نسعى دائمًا إلى فهم الكائنات الحيّة، نلاحظ التنوع البيولوجي في النظام البيئي، نصنف الكائنات الحيّة ونفهم الخصائص المشتركة فيما بينها، نرى أدق الكائنات الحية تحت الميكروسكوب، نتعرف على الخلايا الحيّة المختلفة ونحاول فهم أدق العمليات الحيوية التي تحدث بداخلها، ولكن يأتي السؤال الذي يخطر على أذهاننا من وقت لآخر: «ما هو تعريف الحياة من الأساس؟».
يستخدم العلماء عادةً ما يُسمَّى «التعريف الإجرائي» (Operational Definition) لوضع تعريفٍ لظاهرة معينة. يستلزم هذا النهج فهمًا عميقًا لخصائص الكلمة المُراد تعريفها، على سبيل المثال كلمة «حمض» (Acid)؛ يتم تعريف الحمض على أنَّه السائل الذي يحول ورقة عبَّاد الشمس إلى اللون الأحمر، فهذا التعريف تطلَّب معرفة مسبقة بالخصائص الكيميائية للأحماض؛ لذلك لا يستطيع هذا النهج توفير إجابات جيدة لسؤال مثل: «ماهي الحياة؟»، إذ نحتاج إلى فهمٍ جيدٍ للخصائص الجوهرية للحياة ومن ثم وضع تعريف لها.
نجد أيضًا «التعريف الدائري» (Circular Definition) وهو تعريف الكلمة بكلماتٍ أخرى مرتبطة بها، مثل تعريف كلمة «شجرة» على أنها نبات ينتمي إلى مجموعة الشُجيرات، فعدم معرفتك للشجيرات يُعيق معرفتك للشجرة، لذلك لا توفر التعاريف الدائرية معلومات ذات قيمة حقيقية حول ماهية الكلمة؛ حيث يعتمد التعريف على الكلمة نفسها مما يجعل هذا النهج غير قادر على تقديم تعريف علمي سليم يصف ظاهرة طبيعية مثل الحياة.
ساعد التقدم الكبير في بحوث علم الأحياء على فهم أفضل للظواهر الحيوية، مثل التنوع البيولوجي، والجزئيات الحيوية، والأنظمة البيئية المعقدة. وعلى الرغم من توافر كل هذه المعلومات، يفتقر علم الأحياء إلى أساس نظري صلب نستطيع من خلاله الإجابة على أسئلة مثل: «ما تعريف الحياة؟» أو «هل الفيروسات كائنات حية؟»
تكمن الإشكالية في أنه لا يمكننا وضع «قوانين عامة» (Universal Laws) تحكم عالم الكائنات الحية كقوانين الجاذبية في الفيزياء. لا نستطيع حتى تعميم نتائج الأبحاث، فالدواء الذي أظهر نتائج جيدة على مستوى الخلية في «طبق بتري» (Petri Dish) ليس بالضرورة أن يعطي نفس النتائج داخل الكائن الحي، الجين الذي اكتشفنا أنه سببٌ في مرض معين في الفئران ليس بالضرورة أن يكون سببًا لنفس المرض في الإنسان. تعتمد البيانات التي يتم الحصول عليها من التجارب في علم الأحياء على السياق (Context-dependent Data Type)، حيث تتغير مع تغير خصائص البيئة المحيطة، فتغيير أي عامل من عوامل البيئة المحيطة للتجربة يؤدي بشكل حتمي إلى تغيير في النتائج؛ لذلك لا يمكننا التعميم. إذا أظهرت الملاحظات التي تم الحصول عليها دعمًا متكررًا للفرضية المراد فهمها مع اختلاف ظروف البيئة المحيطة، هنا نستطيع منح هذه الفرضية نوعًا من التعميم على مستويات عِدة.
بدون شك، يحمل تعريف الحياة أوجهًا فلسفية أكثر من كونها موضوعًا علميًا بحتًا يمكن قياسه واختباره، ويحتمل الموضوع سعة من النقاش إذ يرى بعض العلماء والفلاسفة أنَّه لا يمكن صياغة مفهوم محدد للحياة.
يعرض أستاذ الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزئية «جيمي غوميز ماركيز» (Jaime Gómez Márquez) في «جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا» (University of Santiago de Compostela) في ورقة بحثية نُشِرت في دورية «تقارير البيولوجيا الجزيئية» (Molecular Biology Reports) رأيه في صياغة تعريف للحياة.
يقول «ماركيز» إنَّ الاستراتيجية التي اتبعها في تعريف الحياة قائمة على الصفات والخصائص المشتركة ما بين كل الكائنات الحية والتي تفتقدها الكائنات غير الحية. ويرى «ماركيز» أن الكائنات الحية تشترك في خمس صفات يمكن تلخيصها فيما يأتي:
تعتمد الكائنات الحية على كيمياء الكربون والتفاعلات الجزيئية الذي تحدث طِبقًا لقوانين الكيمياء.
- الكائنات الحية «هياكل منظمة»
الكائنات الحية مصممة بشكل بالغ التعقيد والنظام، حيث تمتلك مستوى منخفض من «العشوائية» (Entropy) على مستوى التنظيم الحيوي.
- الكائنات الحية «مبرمجة مسبقًا»
كل كيان حي يحتوي على «برنامج» (Software) يتمثل في المادة الوراثية التي تحتوي على التعليمات الضرورية لـ «شكل الكائن الحي» (Morphology) وأيضًا «وظائفه» (Physiology).
- الكائنات الحية «تتفاعل وتتأقلم»
عند ملاحظة الأنظمة البيئية، نرى عددًا لا يحصى من التفاعلات ما بين الكائنات الحية مع بعضها البعض ومع النظام الذي تعيش فيه، الأمر الذي يلعب دورًا هامًا في البقاء على قيد الحياة. نستطيع رؤية هذا التفاعل على المستوى الجزيئي مثل الإشارات الخلوية والمسارات الأيضية، وعلى مستوى الكائن الحي فنرى علاقات مثل التطفل والتكافل والافتراس … إلخ، ونرى هذا التفاعل ما بين الكائن الحي والبيئة مثل عملية البناء الضوئي والسباحة والطيران.
تتأقلم الكائنات الحية أيضًا مع البيئة المحيطة حيث تقوم بتعديل الوظائف الفسيولوجية، وأيضًا تنظيم عملية الأيض وما يضمن للكائن البقاء على قيد الحياة.
- الكائنات الحية «تتكاثر وتتطور»
تتسم الكائنات الحية بالتكاثر للحفاظ على النوع من الانقراض. يمكن أيضًا رؤية ظاهرة التكاثر على عدة مستويات، فمثلًا: على المستوى الجزيئي نرى «تضاعف الحمض النووي DNA» (DNA Replication)، وعلى المستوى الخلوي نرى «الانقسام الميوزي والميتوزي» (Meiosis and Mitosis)، وعلى مستوى الكائن نرى «التكاثر الجنسي واللاجنسي» (Sexual and Asexual Reproduction). تتطور الكائنات الحية عن طريق نقل جينات أفضل إلى الجيل الجديد، قادرة على التأقلم مع ظروف البيئة الجديدة.
الآن نستطيع تعريف الحياة بأنها «العملية» (Process) التي تحدث داخل أنظمة عضوية غاية في التعقيد، حيث تمتاز هذه العملية بكونها مبرمجة مسبقًا وتفاعلية ومتأقلمة ومتطورة.
المصادر
Gómez-Márquez, J. What is life?. Mol Biol Rep 48, 6223–6230 (2021). https://doi.org/10.1007/s11033-021-06594-5
Dhar, P.K., Giuliani, A. Laws of biology: why so few?. Syst Synth Biol 4, 7–13 (2010). https://doi.org/10.1007/s11693-009-9049-0
Kampourakis, K. (2013). What is li”e? In The Philosophy of Biology: A companion for educators. Essay, Springer.