على طاولةٍ واحدة: الطاقة الشمسية، النانوتكنولوجي، الذكاء الاصطناعي
بقلم: آلاء عاصم صيرى، باحث دكتوراة- المركز القومي للبحوث.
ماذا يحدث عندما يجتمع هؤلاء القادة على طاولة واحدة؟
هل حلم القضاء على انبعاث الكربون سيغدو واقعًا قريبًا؟
الشعاع الذهبى الذي يطل علينا يوميًا بتفاؤل، هل هو الملاذ الآمن للطاقة المستقبلية؟
هل يمكن اختصار سنوات البحث إلى شهور؟
ربما!
الاتجاه إلى «تعددية التخصصات» (Interdisciplinarity) في قطار البحث العلمي هو بمثابة الوقود لزيادة سرعته، والوصول إلى مستقبل يفي باحتياجاتنا وبأقل خسائر بيئية ممكنة.
تأخذنا سطور هذا المقال في جولة للتعرف على الطاقة الشمسية وعلم النانو تكنولوجي وعلم الذكاء الاصطناعي ، وكيف نشأ بروتوكول التعاون بينهم.
الطاقة الشمسية
الطاقة الشمسية هي عبارة عن ضوء وحرارة، ينبعثان من الشمس نتيجة تفاعلات الاندماج النووي الحراري في مركز الشمس والتي تجعل درجة الحرارة على سطح الشمس تصل إلى 5700 كلفن.
إن كمية الطاقة الشمسية الإجمالية التي تصل إلى الأرض لا تتجاوز نسبة 30% تقريبًا، وبالرغم من ذلك فإن هذه النسبة كافية لتلبية احتياجاتنا للطاقة، هذا إذا تم استغلالها بشكل جيد، وذلك نظرًا لكونها مصدر طاقة متجددة ومستمرة وصديقة للبيئة، مما يقلل من استخدامنا للوقود الأحفوري والفحم والغاز الطبيعي وتقل بالتبعية أسباب تلوث البيئة وتغير المناخ. ورغم مجانية الطاقة الشمسية إلا أن تكلفة تحويلها إلى كهرباء -وتخزينها- تحول بين التوسع في نطاق استخدامها.
خلايا السيليكون بنوعيها «أحادية التبلور» (Monocrystalline) أو «متعددة التبلور» (Polycrystalline) هي الخلايا الأكثر شيوعًا في سوق الطاقة الشمسية، وتُشكّل ما يُعرف بخلايا الجيل الأول، إلا أن تكلفة إنتاج هذه الخلايا باهظة جدًا. ونظرًا للمساحة الكبيرة المطلوبة لتركيب مصفوفات الألواح الشمسية، اتجه الباحثون إلى تجربة مواد أخرى نانو مترية.
لنتعرف أولًا على ضيفنا الثاني وهو علم النانو تكنولوجي.
النانو تكنولوجي
النانو هو واحد من أصغر وحدات القياس، فهو يمثل جزء من مليار جزء من المتر. فمثلا يبلغ قطر شعرة الإنسان 100,000 نانومتر. والمواد النانو مترية هي المواد التي لها بعد واحد على الأقل يقع في مقياس النانومتر (1-100) نانومتر.
عندما يصل حجم المادة لمقياس النانومتر تتغير خصائصها، فيتغير سلوك المادة في امتصاصها للضوء عندما يتغير الحجم مما يحسن كفاءتها في الغالب ويؤهلها لتطبيقات الخلايا الفوتو فولتية.
وتعتبر الخلايا الشمسية المصنوعة من المواد النانو مترية (الجيل الثاني والثالث) أخف وزنًا وأكثر مرونة، كما أن طرق تصنيع هذه الخلايا أقل تكلفة بكثير من خلايا السيليكون، وبعض أنواع هذه الخلايا حققت كفاءة عالية في بضع سنوات تضاهي خلايا السيليكون التي استغرقت في مرحلة الأبحاث ما يقرب من نصف قرن لتصل إلى نفس النسبة.
ومع ذلك ما زالت آلية الحصول على كفاءة عالية للخلايا الشمسية مع ثبوتية أطول للمواد المكونة تحت ظروف البيئة من درجات حرارة ورطوبة وأكسجين، لغزًا يعمل عليه الباحثون على مستوى العالم.
دعونا نلقي نظرة على معامل الأبحاث لنرى ما تتضمنه عملية تصنيع الخلايا الشمسية، خاصة خلايا الجيل الثالث، وما هي العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار مادة دون غيرها لتجربتها واختبار كفاءتها.
هناك الكثير من المتغيرات مثل: «المذيبات ومضادات المذيبات« (Solvents and antisolvents)، «أشباه الموصلات» (Semiconductors) النقية والمشوبة، «الطبقات الناقلة للشحنات الموجبة» (HTL)، «الطبقات الناقلة للشحنات السالبة» (ETL)، مواد الإلكترودات، الصبغات المتنوعة كما في «الخلايا الشمسية الصبغية» (DSSC)، المكونات المختلفة لمادة البيروفسكايت والتي تعتمد على ثلاثة متغيرات (ABX3) في نوع خلايا البيروفسكايت، ودرجات الحرارة في كل مرحلة، هذا بالإضافة إلى العوامل المتعلقة ببيئة الأجهزة العلمية المختلفة المستخدمة لترسيب هذه الطبقات والتحكم في سمكها. إذا أردنا النظر بالعين البشرية في كل تلك المتغيرات التي لا حصر لها في الأوراق البحثية المنشورة حتى يمكننا الوصول إلى مواد جديدة وطرق تصنيع أفضل متوقع أن تعطينا نتائج مرجوة، سنجد أن الأمر شديد التعقيد! علاوة على الوقت المستغرق في اختبار هذه التنبؤات في المعامل. لذلك نحن بحاجة إلى طرق مبتكرة ومنهجية لمراجعة هذا الكم الهائل والوصول إلى حلول سريعة ودقيقة.
هنا يأتي دور ضيفنا الثالث وهو علم الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا تعلم الآلة، وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي ويعتمد على قدرة الآلات على تعليم نفسها عن طريق تغذيتها بالبيانات وإجراء بعض التحاليل عليها بدقة وسرعة عالية واستخلاص الأنماط المختلفة لها ثم التفكير في حلول سريعة لمشاكل مختلفة بالإضافة إلى عمل تنبؤات استنادًا على هذه البيانات. أي أن الآلة تحتاج لإتمام عملية التعلم إلى عنصرين أساسيين: أولًا البيانات، حيث تستقبل الآلة بيانات متعددة فيتم تدريبها، وثانيًا الخوارزميات، وهى الأداة التي تتعلم بها الآلة الوصول إلى «نموذج» (Model)، وكلما زادت هذه البيانات كلما حصلنا على نموذج أدق وأوضح.
فإذا طُبّق التعلم الآلي على الكم الهائل من العوامل المؤثرة في تصنيع الخلايا الشمسية والتي ذكرت سابقًا، سيمكن الحصول على رؤية استراتيجية لتسريع عملية البحث بطرق أدقّ وأنجح. فيمكن للآلة -اعتمادًا على هذه البيانات- التنبؤ ببعض المواد المتوقع لها فاعلية أعلى وتجربتها على أرض الواقع ثم تغذية النتائج مرة أخرى إلى قاعدة البيانات فيتحسن النموذج أكثر ويعطي نتائج أفضل. الأمر يشبه نصفي الدائرة عندما يكملان بعضهما البعض. النصف الأول يمثل علماء تارة بين تجارب معملية شديدة التعقيد وتارة أخرى غارقين بين الأوراق البحثية التي لا حصر لها، والنصف الثاني علماء لغتهم الأم هي المعادلات الرياضية المعقدة أيضًا، يتحدثون فقط مع بعضهم البعض. بالفعل بدأت مراحل اندماج نصفي الدائرة في طورهما الأول وبدأ ظهور الهلال في الكثير من الأوراق البحثية المنشورة. عندما ينجح هذا المزيج ويكتمل البدر فإن الأمر سيشبه النقلة التي أحدثها محرك البخار في الثورة الصناعية، كوننا نسافر بسرعة كبيرة نحو مستقبل تلعب فيه الطاقة المتجددة دور البطولة!!
المصادر:
1- Javed, Hafiz Muhammad Asif, et al. Perspective of nanomaterials in the performance of solar cells. Solar cells. Springer, Cham. 25-54 (2020).
2- Cağla Odabaşı, Ramazan Yıldırım. Performance analysis of perovskite solar cells in 2013–2018 using machine learning Tools. Nano Energy 56 770–791 (2019).
3- Jacobsson, T.J., Hultqvist, A., García-Fernández, A. et al. An open-access database and analysis tool for perovskite solar cells based on the FAIR data principles. Nat Energy 7, 107–115 (2022).