في المرة السابقة، حطَّت سفينة سفرنا للماضي في واحة ترايسيراتوبس، رأيناه هناك يرعى بين الأحراش والشجيرات، لكنَّا لم نرَ الوحش المتربص به والمتأهب للانقضاض عليه، لقد كان هذا الوحش الكائن الوحيد الذي استطاع من بين كل المفترسات التي عاشت على سطح الأرض أن يفرض هيبته وسطوته فيحكم بالحديد والنار.
ولأن “لكل امرئ من اسمه نصيب” كما يُقال، فإن موعدنا اليوم سيكون مع الطاغية المستبد وملك الديناصورات المرعب، إنه «تيرانوصورس ريكس» (Tyrannosaurus Rex)، المعروف اختصارًا واشتهارًا بـ«تي ريكس» (T. Rex)، لذا كونوا على أهبة الاستعداد للانطلاق في رحلتنا المثيرة…
● اكتشاف تيرانوصورس ريكس
اكتُشِفت أول حفرية لديناصور تي ريكس عام 1902 على يد عالم الحفريات الأمريكي «بارنوم براون» (Barnum Brown) في ولاية مونتانا الأمريكية. وبعد مرور ثلاث سنوات من الدراسات المعمقَّة للحفرية، أطلق عالم الجيولوجيا ورئيس المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي «هنري أوزبورن» (Henry Osborn) على تيرانوصورس ريكس اسمه المميز.
طبقًا لأحدث الإحصاءات، يبلغ عدد حفريات تي ريكس المكتشفَة في جميع أنحاء العالم 100 حفرية، ولا يوجَد من عدد الحفريات هذا إلا ثلثه تقريبًا معروضًا في المؤسسات والمتاحف العامة، وقد عُثِر على معظمها في الجزء الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية (خاصةً ولايات: مونتانا، تكساس، وايومنغ، ويوتا)، بجانب بعض الحفريات التي وُجِدت في بلدان أخرى.
● فصيلة تيرانوصورس ريكس
ينتمي هذا الديناصور إلى فصيلة تُسمَّى «اللواحم العملاقة الكاسرة» (Large Theropodic Tyrannoraptors)، وتضم هذه الفصيلة أنواعًا مختلفة من الديناصورات المفترسة؛ فهناك غريبة الشكل مثل «سباينوصورس» (Spinosaurus) ذي النتوء الظهري الذي يشبه الشراع، وهناك الضخمة مثل «جيجانتوصورس» (Gigantosaurus) الذي لا يزال تخيل حجمه يثير الرعب في النفوس.
كانت ديناصورات تلك الفصيلة تتنافس فيما بينها على لقب الأكثر شراسة وفتكًا، حتى تربَّع تي ريكس أشهر أفرادها على ذلك العرش مع نهايات «العصر الطباشيري» (Cretaceous Era). ومن هنا جاءت التسمية؛ فالكلمة اللاتينية (Rex) تعني «الملك»، وهذا ما يعطينا لمحة عن أصل لقبه “ملك الديناصورات”.
● حياة تيرانوصورس ريكس
عاش في العصر الطباشيري المتأخر قبل 66-68 مليون سنة، وعاصر الانقراض الجماعي الذي قضى على جميع الديناصورات قبل حوالي 65 مليون سنة. أما عن الأماكن التي كان يعيش فيها، فقد كان من الصعب تحديدها لأن تي ريكس كان دائم التجوال أثناء سعيه الحثيث بحثًا عن الفرائس.
لكن بالنظر إلى الأماكن التي وُجِدت فيها بقاياه الحفرية المتحجرة (بالكاد يصل عددها إلى حوالي 32 حفرية)، يسعنا القول بأن تي ريكس قد عاش في منغوليا وكندا والساحل الغربي من الولايات المتحدة. ولا نعني بذلك أنه استوطن تلك الأماكن وحسب؛ بل إن هنالك بضع حفريات له قد عُثِر عليها في الساحل الشمالي لأفريقيا.
● صفات تيرانوصورس ريكس
كان لاحمًا بالطبع، لكن ما جعله مميَّزًا أنه كان شرِهًا حد الغرابة؛ فقد كان يأكل أي شيء قابل للأكل يصادفه في طريقه، فيطارد الديناصورات العاشبة (وعلى رأسها ترايسيراتوبس) مثل أي مفترس، ويهاجم الديناصورات اللاحمة الأخرى ومنها بني جنسه، ولا يمانع منازعة «الحيوانات القَمَّامة» (Scavengers) في أكل جيف الحيوانات الميتة، ولعل هذا هو سر نهمه اللا متناهي وطبيعته الافتراسية الجامحة.
وصل طول تي ريكس من الرأس إلى الذيل 12 مترًا، وكان وزنه حوالي 7 أطنان، أما ارتفاعه عن الأرض فكان يتراوح بين 4-5 أمتار. وقد كان يمتلك فكًّا مجوَّفًا يبلغ طوله 1.5 متر، ويبلغ فيه عدد الأسنان 60 سنًا اختلف شكلها تبعًا لوظيفتها؛ فمنها الطاحنة التي تمكنت من تحطيم العظام، والممزِّقة الموجَّهة للخلف، والأسنان المنشارية التي كانت تساعد على التشبث بالفريسة.
وبسبب ضخامة الفك، قُدِّرت عضة تي ريكس بـ12 ألف باوند (6 أطنان) تقريبًا، وهي أقوى عضة لمخلوق عاش على وجه الأرض بعد الميجالودون (قرش عملاق منقرض)، معنى ذلك أنه كان قادرًا على سحق العظام! وهذه ليست مبالغة بل هي عين الحقيقة؛ فقد وُجِدت آثار عض وعظام مكسورة في عدة حفريات لديناصورات ترايسيراتوبس، كما عُثِر على مجموعة من العظام المهضومة جزئيًا في بعض العينات المتحجرة من فضلات تي ريكس، أي إن معدته كانت قادرة على هضم العظم!
لكن وبالرغم من ضخامة حجم جمجمته، كان تجويف الدماغ متوسط الحجم، كما كان معظم حجم المخ مخصصًا لعملية الشم؛ وهذا ما يفسر كيف كان تي ريكس يجد الفرائس بسهولة. كان الطرفان الأماميان قصيرين جدًا وينتهيان بإصبعين فقط لا ثلاثة (على عكس بقية التيرانوصورات)، ويُعتقَد أنه كان يستعين بهما في الإمساك بالفرائس، أو لكي ينهض من على الأرض بعد وقوعه أثناء معركة ما، أو أثناء التزاوج.
من المثير أيضًا أن تي ريكس كان يمتلك مناعة استثنائية، اكتُشِف ذلك من خلال دراسة بعض الجروح القاتلة التي تعرض لها خلال معاركه الضارية، والتي كانت تصل به إلى قطع ذيله بالكامل أو أحد أطرافه، مع وجود علامات تشير لحدوث التئام للجروح، هذا يعني أن جهازه المناعي والدوري استطاع إيقاف نزف جروح هائلة وغائرة، بالإضافة إلى القدرة على التعامل مع العدوى البكتيرية التي تقتل الإنسان بسهولة عادةً إن لم يُعقَّم الجرح جيدًا.
كان تي ريكس سريعًا جدًا بالنسبة لحجمه، وقد وصلت سرعته التقديرية لـ18 مترًا في الثانية، وذلك بفضل كتلته العضلية الكبيرة التي ساعدته على الجري لمسافات طويلة وتحمل القتال العنيف، عضَّدها في ذلك ذيل ضخم طويل ساعده على التوازن. وعلى عكس ما أظهرته “هوليوود” في أفلامها ضمن سلسلة (Jurassic Park) الشهيرة، تمكَّن تي ريكس من رؤية الأجسام الثابتة بوضوح؛ فقد كان يراقب الفرائس أثناء الرعي ويكمن لها وسط الأشجار، ثم يقترب ببطء وحذر حتى تحين اللحظة المناسبة التي يطلق فيها هجومه الكاسح، تمامًا مثلما تفعل المفترسات اليوم.
● حفريات تيرانوصورس ريكس
في عام 1990، عُثِر على الهيكل العظمي الأكثر اكتمالًا لديناصور تي ريكس في داكوتا الجنوبية، حيث تم اكتشاف واستخراج أكثر من 90% من عظامه المتحجرة بجودة عالية، وقد بلغ طوله 12.8 مترًا وارتفاعه 3.7 مترًا وقُدِّر عمره بـ67 مليون سنة. أُطلِق على الحفرية اسم «سو» (Sue) نسبةً لمكتشِفتها «سوزان هندريكسون» (Susan Hendrickson)، وهي الآن من أكثر العينات المعروضة شعبية في المتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في مدينة شيكاغو. لذا إن ذهبت إلى هناك، أنصحك ألا تفوِّت فرصة زيارة المتحف ورؤيتها.
المصادر:
https://www.nhm.ac.uk/discover/dino-directory/tyrannosaurus.html
https://www.newdinosaurs.com/tyrannosaurus/
https://www.history.com/news/there-was-a-dangerous-purpose-behind-t-rexs-tiny-arms
https://www.bbc.com/future/article/20221025-why-did-t-rex-have-such-puny-arms
https://jurassicpark.fandom.com/wiki/Tyrannosaurus_rex?so=search
https://www.livescience.com/45400-dinosaur-healed-battle-wounds-fast.html
https://www.nationalgeographic.com/science/article/billions-of-t-rex-likely-roamed-the-earth
https://www.businessinsider.com/over-a-billion-t-rexes-lived-on-earth-where-are-the-bones-2023-5
https://www.mydinosaurs.com/blog/top-7-famous-t-rex-specimen/