سلسلة الديناصورات | ترايسيراتوبس

بقلم: زياد محمد

الديناصورات… تلك الوحوش العتيقة التي حكمت الأرض لعشرات بل ومئات الملايين من السنين، منها العملاقة التي لم تشهد الأرض مثل ضخامتها، والنهِمة التي لم يضاهِها مخلوق في شراستها، والمفترسة التي لم يُرَ كائن يفوق سطوتها.

ولمَّا كان الحديث عن الماضي المجهول ممتعًا لِما فيه من غرائب نعرفها وأسرار نكشفها، فقد عُقِد العزم على الحديث عن الديناصورات -بشيء من التفصيل- في سلسلة قصيرة تتناول بضع حقائق عن تلك الوحوش. لذا، اربطوا الأحزمة واستعدوا من فضلكم، فرحلتنا إلى فجر التاريخ على وشك الانطلاق!

ولكي نستهل رحلتنا باطمئنان وتؤدة، فسوف نحل ضيوفًا على أحد الديناصورات الشهيرة والمحببة إلينا، إنه «ترايسيراتوبس» (Triceratops)، الديناصور ذو الوجه ثلاثي القرون.

اكتشاف ديناصور ترايسيراتوبس

في عام ١٨٨٧، عُثِر على أول حفرية لديناصور ترايسيراتوبس بالقرب من مدينة دنفر بولاية كولورادو الأمريكية. الطريف في الأمر أن الذين عثروا على الحفرية اعتقدوا في البداية أنها تعود لنوع ما ضخم وغير مألوف من الثيران الأمريكية المنقرضة (البيسون)، والتي كانت ترعى في هذه المنطقة قبل عشرات القرون.

لكن ومع مزيد من الفحص والتدقيق، تبين أن الحفرية تعود إلى نوع غريب من الديناصورات. وقد توالى اكتشاف عينات أخرى جديدة لهذا الديناصور في أنحاء متفرقة من القارة الأمريكية الشمالية، مما أتاح الفرصة لدراستها ووصفها على يد عالم الحفريات الأمريكي «أوثنيل مارش» (Othniel Marsh)، ويجدر القول بأنه هو من أطلق على ديناصور ترايسيراتوبس اسمه الحالي.

فصيلة ديناصور ترايسيراتوبس

كان ترايسيراتوبس ينتمي إلى فصيلة من الديناصورات الرباعية الأقدام، والتي عُرِفَت بـ«قرنيات الوجوه» (Ceratopsidae). ومن هنا، يمكننا استنتاج أصل التسمية؛ فالاسم «ترايسيراتوبس» لاتيني الأصل، وهو مكوَّن من ثلاثة مقاطع تُترجَم كالتالي: (tri=three, cera=horn, tops=face).

تمايزت فصيلة «قرنيات الوجوه» إلى أكثر من سبعة أنواع، ويُعَد ديناصور ترايسيراتوبس أشهرها وأكثرها انتشارًا من حيث عدد الحفريات المكتشَفة، هذا إلى جانب أبناء عمومته، مثل: «دايسيراتوبس» (Diceratops) ثنائي القرون، و«بنتاسيراتوبس» (Pentaceratops) خماسي القرون.

صفات ديناصور ترايسيراتوبس

كان ترايسيراتوبس ديناصورًا نباتيًا يعتمد في حميته الغذائية على الأعشاب، وكان متوسط طوله بدايةً من خطمه وقرنه الذي يعلو الأنف حتى ذيله ١٠ أمتار تقريبًا يذهب ثلثها لصالح جمجمته الضخمة، ووصل ارتفاعه إلى ما يقارب ٣ أمتار. أما عن وزنه التقديري، فقد كان يتراوح بين ٧ – ١٠ أطنان، وقد يصل في بعض الأحيان إلى ١٣ طنًا، مما يجعل حجمه مضاهيًا لحجم فيل إفريقي بالغ.

اكتسب ترايسيراتوبس شهرته من فمه المنتهي بنتوء ليفي مدبب يشبه منقار الببغاء، وبالصفائح العظمية السميكة التي كانت تمتد من قاعدة جمجمته ومؤخر رأسه لتشكل عُرفًا يشبه الدرع حول عنقه. ومن ذلك العُرف، يبرز قرنان عظميان طويلان فوق منطقة العينين. أما القرن الثالث فقد كان قصيرًا، وعلى الرغم من تكوُّنه من قاعدة عظمية فوق أنفه، كان الجزء الخارجي البارز مكوَّنًا من ألياف بروتينية من الكيراتين.

حياة ديناصور ترايسيراتوبس

ظهر ترايسيراتوبس خلال حقبة العصر الطباشيري المتأخر (The Late Cretaceous Era) -وهو العصر الذي وقع في نهايته الانقراض الجماعي للديناصورات- منذ حوالي ٦٨-٦٦ مليون سنة، وعاش في منطقة الغابات كثيفة العشب التي كانت تغطي مساحات واسعة من القارة الأمريكية الشمالية.

ورغم كونه من أكثر الديناصورات انتشارًا خلال تلك الحقبة، كان ديناصور ترايسيراتوبس البالغ يعيش معظم حياته بمعزل عن بني جنسه، على عكس بقية الديناصورات العاشبة التي كانت تفضل العيش في قطعان تؤمن لها الحماية من هجوم المفترسات.

ولعل عزلته هذه هي السبب الرئيس في كثرة استهداف الديناصورات المفترسة له، والتي تربع على عرشها آنذاك عدوه اللدود وملك الديناصورات «تي ريكس» (T. Rex)، على أنه لم يكن من السهل وقوع ديناصور ترايسيراتوبس فريسة لها؛ فقد كان يستخدم قرونه الثلاثة في صد ورد أي هجوم للمفترسات.

استخدم ترايسيراتوبس قرونه كذلك في الصراع مع الأجناس والأفراد الأخرى من أجل فرض الهيمنة على مناطق النفوذ وأماكن العشب والماء، كما كان يستعملها لكسر أشجار النخيل حتى يتمكن من الوصول إلى أوراقها الليفية، والتي كانت تشكل له وجبة لا بأس بها عند ندرة الغذاء وشح موارده من السرخسيات القصيرة والشجيرات منخفضة النمو.

وإلى جانب قرونه الثلاثة، تميز ترايسيراتوبس بجلده السميك الذي لم يكن اختراقه سهلًا، بالإضافة إلى وجود العُرف العظمي الذي كان يحيط بمعظم منطقة العنق ذات الجلد الأقل سُمكًا، وهي المنطقة التي كان -ولا يزال- ينصب عليها تركيز المفترسات عند مهاجمة فرائسها، فيقوم بدور الدرع الذي يوفر لتلك المنطقة الحماية الكاملة تقريبًا.

ولم يتوقف دور العُرف على حماية منطقة العنق، فقد كانت كل فصيلة من الديناصورات قرنية الوجوه تملك عُرفًا له نمط خاص يختلف باختلاف عدد قرونها، مما سهَّل من عملية التعرف عليها فيما بينها وتمييزها عن الفصائل الأخرى، كما أن حجم العُرف ولونه ساهما بفاعلية في عملية اجتذاب الجنس الآخر بهدف التزاوج.

حفريات ديناصور ترايسيراتوبس

توجد حفريات ترايسيراتوبس في العديد من المتاحف في العالم، وتنفرد بكونها من أكثر حفريات الديناصورات شيوعًا واكتمالًا، ولعل أبرزها حفرية «هوريدس» (Horridus) المكتشَفة في ولاية مونتانا الأمريكية عام ٢٠١٤، والتي اتخذت اسمها من اسم أحد الأنواع المعروفة بـ(Triceratops Horridus)، حيث تصل نسبة اكتمال هيكلها لأكثر من ٨٧ بالمائة، مع جمجمة مكتملة تقريبًا تزن أكثر من ربع طن، وهي الآن معروضة في متحف مدينة ملبورن بأستراليا. 

المصادر:

https://www.nhm.ac.uk/discover/dino-directory/triceratops.html

https://www.newdinosaurs.com/triceratops

https://jurassicpark.fandom.com/wiki/Triceratops

https://www.theguardian.com/culture/2020/dec/02/melbourne-museum-acquires-worlds-most-complete-triceratops-skeleton-in-immense-dinosaur-deal

اظهر المزيد

زياد محمد

طبيب متدرب، ومراجع لغوي، وكاتب مبتدئ. تخرجت في كلية الطب عام 2022، وقد دخلت عالم اللغة ومجال المراجعة والتدقيق منذ مدة تربو على 3 سنوات. أحب القراءة عمومًا والتاريخ خصوصًا، وأهوى الكتابة في العلوم والآداب والإنسانيات، في محاولة متواضعة لإثراء المحتوى الثقافي العربي، وعلى أمل ترك أثر ينفع الناس ويطول، قبل أن نزوى، وبعد أن نزول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى