من خراف أحادية العين إلى علاج السرطان

بقلم:محمود حسام أحمد

في خمسينيات القرن الماضي، وجد بعض الرعاة الأمريكيين في ولاية أيداهو أنفسهم أمام معضلة، وهي زيادة عدد الخراف المولودة بعين واحدة في منتصف رؤوسها مثل وحش السيكلوب «بوليفموس (Polyphemus) «في الأساطير القديمة بكتاب الأوديسة. أحادية العين أو «السيكلوبيا» (Cyclopia) هي أحد العيوب الخلقية الناتجة عن استهلاك الحيوان لمادة مشوِّهة للأجنة. أمر مثير للرعب حقًا وأيضًا مثير للتساؤلات: لماذا؟ كيف حدث هذا؟ وما علاقة ذلك بشخصية الألعاب الشهيرة سونيك القنفذ؟

 لغز الخراف                                                        

بعد موت أغلب الخراف المولودة بعين واحدة وخسارة الرعاة مبالغ كبيرة، قرر قسم الزراعة الأمريكي التحقيق في الأمر. ظن العلماء القائمون على التحقيق في البداية أنه عيب وراثي في الجينات، فقاموا بتربية النعاج اللاتي ولدن الخراف المشوهة وإخوتها الأصحاء، متوقعين تكرار ولادة خراف أخرى أحادية العين، ولكن لم يولد أي حَمَل مشوه، مما دل على أنه لا يمكن أن يكون عيبًا جينيًا. بعد ذلك، وجه العلماء نظرهم إلى العوامل البيئية المحيطة. لاحظ العلماء الطبيعة المتقطعة للظاهرة التي كانت تحدث بدرجة أكبر في موسم تزاوج الخراف، أي في شهري أغسطس وسبتمبر. قاموا بمسحٍ دام لمدة خمس سنوات للعناصر والنباتات التي استهلكتها الخراف في هذه الفترة. بعد البحث، وجد العلماء أن سبب هذا العيب هو نبات «فيراتروم كاليفورنيوم» (Veratrum Californicum) أو «الخربق الكاذب» (False Hellebore). يحتوي هذا النبات على عدد من المركبات الكيميائية من نوع «القلويدات الستيرويدية» (Steroid Alkaloid)؛ وهي «سيكلوبامين» (Cyclopamine)، و«جيرفين» (Jervine)، و«سيكلوبوسين» (Cycloposine). أهم هذه المركبات هو السيكلوبامين، الذي تبين لاحقًا أنه يعمل كدواء للسرطان عن طريق التأثير على مسارات الإشارات داخل الخلايا المسؤولة عن نمو الخلايا بشكل صحيح في الأجنة، والمعروفة باسم مسار القنفذ سونيك.

مسار القنفذ

في عام 1995، حصل كل من «فيشاوس» (Wieschaus) و«نوسلاين فولهارد» (Nusslein-Volhard) على جائزة نوبل في الطب عن العمل الذي أُنجِز في عام 1978 ونُشِر في عام 1980. فقد حددوا الجينات في ذبابة الفاكهة «دروسوفيلا ميلانوجاستر» (Drosophila Melanogaster) التي تتحكم في تحديد شكل الجسم ونمو أعضاء الذبابة أثناء تطور الجنين. أدى تعطيل أحد هذه الجينات إلى حدوث خلل في جنين ذبابة الفاكهة (اليرقة)، مما أدى إلى تغطيته بتراكيب شائكة تشبه القنفذ، وبالتالي تمت تسميته بـ «جين القنفذ» (Hh).

في عام 1993، تم تحديد ثلاثة نظائر لجين القنفذ في الثدييات وهي: «قنفذ الصحراء» (Dhh)، «قنفذ الهند» (Ihh)، و«القنفذ سونيك» (Shh). هذه الجينات مسؤولة عن تكوين مجموعة من البروتينات داخل الخلية تتفاعل مع بعضها بعضًا للتحكم في نمو الخلايا بشكل سليم والتواصل مع باقي الخلايا. أي مشكلة في هذه البروتينات أو الجينات المسؤولة عنها تؤدي إلى خلل في الخلايا؛ إما بزيادة عددها مثل حالة السرطان أو بتكوينٍ مختلٍ للأعضاء كما في حالة التشوهات الخلقية.

أهم هذه الجينات في الثدييات هو جين القنفذ سونيك، وهو مسؤول عن التطور في الجهاز العصبي المركزي، والهيكل العظمي، والأطراف، والعينين، والأسنان، والأمعاء، والرئتين، والجلد، والعضلات، والغضاريف، والحيوانات المنوية.

السيكلوبامين في الطريق لعلاج السرطان

بالإضافة إلى أن مسار إشارات جين القنفذ سونيك يلعب دورًا حاسمًا في التطور الجنيني، فإنه يلعب دورًا مهمًا في عدد من أنواع السرطان في نماذج الفئران، حيث يفقد وظيفته البيولوجية الطبيعية في معظم الخلايا الناضجة. ونتيجة لذلك، قد يكون تثبيط مسار إشارات جين القنفذ سونيك وسيلة ممتازة لعلاج السرطان، إذ يمكنها إيقاف نمو الأورام دون إحداث العديد من الآثار الجانبية الشائعة للعلاجات التقليدية للسرطان.

في عام 1996، أثناء إجراء أبحاث على مسار جين القنفذ سونيك، استحضر الدكتور «فيليب بيتشي» (Philip Beachy) صور الحملان أحادية العين التي تم الإبلاغ عنها في أيداهو خلال الفترة من 1950 إلى 1960، وافترض إمكانية استخدام مركب السيكلوبامين لاستكشاف مسار الجين. وفي عام 1998، أثبت العلماء أن السيكلوبامين يثبط مسار إشارات جين القنفذ سونيك، لذا استُخدِم مركب السيكلوبامين لتثبيط نمو الأورام مثل الميلانوما، وسرطان القولون، وسرطان البنكرياس، وسرطان البروستاتا، وسرطان الرئة صغير الخلايا، دون آثار جانبية ملحوظة في الفئران البالغة.

المراجع

-Chen, J. K. (2016). I only have eye for ewe: the discovery of cyclopamine and development of Hedgehog pathway-targeting drugs. Natural product reports33(5), 595-601.

-Lee, S.T., Welch, K.D., Panter, K.E., Gardner, D.R., Garrossian, M. and Chang, C.W.T., 2014. Cyclopamine: from cyclops lambs to cancer treatment. Journal of agricultural and food chemistry62(30), pp.7355-7362.


Exit mobile version