بطيء الخطى | الدب الذي يعيش في الماء

بقلم:زياد محمد

في الحقيقة ما نتحدث عنه ليس دُبًّا على الإطلاق، وهل تعيش الدببة في الماء؟! حديثنا اليوم عن كائن لا نستطيع رؤيته بعيوننا المجردة، ولم يُعرَف له وجود قبل قرنين ونصف من الزمان، كائن احتار العلماء في تصنيفه ضمن طائفة الحشرات المهيبة، فقرروا وضعه مع الأوليات الحيوانية التي تُعرف بـ«بدائيات الفم» (Protostomia)، ضمن طائفة خاصة لا يزاحمه فيها كائن آخر أسموها «بطيئات الخطى» (Tardigrada). ورغم أن اسمه الحقيقي قد اتُّخِذ من اسم طائفته، نعني «بطيء الخطى» (Slow stepper)، إلا أنه عُرِف بعدة أسماء أخرى أُطلقت عليه لاحقًا، أشهرها: دب الماء، وخنزير الطحالب. في عام ١٧٧٣، وأثناء فحص عينة من الماء غير النقي تحت المجهر، اكتشف العالمان «جوهان أوغست» (Johann August) و«جيرمان باستور» (German Pastor) بالصدفة كائنًا مجهريًا بلغ أقصى طول لجسمه حوالي ١-١,٥ ملليمترًا، وكان جسمه مستطيلًا ومكتنزًا ومليئًا بالتجاعيد، رأياه يتحرك ببطء خلال عينة الماء عبر أربعة أزواج من الزوائد الشبيهة بالأقدام، والتي كانت تنتهي بعدد يتراوح بين ٤-٨ مخالب، اكتُشِف لاحقًا أن دب الماء يستعملها للسباحة في مياه المستنقعات والبِرك الضحلة والبحيرات، أو للتشبث بما حوله من العوالق والأسطح، أو للإمساك بفرائسه.

وعلى ذكر الافتراس، فالجدير بالذكر أن بعض فصائله مفترسة، وتشمل قائمة غذائها الكائنات الدقيقة كالبكتيريا، وكذلك دببة الماء الأصغر حجمًا، أي أنها لا تمانع افتراس بني جنسها. لكن مهلًا… ليست جميع الفصائل مفترسة؛ فالبعض الآخر يفضل الحميات الغذائية قليلة البروتين، والتي تشتمل على النباتات المائية الدقيقة وعصارة الطحالب.

ولكن ما الذي يميز دب الماء هذا ليدفعنا للحديث عنه باستفاضة هكذا؟

المميز في دب الماء أنه المخلوق الوحيد المعروف حتى الآن بقدرته الاستثنائية على النجاة في أقسى الظروف البيئية؛ يكفي أن نعلم أنه استطاع النجاة من الانقراضات الخمسة الكبرى التي حدثت على مدار ٥٠٠ مليون سنة منذ بداية الظهور المتوقَّع للكائنات الحية على سطح الأرض، إذًا فنحن بصدد الحديث عن كائن لديه قدرة غير مألوفة على التكيف والعيش في أكثر ظروف الحياة صعوبة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن فصائل عدة من دببة الماء قادرة على:

والآن إلى السؤال الأكثر إلحاحًا: ما السر وراء هذه القدرات العجيبة؟ وكيف يفعل دب الماء كل ذلك؟

هناك سببان منطقيان يفسران امتلاك دب الماء لهذه القدرات الاستثنائية على التكيف، وهما على النحو التالي:

وعند زوال الظرف البيئي الطارئ، مع تحسن الأوضاع وتوافر وسط رطب، يبدأ دب الماء في الخروج من طور الحويصلة ليعود إلى نشاطه الطبيعي ويمارس حياته الاعتيادية ثانيةً.

يتبقى لنا شيء أخير نريد معرفته عن هذا الكائن: كيف يتكاثر دب الماء؟

لا تختلف دببة الماء كثيرًا عن الكائنات الحية أحادية الجنس، إلا أن بإمكانها التكاثر بطريقتين لا واحدة، وهما:

ختامًا… وبعد الحديث بما يكفي عن حيوان بطيء الخطى -الشهير بـ«دب الماء»- وقدراته الخارقة على التكيف، قد يجول بخاطرنا تساؤلٌ، وهو: ما حجم الكائنات الحية التي ما زلنا لا نعرف عنها شيئًا حتى اللحظة؟ ومتى يحين اكتشافها يا تُرى؟

المصادر:

Exit mobile version