التصلب اللويحي -أو ما يُعرَف بـ«التصلب العصبي المتعدد» (Multiple Sclerosis, MS)- هو أحد أمراض المناعة الذاتية المزمنة التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، مما يسبب مجموعة من الأعراض التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المريض.
تختلف أعراض هذا المرض من شخص لآخر؛ حيث يتسبب التصلب اللويحي في إحداث حالة التهابية داخل الجسم، إلى جانب إزالته لـ «المَيالين» (Myelin) (وهو الغشاء الواقي للأعصاب) مؤديًا لتلف المحاور العصبية، ومن ثَمَّ التأثير الكلي والمعقد في الجهاز العصبي المركزي. ونتيجة لكل هذه التغيرات المرضية في الجهاز العصبي، يسبب التصلب اللويحي أعراضًا جسدية وعاطفية وفكرية يمكن أن تؤثر في أنشطة المريض وحياته اليومية.
تُعَد الحاجة إلى علاجات متقدمة أمرًا بالغ الأهمية لتحسين النتائج الصحية للمرضى الذين يعانون من مرض التصلب اللويحي، كما يبث تطور أساليب علاج مرض التصلب اللويحي أملًا جديدًا في نفوس المرضى وأٌسَرهم، حيث تتوفر اليوم علاجات أكثر فعالية وأقوى تأثيرًا يمكنها إبطاء تطور المرض وتحسين أعراضه.
تطور علاجات التصلب اللويحي
ركزت الأساليب التقليدية لعلاج مرض التصلب اللويحي على تخفيف الأعراض فحسب. لكن الأبحاث الأخيرة تشير إلى عدد من طرق العلاج المطوَّرة التي تبطئ من تطور المرض، من بينها:
1. «العلاجات المُعدِّلة للمرض» (Disease-Modifying Therapies, DMTs)
تُعَد العلاجات المُعدِّلة للمرض حجر الزاوية في علاج مرض التصلب اللويحي هذه الأيام، وقد أدت الإنجازات الحديثة نتيجة التقدم التقني في مجال الصناعات الدوائية إلى تطوير هذه العلاجات لتؤخذ عن طريق الفم لِما لها من فاعلية أكبر من العلاجات التقليدية القابلة للحقن الذاتي. من بين هذه الأدوية: «تيريفلونوميد» (Teriflunomide) و«ثنائي ميثيل الفومارات» (Dimethyl Fumarate) اللذان يعملان على تقليل الالتهاب في الجسم وحماية الخلايا العصبية وزيادة نموها.
2. «الأجسام المضادة أحادية النسيلة» (Monoclonal Antibodies, mAbs)
الأجسام المضادة أحادية النسيلة نوع من العلاج البيولوجي الذي يستهدف خلايا أو جزيئات مناعية معينة تتسبب في مرض التصلب اللويحي. هذه الأجسام فعالة للغاية في الحد من نشاط المرض، وقد تمت الموافقة عليها لعلاج مرض «التصلب اللويحي متعدد الانتكاس والخمود» (Relapsing-Remitting MS).
تتضمن أمثلة الأجسام المضادة أحادية النسيلة المستخدَمة في علاج مرض التصلب اللويحي: «ناتاليزوماب» (Natalizumab) و«أليمتوزوماب» (Alemtuzumab) و«أوكرليزوماب» (Ocrelizumab). وقد أظهرت هذه العلاجات فعالية كبيرة في التجارب السريرية، ولكنها تحمل أيضًا مخاطر محتملة تجاه صحة وسلامة المرضى، مثل زيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية والأورام الخبيثة.
كما يُعَد «مثبِّط بروتون التيروزين كيناز» (Bruton’s Tyrosine Kinase Inhibitor, BTK Inhibitor) علاجًا ناشئًا تجري دراسته للاستفادة من قدرته على علاج مرض التصلب اللويحي الانتكاسي ومرض «التصلب اللويحي التقدمي الثانوي» (Secondary-Progressive MS)، ويعمل في الغالب عن طريق تعديل «الخلايا البائية» (B Cells) و«الخلايا الغرائية الصغيرة» (Microglial Cells)، وهي خلايا مناعية في الجهاز العصبي المركزي.
3. علاجات «مرض التصلب اللويحي التقدمي» (Progressive MS)
لقد كان علاج مرض التصلب اللويحي التقدمي صعبًا على مر التاريخ الطبي، لكن الإنجازات الحديثة في الصناعات الدوائية أدت إلى تطوير علاجات جديدة تستهدف جوانب محددة من هذا المرض. وقد أظهر «كلادريبين» (Cladribine) و«ريتوكسيماب» (Rituximab) و«ناتاليزوماب» (Natalizumab) نتائج واعدة في التجارب السريرية، إلى جانب «مثبِّط بروتون التيروزين كيناز» المذكور آنفًا.
4. «تعزيز المَيالين» (Remyelination)
ركَّزت التطورات الحديثة في علاج التصلب اللويحي على استكشاف علاجات لإعادة المَيالين وتعزيز وقاية الأعصاب من التلف الناشئ عن التأثير الالتهابي التنكسي للمرض. ومع التقدم الطبي في علوم الأعصاب، استطاع الباحثون تحديد المسار الذي يعكس طبيعة المرض، وتمكنوا من معرفة كيفية تحسين نتائج المرضى بناء على هذا الفهم.
5. «زراعة الخلايا الجذعية» (Stem Cell Transplantation)
تعتمد فكرة زراعة الخلايا الجذعية على تحييد قدرة ونشاط الجهاز المناعي للشخص المصاب بمرض التصلب اللويحي، وذلك من خلال زراعة خلايا جذعية سليمة في نخاع عظام الشخص المصاب بدلًا من خلاياه المتسببة في إحداث المرض. لا يزال الباحثون يحققون فيما إذا كان من الممكن لهذا العلاج أن يقلل من التأثير الالتهابي التنكسي لدى الأشخاص المصابين بمرض التصلب اللويحي، ويساعد على “إعادة ضبط” جهاز المناعة، ولكن هناك بعض الآثار الجانبية المحتملة لهذا العلاج، وتشمل الحمى والالتهابات.
علاجات مختلفة… والهدف واحد
يتعلم الباحثون الآن المزيد عن كيفية عمل العلاجات المُعدِّلة للمرض لتقليل التدهور والانتكاسات والأعراض المرتبطة بمرض التصلب اللويحي الذي يستهدف الجهاز العصبي المركزي. وستحدد الدراسات الإضافية ما إذا كان هذا العلاج قادرًا على أن يؤخر الإعاقة الناجمة عن المرض. وهناك العديد من التجارب السريرية الجارية حاليًا -في مرحلتها الثالثة- لتقييم العلاجات الجديدة لمرض التصلب اللويحي الانتكاسي والتقدمي، بما في ذلك: «فينيبروتينيب» (Fenebrutinib) و«توليبروتينيب» (Tolebrutinib) و«إيفوبروتينيب» (Evobrutinib).
من الجدير بالذكر أن بعض علاجات التصلب اللويحي مخصصة عندما يظهر المرض ويختفي، بينما البعض الآخر مخصص حال تفاقم المرض بمرور الوقت. هناك أيضًا علاجات جديدة قيد الدراسة يمكن أن تساعد في إصلاح الضرر الذي يسببه مرض التصلب اللويحي في الجهاز العصبي المركزي، ومن ثَمَّ حماية الأعصاب. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث للتأكد من أن هذه العلاجات آمنة وتعمل بشكل جيد.
المصادر: