندماج الصين في الاقتصاد العالمي والتحديات والفرص التي يقدمها هذا الاندماج، كما يؤكد على ضرورة استمرار الصين في الانفتاح والتفاعل مع السوق العالمية. يري «تشانغ» أيضًا أن على الصين ألا تعتمد فقط على التصدير الخارجي وأن تسرِّع وتيرة التجارة الداخلية بين المقاطعات المختلفة، ويوضح كيف أن تعداد كثير من مقاطعات الصين أكبر من دول بأكملها، وأنه يجب التعامل مع الصين على أنها عالم مصغَّر يجب تشجيع التجارة الداخلية بين أجزائه وتنمية السوق المحلي.
    التكامل والإبداع الصناعي: لكي تحافظ الصين على نموها الاقتصادي؛ يجب عليها التحول من منتجات رخيصة الأسعار وذات قيمة مضافة قليلة إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية عن طريق إنتاج وتصنيع تقنيات متقدمة، وتحقيق تقدم صناعي ضخم يسمح لها بالمنافسة العالمية عن طريق الاستثمار في النظام التعليمي، والتحول إلى مؤسسات عملاقة عن طريق الاندماج بدلًا من الإكثار من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
    الإصلاحات السياسية والقانونية: يسلط «تشانغ» الضوء على الحاجة إلى استمرار الإصلاحات السياسية والقانونية لدعم التحرير الاقتصادي، كما يناقش أهمية سيادة القانون، والشفافية وتقليل الفساد.


الخاتمة

يقدم كتاب «منطق السوق» تحليلًا عميقًا للإصلاحات الاقتصادية في الصين، مسلطًا الضوء على أهمية آليات السوق وريادة الأعمال. توفر مقالات «تشانغ» رؤى قيمة لأي شخص مهتم بفهم ديناميكيات التحول الاقتصادي الصيني ونجاحه.

المراجع

Zhang, W. (2015). The logic of the market: an insider’s view of Chinese economic reform. Cato Institute.

Exit mobile version