أنماط التعلم واستبيان النمط الذهني

بقلم: مي صبري الأشوح – باحث علمي بالمركز القومي للبحوث

ما المقصود بالتعلم؟


يعتبر مفهوم التعلم من المفاهيم الدارجة القريبة إلى ذهن الإنسان في عصرنا الحديث، ورغم تأكد الغالبية من تمام معرفتهم الجيدة بالمفهوم والمعنى الحقيقي للتعلم، إلا أن حقيقة كُنْه هذا المصطلح تحمل أبعادًا أعمق بكثير مما يتوقعه الكثيرون.

كثرت في الآونة الأخيرة التعريفات العلمية الشارحة لمصطلح التعلم، وتعتبر هذه التعريفات بتعددها جامعةً لكل الجوانب الشارحة للمصطلح من حيث طبيعته ونشأته وأهميته واستخداماته.

ومن أهم هذه التعريفات أن التعلم هو عملية اكتساب المعلومات الجديدة، ويمكن تعريف التعلم كذلك بأنه عملية تكوين المفاهيم المرتبطة بخلق قواعد نظرية (Abstract)، وهياكل أو تكوينات ذهنية مستنتجة من الخبرات الحسية المكتسبة بواسطة الحواس المادية من سمع وبصر وتذوق وخلافه.

أنماط التعلم وتقسيماتها:



وتعتبر أنماط التعلم من أهم التصنيفات القادرة على تعميق فهمنا لعملية التعلم، حيث أنها تتناول كيف يختلف البشر في أسلوبهم في تحصيل المعرفة، كذلك تعتبر أنماط التعلم هي الشارحة لكيفية التفاعل بين الإنسان والبيئة التعليمية من حيث الاستقبال، التفاعل والاستجابة للمعطيات، وفي تعريفات أخرى شارحة فإن نمط التعلم هو الطريقة المميزة لكل شخص والتي يستطيع من خلالها اكتساب المعارف والاحتفاظ بها في عقله بحيث تمكنه من القدرة على استرجاعها وقت الحاجة إليها.


ولقد تعددت الأصول النظرية التي لجأ إليها العلماء لاستعراض مختلف الأشكال والصور لأنماط التعلم، ومن أهمها تقسيم أنماط التعلم من حيث الاختلاف في عملية استقبال المعلومات، أو من حيث طبيعة العمليات الذهنية، وأخرى اعتمادًا على التنوع في أنماط الشخصية للإنسان.

كذلك ظهرت العديد من النظريات المندرجة تحت تلك التقسيمات الثلاثة، ولاقى العديد منها قبولًا واسعًا في الأوساط العلمية، ثم امتد انتشارها ليصل إلى حيز التطبيق، فانتشرت في المدارس والجامعات لتساعد في تحليل البيئة التعليمية وفي دراستها وتطويرها، كما استخدمت في مجالات الاستشارات النفسية التدريب والتأهيل لتحسين قدرات المتدربين ورفع قدراتهم الذاتية. ومن أهم الأدوار التي ساهمت فيها دراسة أنماط التعلم تطوير العاملين وتقديم التوصيات الفاعلة في مجال الاستشارات المهنية والتوظيف، بحيث يمكن الاستفادة من الأشخاص المختلفة في المواقع المناسبة لهم حسب ميولهم وقدراتهم.

سنستعرض في هذا المقال أحدث النظريات القادرة على تحديد نمط التعلم لكل إنسان بدقة ووضوح ومصداقية، من خلال التعرف على استبيان النمط الذهني الذي يحدد أنماط التعلم وفقًا لنظرية التخصصية الوظيفية للقشرة المُخيّة.

استبيان النمط الذهني The Intellectual Style Inventory (ISI) :



يعتبر استبيان النمط الذهني هو الأحدث من حيث عرض تقسيمات جديدة ومبتكرة لأنماط التعلم منبثقة من أشهر النظريات والتطبيقات المنتشرة في الوسط العلمي والأكاديمي، ويعتمد استبيان النمط الذهني على حقيقة أن العقل البشري هو العضو المسؤول عن تحصيل العلم بصفة عامة، وأن القشرة المُخيّة للإنسان تنقسم من الناحية الوظيفية إلى أربعة أقسام أو فصوص مختلفة. يؤكد هذا الاستبيان على أن الجميع يستخدمون الفصوص الأربع أثناء عملية التعلم لكن بدرجات متفاوتة، كما يلفت الانتباه إلى أن نسبة استخدامنا لكل فص مخي تخضع إلى قانون مشهور يُطلق عليه «قانون الأفضلية الفطرية» (Natural Preference)، ومعنى الأفضلية الفطرية أن كل فرد بطبيعته الخلقية يميل إلى استخدام واحدٍ من هذه الفصوص أثناء عملية التعلم بدرجة أكبر وبسلاسة وتلقائية أكثر.


ويوضح استبيان النمط الذهني أن الفصوص المخية الأربعة تتميز بالقيام بعمليتي الإدراك (Perception) و التفكير (Thinking) أثناء عملية التعلم (Learning) ، و خلال عملية الإدراك يستخدم كل فص من الفصوص الأربعة مجموعة من المرشحات الذهنية (brain filters) التي تمكنه من جمع المعلومات من العالم الخارجي، بينما تختص عمليات التفكير باستخدام تلك المعلومات و التعامل معها وفقا لعمليات ذهنية خاصة بكل فص مخي لاتخاذ القرارات (decision making) المختلفة.


يوضح استبيان النمط الذهني أن الفصوص المُخيّة الأربع تتميز بالقيام بعمليتي الإدراك والتفكير أثناء عملية التعلم، وخلال عملية الإدراك يستخدم كل فص من الفصوص الأربع مجموعة من المرشحات الذهنية تمكنه من جمع المعلومات من العالم الخارجي، بينما تختص عمليات التفكير باستخدام تلك المعلومات والتعامل معها وفقًا لعمليات ذهنية خاصة بكل فص مُخيّ لاتخاذ القرارات المختلفة.

ويعتبر استبيان النمط الذهني وسيلة لتحديد الفص الأكثر استخدامًا لدى الفرد في عملية التعلم، وذلك من حيث كل من عمليتي الإدراك والتفكير، كما يوضح الاستبيان للمستخدم المواصفات المميزة لنمط التعلم الخاص به وفقًا لنتائج الاستبيان بعد إتمام عملية الحل لجميع الأسئلة.

هناك بُعدٌ تاريخيّ لالتزام استبيان النمط الذهني بشرح عملية التعلم وتكوين المفهوم من خلال عمليتي الإدراك والتفكير بشكل خاص، ويرجع هذا البعد إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث استرسل أرسطو في نظرياته الفلسفية الشارحة للعقل البشري من حيث الطبيعة والوظيفة، مرورًا بتطوير الفلاسفة الإسلاميين لنظريات أرسطو، ثم آخر ما توصل إليه العلم الحديث من معلومات مبهرة ومحقّقة عن كيفية التعلم.

ومن هنا جاءت المزاوجة بين مصطلحات علميّة قديمة وأخرى حديثة ليشرح بعضها بعضًا، وشبّهت عملية تحصيل العلم أو الإدراك بعملية «التصور» (Conceptualization) بتعريفها المشهور في كتب العقيدة والفلسفة، بينما تمثلت عملية التفكير في مفهوم ما أطلق عليه فلاسفة الإسلام قديمًا «التصديق» (Assent).

التصور عند أهل المنطق هو الإدراك غير المتعلق بالنسبة الخبرية على وجه التسليم والقبول، وقد ألمح القرآن الكريم إلى أن مصادر تحصيل العلم من الخارج هي السمع والبصر والفؤاد، ثم جاء العلم الحديث ليفصّل لنا هذه الحقيقة من خلال تقسيم البشر إلى الشخصية السمعية والبصرية والحسية وفقًا لتلقي المعلومات من العالم الخارجي كما ذكرنا سابقًا. أما التصديق -عند أهل المنطق- فهو إدراك النسبة الخبرية على وجه التسليم والقبول، وفي ذلك الأمر استفاضات واسعة لا يتسع المجال لذكرها هنا وسنفرد لها مؤلفات مستقلة مستقبلية بإذن الله وتوفيقه.

واستكمالًا لما بينّاه سابقًا، تختلف العمليات العقلية التي يقوم بها كل فص دماغي وتنتقل الإشارات الكهربائية بين فصوص العقل في اتجاه أفقي أو رأسي فقط، لكنّها لا تتقاطع، وبينما يعمل المخ بجميع أجزائه إلا أن المنطقة الأكثر نشاطًا هي التي تحدد ملامح شخصية كل فرد ونمطه المميز في الإدراك والتفكير وفقًا لمنطقة المخ الغنية بالإشارات الكهربائية. يؤكد استبيان النمط الذهني على تنوّع وتمايز هذه الآليات، وإليكم تفصيلها في إطار التعريف العلمي لكل من التفكير والإدراك:

التفكير


التفكير هو عملية الحكم واتخاذ القرار، ويحتاج إلى مسار أو قالب تُرتّب فيه المعلومات أو المدخلات ووسيلة تنبيه منوط بها الإفادة باكتمال الصورة واستقرار العقل على قرار، وتختلف آليات التفكير من فص إلى آخر كما سنبين :

آليات التفكير الخاصة بالفص الأمامي الأيسر:

آليات التفكير الخاصة بالفص الأمامي الأيمن:

آليات التفكير الخاصة بالفص الخلفي الأيمن:

آليات التفكير الخاصة بالفص الخلفي الأيسر:

الإدراك

الإدراك هو تحصيل المعلومات من العالم الخارجي ثم تخزينها في الذاكرة الدائمة، وتحصيل المعلومات يعتمد أولًا على الحواس الخمسة، ويتم من خلال عمليات التركيز والانتباه ثم تخزين المعلومات، ويحتاج إلى عملية عقلية جبلية تسمى التشفير.

آليات الإدراك الخاصة بالفص الأمامي الأيسر:

آليات الإدراك الخاصة بالفص الأمامي الأيمن:

آليات الإدراك الخاصة بالفص الخلفي الأيمن:

آليات الإدراك الخاصة بالفص الخلفي الأيسر

المصادر:

Ono, T. (2009).Learning and Memory. In M.D. Binder, N. Hirokawa& V. Windhorst (Eds.), Encyclopedia of Neuroscience. Springer Verlag Berlin Heidelberg.

Britannica Concise Encyclopedia. Retrieved from: http://www.answers.com/topic/concept-formation
Harold Pashler, Mark McDaniel, Doug Rohrer, and Robert Bjork, “Learning Styles Concepts and Evidence”, Association for Psychological Science, 105- 119, (2009).

Curry L. Learning preferences in continuing medical education. Canadian Med Assoc J. 1981;124:535–536.

Felder, R., & Henriques, E.R. (1995). Learning and teaching styles in foreign and second language education. Foreign Language Annals, 28 (1), 21-31.

M.S. Saleh, Z. M. Monir, A. Saad-Hussein, S. M. Moustafa, “Intellectual Style Inventory (ISI): Learning Style Assessment after Cortical Functional Specialization,” British Journal Of Education, Society and Behavioral Science, Vol. 4 No. 7, 2014, pp.987-1005.

M.S. Saleh, (2018). The Mind Pyramid. Draft to Digital.

M. S. Saleh, (2015). The Four Isomorphic Couplets Passive Mind/Active Mind, Definition/Syllogism, Tasawwur/Tasdiq and Perception/Thinking. American Journal of Applied Psychology, 3(2), 43-46.

Exit mobile version