الطعام البديل: عندما تكون البكتيريا علامة مسجلة

بقلم : يمنى هشام الخشاب

«الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم» كما ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية، وكذلك المادة منذ أن اكتشفت ميكانيكا الكم أن المادة لها طبيعة موجية كالطاقة، والطاقة لها طبيعة مادية كالمادة، لكن يبدو أن طعام المستقبل يريد التحايل على هذه القاعدة!

كإحدى توجيهات التنمية المستدامة، يتجه العالم نحو تصنيع الغذاء من مصادر غير حيوانية لأسبابٍ عدة أهمها مشكلة تحويل الغابات إلى مراعٍ للحيوانات مما يزيد من انبعاث الغازات الدفيئة ويؤدي إلى استهلاكٍ ضخمٍ للمياه، هذا بالإضافة إلى الرعي الجائر، ورغبة الشركات في تلبية احتياجات قطاعٍ من المستهلكين النباتيين وغير الراغبين في استهلاك المنتجات من بعض الحيوانات مثل الخنازير، وبالطبع لإيجاد عدة مصادر أخرى للطعام لحل مشكلة نقص الغذاء العالمي خصوصًا وأن الإحصائيات تشير إلى أنه بحلول 2050 سنكون قد وصلنا إلى عشرة مليارات إنسانٍ على هذا الكوكب.

(©Ocean Hugger Foods)

توجد ثلاث وسائل للتعامل مع هذا الأمر، أولها هي المزارع، بدءًا من تلك الخاصة بالأسماك وصولًا إلى استزراع اللحوم، وتعتمد هذه الطريقة على بقاء الأصل الحيوانيّ كما هو، لكن بدلًا من تركه يعيش دورة حياته بشكل طبيعيّ تلقائي، تُوفّر له بيئة مناسبة غنيّة بالمغذيات اللازمة لتسريع هذه الدورة، مما يسرع من النمو ويزيد من عدد الأفراد، وهو بالضبط ما يحدث في مزارع الأسماك. يقع نفس الأمر فيما يتعلق باستزراع اللحوم ولكن الفرق هو أن الأصل ليس الحيوان ذاته وإنما خلايا من أنسجته المختلفة يتم وضعها في بيئةٍ تستحثها على سرعة النمو وإنتاج كميةٍ أكبر من اللحم، الوسيلة الثانية كانت في الحصول على المنتجات الحيوانية لكن من النباتات هذه المرة ويعتمد الأمر على استخدام مزيجٍ من أنسجة النباتات المختلفة التي تعطي في مجموعها نسيجًا يشبه تلك الحيوانيّة مع مذاقٍ مقارب، كالبرجر النباتي والمأكولات البحرية النباتية، وكالسلمون من الجزر وثعبان البحر من الباذنجان من إنتاج شركة(Ocean Hugger Foods).وقد حد هذا من المشاكل المذكورة عدا بالطبع تلك المتعلقة بالأرض والمياه، مع كون المنتجات ذات الأصل النباتي غير مطابقة للنكهة الأصلية ولا تحتوي على نفس القيمة الغذائية.

(©Ocean Hugger Foods)

إلى أن وصلنا إلى الطريقة التي إذا استبدلنا 20% من استهلاك اللحوم الحمراء بها سيقل استهلاك الغابات إلى أقل من النصف بحلول 2050، هذا بالإضافة إلى كونها تمتلك طعمًا هو نفسه الأصلي، وقيمتها الغذائية تتجاوز تلك في المنتجات النباتية وتقترب بشدة من الحيوانية، كما وأنها الأسرع في الإنتاج حيث لا تستغرق شهورًا ولا حتى أيامًا، بل بضع ساعاتٍ فقط!

تكمن كلمة السر في «البروتين الميكروبي» وهو البروتين الناشئ عن عملية التخمير بواسطة الكائنات الدقيقة، ويشمل الفطريات والخميرة والطحالب والبكتيريا، وفي الحقيقة هو قديم بقدر ما هو حديث؛ فحينما بدأت حياة الإنسان على هذه الأرض اصطحب معه تقنيات التخمير التقليدي وهو الذي تُستخدم فيه الكائنات الدقيقة كمحفزاتٍ لإنتاج مواد مشتقة من  المواد الأساسية كتحويل الدقيق إلى خبز أو الحليب إلى زبد وجبن، وتحسين النكهة والحفاظ على صلاحيّة الطعام لمدة طويلة بما يكفي وصولًا إلى تخمير الكحولات للحصول على السكر والخل، واستمرت شهرة هذه الكائنات على قدر الاستخدامات القديمة حتى عام 2019 عندما حدثت ثورةفي الاستثمار في هذا المجال نظرًا لرؤية العالم الجديدة الخاصة بالاستدامة، فأصبح هناك أسلوبان جديدان للاستفادة من هذه الكائنات؛ التخمير باستخدام الكتل الحيوية والتخمير الدقيق، يتم في الأول إضافة كتلة حيويةٍ ميكروبية كمكونٍ رئيسي إلى البروتين الحيواني الأصلي أو ما يحاكيه من النباتات بهدف تعزيز النمو السريع ومحتوى البروتين العالي، وهو ما نراه في منتجات شركتي

 (Quorn)و (Meati)، والتي يمكنك من خلالها تناول السجق وكرات اللحم وغيرها من منتجات اللحم الشهية التي لا تحتوي إلا على بروتينٍ نباتيٍ وميكروبي دون أي وجودٍ حيواني.

(©Quorn™)
(©Quorn™)

أما الأسلوب الثاني فيتضمن استخدام الكتل الحيوية الميكروبية بشكلٍ مستقل دون الحاجة إلى بروتينٍ نباتيٍ أو حيوانيٍ مرافق، وإنما تكون هي مصنع خلايا المنتج بوضعها في وسطٍ غذائيٍ مناسب وهذا الوسط الغذائي إما أن يكون صناعيًّا ويتم فيه التغيير في التركيب الجيني للميكروبات لإنتاج الخلايا المستهدفة، أو يكون طبيعيًّا كمنتجات شركة (Nature’s Fynd) الناشئة عن زراعة البروتين من ميكروبٍ في الينابيع الساخنة في «منتزه يولوستون الوطني» في أمريكا، هذا بالإضافة إلى إنتاج البيض لأول مرة في العالم دون دجاج، وإنزيم الببسين الهاضم بشكل ميكروبي دون استخراجه من أمعاء الخنزير للمرة الأولى من شركة (Clara Foods)

واللبن غير الحيواني من شركة (Perfect Day)، وكل هذا في السنوات القليلة الماضية فقط.

أما الأسلوب الثاني فيتضمن استخدام الكتل الحيوية الميكروبية بشكلٍ مستقل دون الحاجة إلى بروتينٍ نباتيٍ أو حيوانيٍ مرافق، وإنما تكون هي مصنع خلايا المنتج بوضعها في وسطٍ غذائيٍ مناسب وهذا الوسط الغذائي إما أن يكون صناعيًّا ويتم فيه التغيير في التركيب الجيني للميكروبات لإنتاج الخلايا المستهدفة، أو يكون طبيعيًّا كمنتجات شركة (Nature’s Fynd) الناشئة عن زراعة البروتين من ميكروبٍ في الينابيع الساخنة في «منتزه يولوستون الوطني» في أمريكا، هذا بالإضافة إلى إنتاج البيض لأول مرة في العالم دون دجاج، وإنزيم الببسين الهاضم بشكل ميكروبي دون استخراجه من أمعاء الخنزير للمرة الأولى من شركة (Clara Foods) واللبن غير الحيواني من شركة (Perfect Day)، وكل هذا في السنوات القليلة الماضية فقط.

   (Image credit: The Every Company)

من بين الكائنات الميكروبية تعد الخميرة هي المستحوذة على السوق نظرًا لكونها الأكثر قبولًا لدى المستهلك، وتحتوي على نسبة بروتينٍ تتجاوز 50%، كذلك فإن الفطريات شائعة الاستخدام لكن ليست كلها -بسبب مخاطر السموم الفطرية- ولعل أفضلها الفطريات الخيطية التي نظرًا لكونها غنيةً بالألياف فهذا يمنحها القدرة على توفير قوامٍ مشابهٍ للحوم الحمراء، أما بالنسبة للطحالب فإن أشهرها في السوق هي «السبيرولينا» والتي تستخدم كمكملاتٍ غذائية وتحتوي على نسبة بروتينٍ تتجاوز 70% هذا بالإضافة إلى أن بها ما يتجاوز الاحتياج اليومي للأحماض الأمينية كما أنها غنية بالفيتامينات والمعادن، وعلى الرغم من أن البكتيريا تتجاوز فيها نسبة البروتين 80% إلا أنّها ليست شائعةً كسابقاتها لكثرة محتواها من «الحمض النووي» خصوصًا (RNA) والذي يسبب زيادة نسبة حمض اليوريك في بلازما الدم مما يسبب حصوات الكلى والنقرس عند تناولها بشكلٍ منتظم وهو ما يستدعي المزيد من المعالجة والتكاليف. وليست نسبة البروتين والأحماض الأمينية والحمض النووي العوامل الوحيدة التي يعتمد عليها اختيار الكائن الميكروبي، حيث يُراعى كذلك وجود جدارٍ خلوي ميكروبي يحتاج إلى المعالجة حتى يستخلص الجهاز الهضمي البروتين بسهولة من المنتج هذا بالإضافة إلى قبول المستهلك لها ومعدل إنتاج الكائن وغيرها من العوامل المؤثرة.

لا يقتصر دور الميكروبات الإيجابي في البيئة على هذا، بل تنتج أيضًا بشكلٍ ثانوي الزيوت الميكروبية والتي تعد بديلًا مناسبًا للزيوت النباتية في قيمتها الغذائية، هذا بالإضافة إلى كونها تساهم في تنظيف الهواء إذا اُستخدمت على نطاقٍ واسع فبيئتها الغذائية اللازمة تتضمن الكربون الحيوي المتمثل في الميثان وغيره من الغازات الدفيئة، ما من شأنه أن يساهم في مقاومة مشكلة الاحتباس الحراري، رغم مصاحبة هذه الكائنات لنا لدرجة أنها جزء من جهازنا المناعي ورغم تسخيرها في صناعة الأدوية فيبدو أنه سيصل اعتمادنا عليها إلى الاستخدام اليومي في حياتنا القادمة.

المصادر: –

https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fmicb.2017.02009/full

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4993174/#!po=45.9184

https://www.researchgate.net/publication/288761631_Microbial_Protein_A_Valuable_Component_for_Future_Food_Security

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2018/05/30/Ocean-Hugger-Foods-unveils-mission-to-take-plant-based-seafood-to-the-mainstream

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2021/09/20/Don-t-have-a-cow-Perfect-Day-lifecycle-assessment-underscores-sustainability-benefits-of-animal-free-dairy-proteins

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2021/06/08/Geltor-targets-beauty-from-within-market-with-extremely-rare-Type-21-vegan-collagen-made-with-microbes-not-animals

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2021/10/05/Clara-Foods-rebrands-as-The-EVERY-Company-launches-nearly-invisible-animal-free-egg-protein-without-chickens

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2021/03/04/World-first-Clara-Foods-launches-animal-free-pepsin-We-want-to-accelerate-the-world-s-transition-to-animal-free-proteins

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2021/02/15/Nature-s-Fynd-unveils-first-products-featuring-novel-nutritional-fungi-protein

https://www.foodnavigator-usa.com/Article/2020/09/18/Microbes-the-third-pillar-in-the-alternative-protein-industry-The-rationale-is-simple-Fermentation-is-just-more-efficient

https://www.sciencefocus.com/science/what-is-lab-grown-meat-a-scientist-explains-the-taste-production-and-safety-of-artificial-foods/https://www.nationalgeographic.com/foodfeatures/aquaculture/

Exit mobile version