المول والتطور العصري

مقالات الزوار17 سبتمبر، 2022

0 9٬208 3 دقائق

بقلم: رفيدة ماهر محمد حسين محمود

إذا أردنا معرفة كتلة أي شيء، فيجب معرفة وحدة قياس كتلته وهي تختلف من جسمٍ لآخر، فمثلًا إذا أردنا أن نقيس كتلة قرط من الذهب نستخدم وحدة الجرام، وإذا أردنا أن نقيس كتلة سلعة أو شخص تكون الوحدة الكيلو جرام، أما إذا أردنا أن نقيس كتلة الشاحنات تكون الوحدة هي الطن. لكن لأن هذه هي الوحدات المتداولة بيننا، فإننا بالطبع لا نعرف غيرها. إلا أن هناك وحدات أخرى كالمول الذي يُستخدم في حالة قياس كتلة الذرة، لكننا لا نقيس كتلة الذرة لأننا لا نستطيع أن نراها بالعين المجردة، ولهذا لا يستخدم كثير من الناس هذه الوحدة، بل نسمعها كثيرًا على لسان العلماء، وبالأخص علماء الكيمياء.

المول كما ذكرنا هو الكتلة الذرية لمادة تحتوي على نفس عدد الذرات الموجودة في 12 جرام من الكربون-12، ويساوي عدد 10²³ × 6.02 المُسمى بِـ «ثابت أفوجادرو» نسبةً إلى العالم «أميديو أفوجادرو» (Amedeo Avogadro)، حيث قام بعد ذرات الكربون في 12 جرام من الكربون الذي يساوي عدده الكتلي 12، واكتشف أن هذا العدد هو المول، لأن قانون المول الذي أجمع عليه جميع العلماء لحساب المول هو الكتلة الفعلية للعنصر بالجرام مقسومة على العدد الكتلي للذرة. وإذا طبقنا هذا القانون على نظرية «أميديو» نكتشف أن عدد المولات يساوي 1، وبعد هذا الاكتشاف العظيم نشأ قانون جديد يشمل ثابت أفوجادرو لقياس المول، وهو عدد الجزيئات مقسومًا على ثابت أفوجادرو يساوي عدد المولات.

لتوضيح هذا القانون، سأعرض مسألةً وحلها: إذا أحضرنا مثلًا عدد 10²³ × 12.04 من ذرات الصوديوم، وأردنا معرفة عدد مولات تلك الذرات. من المعلوم أن المول الواحد = 10²³ × 6.02، لذلك عند قسمة عدد الذرات على ثابت أفوجادرو، نجد أن عدد المولات هو 2.

ولأن كل شيء يتطور بسبب تقدم العلم، نلاحظ أيضًا ظهور قوانين جديدة ومتطورة تتماشى مع الاختراعات الجديدة، فمثلًا يمكننا اليوم رؤية عربات مجهزة بأحدث أنظمة الأمان حتى تحافظ على أمان الراكب، ومن تلك الأنظمة الوسائد الهوائية التي نراها في شكل كيس يخرج من عجلة القيادة وهو مُمتلئ بالهواء، فهو مصمم لحماية السائق من الاصطدام في زجاج السيارة والتعرض للإصابة أو الوفاة؛ لذلك يُعد هذا الاختراع من أهم الاختراعات التي نحتاجها في هذا العصر، وبالطبع هناك قانون وضعه العلماء لحساب كيفية زيادة حجم الغاز داخل الوسادة الهوائية، وهو قانون الغاز المثالي الذي يعتمد على المول.

هذا القانون عبارة عن مزيج من ثلاثة قوانين: «قانون شارل» و«قانون بويل» و«قانون أفوجادرو». يوضح «قانون شارل» العلاقة بين الحرارة والحجم؛ حيث يتناسب حجم الغازات المثالية طرديًا مع درجة حرارتها، فعند زيادة حرارة الغاز المثالي يزداد حجمه لأن الجزيئات تتحرك بسرعة كبيرة وتتباعد عن بعضها البعض، مما يزيد من حجم الغاز. أما «قانون بويل» فيوضح العلاقة بين الضغط والحجم عند درجة حرارة ثابتة؛ حيث يتناسب الضغط عكسيًا مع الحجم. فمثلًا إذا أحضرنا بالونًا في درجة حرارة الغرفة، وضغطنا عليه بعد ملئه بالهواء، نجد أن حجم الهواء يصغر وينكمش البالون، وبعد إزالة الضغط عليه يعود إلى حجمه الطبيعي في درجة حرارة الغرفة. نتيجة لذلك جمع العلماءُ القوانين الثلاثة في قانون الغاز المثالي الذي ينص على ما يلي:

P V = n R T

حيث (P) هو الضغط، و(V) الحجم، و(n) عدد المولات، و(R) رقم ثابت الغاز وهو يساوي 8.314472(15) جول/ مول/ كلفن (J.K^-1.mol^-1)، و(T) درجة الحرارة وتقاس بوحدة الكلفن (K).

ولكن كيف يُستخدم هذا القانون داخل الوسائد الهوائية؟ ينتفخ هذا الكيس في حالة انخفاض سرعة المحرك بشكل سريع أو عند اصطدام السيارة بشيء ما، فتقل سرعتها. ونتيجة لهذا التوقف المفاجئ، تنحل مادة «أزيد الصوديوم» (NaN3) إلى عنصرين هما النيتروجين والصوديوم، اللذين يزداد حجمهما بسبب ارتفاع حرارة كل منهما وزيادة عدد المولات اعتمادًا على قانون الغاز المثالي الذي يستخدم المول، لأنه كلما زادت المولات زاد حجم الغاز كما حدث في انحلال أزيد الصوديوم، مما يؤدي إلى نفخ البالون بسرعة كبيرة، وحماية السائق من الخطر أو الموت.

وقد اخترع العلماء أيضًا قانونًا جديدًا يقوم بحساب عدد مولات الغاز المثالي بمعرفة حجمه فقط، وقد توصلوا إليه بعد دراستهم لقانون الغاز المثالي؛ لأن ذلك القانون يُستخدم في حالة تُسمى «الظروف القياسية لدرجة الحرارة والضغط» (Standard Temperature and Pressure, STP)، وفي تلك الحالة يكون الضغط مساويًا لواحد ضغط جوي (atm)، ودرجة الحرارة 273 كلفن، وعليه يصبح عدد مولات الغاز المثالي مساويًا لحجم الغاز مضروبًا في 22.4، وهذا القانون صورة أسهل لقانون الغاز المثالي.

لذا يُعد التوصل إلى معرفة المول واستخداماته فتحًا عظيمًا وتيسيرًا للحياة، وتطورها للأفضل في إسعاد البشرية.