بقلم: إياد أحمد
للبشرية تاريخ حافل مع الفيروسات، ويتصارع علماء الفيروسات على إثبات منشأها وبدايتها، أهي كائنات حية وُجِدَت منذ فجر التاريخ، أم بقايا جينات متطورة على مر العصور؟ منذ فيروس التبغ الفسيفسائي الذي يصيب النبات وحتى فيروس كورونا اليوم، مرورًا بالطاعون والكوليرا وعائلة «فيروسات الجدري» (Orthopoxvirus) جميعها:
- الجدري (Smallpox)
- جدري البقر (Cowpox)
- جدري القردة (Monkeypox)
فيروسات الجدري من الفيروسات ذات الحمض النووي مزدوج الشريط (DNA)، وقد قلل ذلك التركيب من قدرتها على التحور ويسّر علينا -نحن العلماء والأطباء- أن نجد لقاحات للقضاء عليها على مر العصور، على عكس «فيروس كورونا المستجد» -مثلًا- ذو الحمض النووي أحادي الشريط (RNA)، القادر على التحوّر وإنتاج العديد من السلالات مثل: متحور«دلتا» ومتحور «أوميكرون». لهذا بذل العلماء كثيرًا من الجهد حتى توصلوا أخيرًا إلى لقاحات تعمل بقوة على الوقاية من فيروس كورونا المستجد وتقليل نسبة انتقاله بين الأفراد، وفتحت لنا أبواب الحياة مصراعيها مرة أخرى. فدعونا نتعرف على واحدٍ من فيروسات الجدري، ذاع صيته في الآونة الأخيرة.
يعتقد أغلب الناس أن «جدري القردة» حديث الاكتشاف، بينما عُثِر عليه لأول مرة عام ١٩٥٨ عندما تفشى مرض شبيه بالجدري في قردة مُستخدمة للأبحاث العلمية، لذا أُطلق عليه جدري القردة، وبعد مرور اثني عشر عامًا على اكتشافه، ولسوء الحظ، عُثِر على أول حالة بشرية مصابة في جمهورية الكونغو عام ١٩٧٠، ومنذ هذا الوقت تتابعت سلسلة الإصابات في الدول الأفريقية حتى عام ٢٠٠٣عندما استطاع الفيروس كسر الحدود الأفريقية لتُعلن أول إصابة في الولايات المتحدة الأمريكية.
سأجيب عن السؤال الذي يدور في رأسك الآن، كيف ينتقل فيروس جدري القردة؟ لأكون دقيقًا، يجب أن تعرف أن هذا الفيروس حيواني المنشأ، حيث عُثر على بعض الحيوانات المصابة، مثل بعض أنواع القردة والقوارض خاصة في أفريقيا، ولم يُحدَّد بعد المسبب الأول لانتقال الفيروس، لكن يُعتَقد أنها القوارض، بدلالة انتشار الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى بعد مخالطة الحيوانات للقوارض المستوردة من دولة غانا في أفريقيا، وبهذا نستنتج أن الفيروس حتمًا ينتقل من مخالطة حيوان مصاب. أما بين البشر فينتشر بشكل أساسي بملامسة القروح والحويصلات لشخص مصاب، أو استخدام الأدوات الشخصية الملوثة بالفيروس مثل الملابس وفرشاة الأسنان وأماكن النوم…إلخ، أو عبر الدم الناتج عن الآفات والقيح على الجلد، أو الرذاذ التنفسي للشخص المصاب الناشئ عن الكحة أو العطس، وإذا تم الاتصال بالشخص المصاب عن قرب لفترة تتخطى ٤ ساعات، كما أنه ينتقل من الأم إلى الجنين من خلال المشيمة أو من أحد الأبوين المصابين إلى الأطفال، وبالطبع يمكنه الانتقال من ممارسة العلاقة الجنسية إن كان أحدهما حاملًا للفيروس عن طريق التلامس بين الجلد والتقبيل، ويجتهد العلماء حتى الآن في معرفة إذا كان ينتقل بالسائلين المنوي والمهبلي.
ما يفرّق أعراض فيروس «جدري القردة» عن فيروس «الجدري»، أنها في أولهما أقل حدة وأسرع انتشارًا، كما تتسبب في تورم العقد الليمفاوية على عكس أعراض فيروس الجدري، وتتراوح فترة حضانة جدري القردة من ٥ إلى ٢١ يومًا بداية من التعرض له وحتى ظهور الأعراض، فيشعر المصاب بـ:
- الصداع
- آلام الظهر والعضلات
- الإنهاك
- الحمى
وليس من الضروري أن تظهر الأعراض جميعها. بعد انقضاء 1 إلى 5 أيام على ظهور الحمى، يبدأ طفح جلدي في الظهور، ثم يتحول إلى بقع، ثم إلى حويصلات ذات سائل شفاف، ثم بثور تحمل سائلًا يميل إلى الصفرة تنتشر على الوجه أولًا ثم باقي الأطراف أو جزء واحد من الجسم فقط، كما قد تتأثر القرنية والأغشية المخاطية للفم، وأحيانًا تنتشر البثور والتقرحات حول الأعضاء التناسلية والشرج.
حتى الآن لا يوجد لقاح مخصص للفيروس، لكن ثبت أن لقاحات الجدري فعَّالة بشكل كبير لعلاج جدري القردة، خاصةً في الأشخاص ذوي الأمراض المناعية والأطفال مثل:
- TPOXX
- ACAM2000
- لقاحات JYNNEOSE
وللمفاجأة تزول أعراض الفيروس تدريجيًا بنفسها، وتتحول البثور في النهاية إلى قشور تتساقط في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع ليكون الشفاء التام من الإصابة، إلا أن المصاب يظل مُعديًا ما دامت هناك أعراض أو قشور.
هناك العديد من الإجراءات تقيك من الإصابة بفيروس جدري القردة، منها: تجنُب ملامسة جلد المصاب، وطهي اللحوم جيدًا مخافة أن تكون لحيوان مصاب وتجنُب التعامل مع أو ملامسة الحيوانات المصابة أو إفرازاتها، وعزل المرضى حتى الشفاء نهائيًا، وغسل اليدين بالصابون أو تعقيمهما بالكحول بعد ملامسة الحيوانات أو البشر المصابين، ووقف العلاقة الحميمة مع المصاب، إلى جانب ارتداء الكمامة والقفازات عند التعامل مع شخص مصاب عن قرب.
إذا ظهر عليك عرضٌ- خاصةً الطفح الجلدي غير المبرر- توجه إلى أقرب وحدة صحية واستشر الطبيب، وتجنب ملامسة الآخرين، واحرص على تغطية البثرات والتقرحات وارتداء الكمامة والقفازات.
في النهاية أيها القارئ لا داعي للهلع، فالفصيل المنتشر للفيروس الآن هو النوع الغرب أفريقي وهو ليس من الفيروسات المميتة، حيث تتراوح نسبة الوفاة من ٣% إلى ٦% عالميًا، والأشخاص ذوي الأمراض المناعية وحديثي الولادة هم الأكثر عرضة للوفاة وللإصابة بالمضاعفات المميتة، وتذكر أنه مذ وُجدت الأرض، مرت البشرية وسائر الكائنات الحية بعديد الكوارث: إما نيازك أو براكين متفجرة أو زلازل وموجات مدمرة أو فيروسات، وستظل هكذا حتى نهاية الحياة، وسيظل الإنسان قادرًا على تسخيرها بالعلم والعمل.
المصادر:
https://www.who.int/news-room/questions-and-answers/item/coronavirus-disease-(covid-19)-vaccines
https://www.cdc.gov/poxvirus/monkeypox/treatment.html
https://www.cdc.gov/poxvirus/monkeypox/index.html
https://www.cdc.gov/poxvirus/monkeypox/symptoms.html
https://www.cdc.gov/poxvirus/monkeypox/transmission.html
https://www.cdc.gov/poxvirus/monkeypox/prevention.html
https://www.gov.uk/guidance/monkeypox
https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/monkeypox
https://www.cdph.ca.gov/Programs/CID/DCDC/Pages/Monkeypox.aspx
https://www.paho.org/en/topics/monkeypox
https://www.who.int/health-topics/monkeypox#tab=tab_1
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/monkeypox
https://www.who.int/news-room/questions-and-answers/item/monkeypox
https://www.sciencemuseumgroup.org.uk/blog/coronavirus-brief-history-of-viruses/
https://www.cdph.ca.gov/Programs/CID/DCDC/Pages/Monkeypox.aspx