الدماغ البشري والخطأ – كيف تتعلم أدمغتنا من أخطائنا؟

اسم الكاتب: ماريا حليمة

قد تعتقد أن ارتكاب خطأ ما أمر سيئ للغاية. وهذا لأن ارتكاب الأخطاء مرتبطٌ بمشاعر سلبية يمكن أن تكون مزعجة أو مؤلمة أحيانًا، ولكنها في الحقيقة جزءٌ مما يقوم به الدماغ البشري لجعلك ناجحًا في المستقبل. وقد تتساءل: «كيف يحدث هذا؟».

منذ بدء الخليقة، كان نهج العلماء والدارسين في البحث والوصول إلى الحقائق العلمية معتمدًا على التجربة والخطأ. فلولا التجربة لما استطاعوا التأكد من الفرضيات والنظريات. ولولا ارتكاب كثير من الأخطاء لما توصلنا إلى منهجية واضحة في العلوم التجريبية.

واحدة من أهم وظائف الدماغ هي محاولة التنبؤ بالمستقبل. وهذا يشمل قدرتنا على تغيير أفعالنا في المستقبل لتجنب ارتكاب نفس الأخطاء التي قد وقعنا بها. ولا شك أنّ هذه الطريقة نجحت في تمكين الجنس البشري من البقاء على قيد الحياة. ولذلك فإن فهم كيفية اكتشاف الدماغ للأخطاء والتعامل معها يعرفنا كثيرًا عن كيفية عمل الدماغ وكيفية التعلم.

تأثير التجارب الحياتية على الخلايا العصبية

دراسة جديدة تثبت أن قدرتنا على تعلم أشياء جديدة واستكشاف آفاق للنجاح والفشل تعود لمجموعة من شبكة الخلايا العصبية متعددة المهام في دماغنا البشري. نُشِرَت نتائج هذه الدراسة في مجلة (Journal Science) لتوضح رؤية جديدة في كيفية تعامل دماغ الإنسان مع المواقف الكثيرة التي يتعرض لها في حياته؛ سواءً عن طريق اكتساب التجارب والخبرات الجديدة في الحياة، أو العمل على تنمية مهارات متنوعة إلى حد ما.

يقول كبير مؤلفي الدراسة «أولي روتيشاوزر» (Ueli Rutishauser)، الحاصل على درجة الدكتوراة وأستاذ ومدير مركز العلوم العصبية والطب في مركز «سيدارز» (Cedars) في لوس أنجلوس: «جزء من سحر الدماغ البشري هو أنه مرن للغاية».

أجرى العلماء -في هذه الدراسة- التجربة على 34 مريضًا بالغًا مصابًا بالصرع، والذين سبق وأن زُرِعَت أقطاب كهربائية في أدمغتهم لمعرفة المصدر الأساسي لنوبات الصرع. هذه الأقطاب كانت مزروعة في المنطقة الأمامية من نخاع المخ (خلف الجبهة)، والتي تلعب دورًا مهمًا في مراقبة تطور الأداء والمهارات العقلية. جميع الناس في هذه الدراسة جربوا نوعين من الاختبارات العقلية:

1. الاختبار الأول كان مركزًا على قراءة كلمة مكتوبة تمثل لونًا معينًا، وهذه الكلمة مطبوعة بلون مختلف عن الكلمة، وكان المطلوب أن يقولوا هذا اللون بصوت عالٍ.

2. الاختبار الثاني كان يعرض أمام المرضى سلسلة من الأرقام مكونة من ثلاثة أرقام مثل: (2)، (3)، و(2). وطُلِب من المرضى أن يضغطوا على الرقم الذي يظهر مرة واحدة فقط.

في المهمة الأولى، يحتاج الناس إلى بذل مجهود في التمييز بين الكلمة التي يقرؤونها واللون الذي يرونه للحصول على الإجابة الصحيحة. بينما في المهمة الثانية، يحتاج الأشخاص إلى التغلب على الدافع للضغط على زر للرقم الذي يرونه متكررًا (رقم 2 في المثال السابق) للحصول على الاستجابة الصحيحة.

عندما أكمل الناس هذه المهام المعقدة، أظهرت الأقطاب الكهربائية في أدمغتهم نوعين من الخلايا العصبية في العمل:

●             الخلايا التي تنشَّطت استجابة للأخطاء.

●             والخلايا التي تنشَّطت بعد إكمال المهام الصعبة.

وبناءً عليه، فإن منطقة الدماغ تلعب دورًا مهمًا في تقييم الحقائق والقرارات.

ولكن ما هي الفائدة المرجوة من مثل هذا الاكتشاف؟ يقول «روتيشاوز» أن الحصول على فهم أفضل لكيفية استجابة الخلايا العصبية في هذه المنطقة من الدماغ قد يساعد يومًا ما في علاج حالات الصحة العقلية التي تنطوي على تتبع أداء غير طبيعي، مثل اضطراب الوسواس القهري أو الفصام.

الدماغ الذي يجدد نفسه!

في السبعينات، وجد «مايكل ميرزينيتش» (Michael Merzenich) -عالم أعصاب في جامعة كاليفورنيا- دليلًا على أن الأدمغة البشرية يمكن أن تعيد توصيل نفسها بمرور الوقت. تحدى عمله الفكرة الشائعة بأن الناس وُلِدوا بعدد ثابت من خلايا الدماغ المنظمة في مسارات لا تتغير. واقترح أنه ربما لم تُحدَّد قدرتنا على التفكير والتعلم والعقل منذ الولادة.

بدأ «ميرزينيتش» وفريقه أبحاثهم مع القرود بهدف تحديد خلايا الدماغ التي تتنشط عندما تكمل القرود مهمة معينة، وقد أذهلت خرائط الدماغ الناتجة المجتمع العلمي. لكنه وجد مفاجأة أكبر عندما أعاد النظر في الخرائط لاحقًا، حيث تغيرت المسارات العصبية للقرد؛ وتبين أن التفسير الوحيد الممكن هو أن أدمغة القرود كانت تصنع مسارات عصبية جديدة. روى «نورمان دويدج» (Norman Doidge) الملاحظة في كتابه «الدماغ الذي يغير نفسه» (The Brain that Changes Itself).

الدماغ والأخطاء | دماغنا يدرك الأخطاء قبل أن ندركها نحن!

استخدم الباحثون أغطية مُجهَّزة مع أجهزة استشعار يمكنها قياس نشاط الدماغ. وجد الباحثون أن استخدام هذه الطريقة يخلق نوعًا معينًا في نشاط الدماغ عند ارتكاب الشخص خطأ ما. هذا النشاط -والذي يُسمَّى «السلبية المتعلقة بالخطأ» (Error-Related Negativity/ ERN) يحدث تقريبًا في نفس وقت وقوع الخطأ، ويبدو الأمر كما لو أن الدماغ يعرف بالفعل أننا نرتكب خطأ ما خلال أجزاء من الثانية، قبل أن ندركه بأنفسنا.

كيف يتعامل الدماغ مع الأخطاء؟

الدماغ حساس جدًا للأخطاء، وينتج نوعًا محددًا من النشاط الكهربائي عندما نصنع أخطاء، وهو النشاط الذي سبقت الإشارة إليه بمصطلح «السلبية المتعلقة بالخطأ»، وهذه السلبية     :

1. تحدث قبل أن نكون على علم بالخطأ.

2. تصبح أكثر قوة مع تقدمنا في السن.

3. يمكن أن تتنبأ بمدى جودة أدائنا في المدرسة أو الجامعة.

يمكن ملاحظة نمط معين من نشاط الدماغ عندما نرتكب خطأ ما. في الرسم البياني، يُظهِر الخط المتموج نشاط الدماغ بمرور الوقت، ويمثل الخط الرأسي الوقت الذي ارتُكِب فيه الخطأ. يمكنك أن ترى أن سلبية الخطأ (اللون الأزرق) يحدث مباشرة تقريبًا بعد ارتكاب الخطأ، وهو الأقوى في الجزء العلوي من الرأس، بينما تأتي إيجابية الخطأ (اللون الأحمر) بعد ذلك بقليل.

تتواصل خلايا الدماغ مع بعضها البعض باستخدام شحنات كهربائية. ينتقل هذا النشاط الكهربائي بعيدًا عن خلايا الدماغ إلى خارج الرأس، ويمُرُّ عبر أنسجة المخ والجمجمة والجلد باستخدام أغطية ذات مستشعرات خاصة تُسمَّى «الأقطاب الكهربائية». يمكننا تسجيل هذا النشاط باستخدام طريقة «تخطيط كهربية الدماغ» (EEG)، والتي تسمح لنا بدراسة نشاط الدماغ أثناء أداء الأشخاص لـ (ELECTO) أو «النوم»، وإذا كانوا مرتاحين أو مُرَكِّزين، أو إذا كانوا قد ارتكبوا للتو خطأً.

كثيرًا ما يقال مجازًا: «عليك أن تفكر خارج الصندوق». وفي الحقيقة، هذا الصندوق -دماغنا البشري- مليء بالألغاز التي إن استطعنا فهمها والتعامل معها، سنُحدِث ثورة حقيقية في التعليم وحل المشكلات في المجتمع العلمي، أو الطبي، أو حتى على المستويات الشخصية. على الرغم من أن ارتكاب الأخطاء قد يكون مزعجًا ومحبطًا في بعض الأحيان.

ومع ذلك، من المهم جدًا أيضًا أن نتعلم من أخطائنا، حتى نتمكن من تصحيح ردودنا وممارسة حياتنا بطريقة مختلفة. لا يزال هناك كثيرٌ مما لا نعرفه عن كيفية تفاعل الدماغ مع الأخطاء. وقد يساعدنا إجراء المزيد من الأبحاث حول السلبية المتعلقة بالخطأ في حل بعض من هذه الألغاز. فلكي نخرج من هذا الصندوق، علينا أن نفهم دواخله أولًا!

المصادر

1. Øverbye, K., Bøen, R., Huster, R. and Tamnes, C.K., 2020. Learning from mistakes: How does the brain handle errors?. Frontiers for Young Minds, 8.

2. Medscape. 2022. Our Brains Learn From Mistakes and Can Track Performance. [online] Available at: <https://www.medscape.com/viewarticle/974083> [Accessed 6 June 2022].

3. Science News for Students. 2022. A secret of science: Mistakes boost understanding. [online] Available at: <https://www.sciencenewsforstudents.org/article/secret-science-mistakes-boost-understanding> [Accessed 6 June 2022].

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button