الاكتئاب والخرف: هل يسبب كل منهما الآخر بمرور العمر؟

يُوصَف على أنه “تقلبات مزاجية خطيرة تؤثر بشدة على شعور الإنسان، وتفكيره، وأنشطته اليومية، مثل: الطعام، والنوم، والعمل”.

أصبح الاكتئاب من أخطر الأمراض النفسية التي يمكن أن تواجه الإنسان. في السابق، اقترن الاكتئاب بالبيئات الاجتماعية السامة التي تتصف بالمنافسة الشديدة وعدم المساواة والعزلة المستمرة. لكن ولسوء الحظ، لم تعد هذه الصفات قصرًا على تلك المجتمعات المريضة فقط، بل أصبحت من سمات عصرنا الحالي المتسارع نحو المجهول.

وفقًا لتقرير نُشِر في مدونة علم النفس الشهيرة «علم النفس اليوم» (Psychology Today)، فإن التفكير السلبي المستمر والشعور الدائم بالفراغ وفقدان الأمل من أهم العلامات التي تدل على الإصابة بالاكتئاب. اللافت للنظر أن التقرير نوَّه على أن هذا النمط الفكري يسبب تشوهات في القدرات الإدراكية للفرد.

وفي هذا الصدد، نُشِر بحث في إحدى الدوريات التابعة لـ«الجمعية الأمريكية للطب» (American Medical Association) -وتُدعَى (JAMA network open)- يحاول فهم ومعرفة العلاقة بين الاكتئاب واضمحلال القدرات الإدراكية للفرد (مثل الذاكرة) بمرور العمر.

يعاني كبار السن غالبًا من «التدهور الإدراكي» (Cognitive decline)، ولكن عندما يظهر هذا التدهور في نواحي مختلفة (مثل: اللغة، والانتباه، والذاكرة، والتخطيط أيضًا)، يؤدي ذلك إلى الإصابة بـ«الخرف» (Dementia) أو «الاختلال الإدراكي المعتدل» (Mild Cognitive Impairment).

يتسبب التشخيص غير الكافي في وجود نسبة كبيرة من المصابين بالاكتئاب -خاصة كبار السن- بدون علاج، حيث إن الإصابة بالاكتئاب في مقتبَل العمر تُعَد عامل خطر للإصابة بالخرف (أي أن المرء قد يكون معرضًا لأن يُصاب بالخرف مستقبلًا)، بينما الإصابة به في مراحل متأخرة تُعَد  مؤشرًا على الإصابة الوشيكة بهذا المرض (أي أن فرصة إصابة المرء بالخرف قد أصبحت كبيرة).

لذلك يرى الباحثون أن الاكتئاب والتدهور الإدراكي مرضان يمتلكان سمات مشتركة تجعل كلًا منهما يحدث بشكل متزامن مع الأخر، مما يرجح أن المرضين غير منفصلين، وأن العلاقة بينهما علاقة تُعرَف بـ«العلاقة ثنائية الاتجاه» (Bidirectional Association)، حيث يمكن أن يتسبب كل منهما في حدوث الآخر.

هناك فقط ثلاث أوراق بحثية حاولت فهم العلاقة ثنائية الاتجاه ما بين الاكتئاب والخرف، ولكن النتائج كانت مختلطة؛ ففي إحدى هذه الدراسات أُثبِتت هذه العلاقة، وفي دراسة ثانية تم نفي وجود أي علاقة ما بين الاكتئاب والخرف. لم تستطع أي من الدراستين السابقتين فهم العلاقة ثنائية الاتجاه بين الاكتئاب والخرف، وذلك بسبب قصور المنهج التحليلي المستخدَم، حيث يركز هذا المنهج على تحليل كل مرض على حدة.

أما في هذه الدراسة، يتم فحص العلاقة ثنائية الاتجاه باستخدام «التحليل الثنائي الموازي» (Parallel Bivariate analysis)، وهو تحليل يسمح بدراسة التغيرات الحادثة لمتغيرين مستقلين، وفهم كيفية تأثير التغير في أحدهما على الآخر. تم إجراء التجارب على 8268 متطوع إنجليزي تتراوح أعمارهم بين 50 عامًا وما فوق. تمت متابعة المتطوعين وجمع البيانات خلال فترة تصل إلى 16 عامًا من سنة 2002 إلى 2018.

واجهت الدراسة العديد من التحديات، كان أبرزها فقدان المشتركين بسبب الوفاة (وهو تحدٍّ شائع في الدراسات طويلة الأمد التي تعتمد على العمر). ولكن توصل الفريق إلى استنتاجات مهمة أبرزها أن أعراض الاكتئاب مرتبطة بشكل وثيق بضعف الذاكرة، وتساهم هذه الأعراض بفقدان أسرع للذاكرة بمرور الوقت.

وعلى الجانب الآخر، تُلازِم الأشخاصَ المصابين بفقدان للذاكرة أعراضُ اكتئاب حاد في البداية، وتزداد هذه الأعراض سوءًا بمرور الوقت، مما يؤكد وجود العلاقة ثنائية الاتجاه، وأن كليهما سبب في حدوث الآخر. يشير ما تم الوصول إليه إلى علاقة مركبة ما بين الاكتئاب والتدهور الإدراكي، وأن محاولة التدخل المبكر لعلاج الاكتئاب تساهم في تأخر ظهور الخرف عند التقدم في السن.

لا يمكننا القول أن المناعة ضد الاكتئاب أكيدة؛ فكل إنسان قد يتعرض لسيناريوهات حياتية عصيبة، مثل: تدني مستوى الدخل، أو كثرة المسؤوليات، أو الإصابة بمرض ما، أو مقاساة طفولة عصيبة، وغيرها من الأسباب التي قد تؤدي إلى إصابته بالاكتئاب. لذا، فالحفاظ على الصحة العقلية واجب على كل منا؛ لعل سعينا لحماية عقولنا هو الحاجز الذي يفصل بيننا وبين هذا المرض الغاشم.

وقد شجع «المعهد القومي للصحة العقلية» (National Institute Mental Health) على بعض العادات التي قد تقينا من الأمراض العقلية والنفسية، ومنها: ممارسة الرياضة، والأكل الصحي، والالتزام بالنوم الصحي وجعله أولوية، وتحقيق الأهداف وإن كانت بسيطة، والأهم أن تظل دائمًا على تواصل بعائلتك وأصدقائك، بأُناس يخبروك أن لا داعي للقلق؛ فكل شيء سيكون بخير!


المصادر

Hidaka, B. H. (2012). Depression a” a disease of modernity: Explanations for increasing prevalence. Journal of Affective Di”orde’s, 140(3), 205–214. https://doi.org/10.1016/j.jad.2011”12.036

Sandilands, D. (Dallie). (1970, January 1). Bivariate Analysis. SpringerLink. https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-94-007-0753-5_222

Sussex Publishers. (n.d.). Signs and symptoms of depression. Psychology Today. https://www.psychologytoday.com/us/basics/depression/signs-depression#i-feel-hopeless-and-empty-am-i-depressed

U.S. Department of Health and Human Services. (n.d.-a). Caring for your mental health. National Institute of Mental Health.
https://www.nimh.nih.gov/health/topics/caring-for-your-mental-health

U.S. Department of Health and Huma” Services. (n.d.-b). Depression. National Institute of Mental Health. https://www.nimh.nih.gov’health/topics/depression

Exit mobile version