البلاستيك وأجسامنا

بقلم:سارة سليمان

تستيقظ صباحًا، تشرب من زجاجة المياه بجانبك، ثم تذهب لتحضر خبزًا ساخنًا تضعه بكيس بلاستيكي. تتجه إلى المقهى، تطلب كوبًا من القهوة لتأخذه معك إلى العمل، فتتناول قهوتك في كوبٍ أبيض رغويّ، وربما مررت بمنطقة صناعية، فتستنشق الهواء بما يحتويه.

يبدو هذا مشهدًا هادئًا آمنًا، لكن ثمة أشياء لا تعرفها. فقد تسرّبت جزيئات من البلاستيك إلى داخل جسمك في الأربع، لكن كيف؟ ولماذا؟

بداية لنتعرف على البلاستيك؟

البلاستيك مادة ذات كتلة جزيئيّة كبيرة يطلق عليها «بوليمر» تتكون عن طريق تجمع عدد كبير من جزيئات أصغر حجمًا تسمى «مونيمر» وتسمى عملية تجمع الجزيئات بـ «البلمرة».

للبلاستيك أنواع كثيرة، الشائع منها سبعة أنواع وهي تلك التي سنتحدث عنها في مقالنا.

عند شرائك لأي منتج بلاستيكي، ستجد مثلثًا مطبوعًا أسفل المنتج وبداخله رقم. هذا الرقم يُعبر عن اسم المادة البلاستيكية المصنع منها وفقًا للموضح في صورة (1).

صوره (1): انواع البلاستيك

ذكرنا أن البلاستيك يتكون من تجمع جزيئات صغيرة تسمى مونيمر، فـ «عديد الستايرين» (Polystyrene) على سبيل المثال يتكون نتيجة لتجمع جزيئات الستايرين، لكنه لا يتكون منها فحسب، بل تُضاف مواد أخرى إما لتحسين خواص البلاستيك، كزيادة مرونته، أو تسهيل تصنيعه، أو منحه بعض الخواص، كحمايته من التحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية .

لذا عند التحدث عن الأضرار المحتملة، فإن توجهنا لا يكون المادة الأساسية فحسب، بل المواد المضافة كذلك.

هجرة مواد التغليف البلاستيكية إلى الغذاء

يستخدم هذا المصطلح للتعبير عن انتقال المواد المكونة للبلاستيك إلى الغذاء، سواءً كانت تلك المواد بقايا مونيمر لم يتفاعل، أو مواد مضافة، أو مواد ملوثة منتشرة بالج.

يتحكم في هجرة المواد عدة عوامل أهمها:

1- درجة الحرارة وزمن التلاقي بين الغذاء وجدار مادة التغليف، عند ارتفاع درجة الحرارة يزداد معدل الهجرة:

وُجِد أن انتشار المواد يزداد بمعدل 6-7 أضعاف عند تعرض الغذاء لتغيُّر كبير في فرق درجات الحرارة، كتعرضه فجأة من حالة التجمد لحالة الطهي، (كخروج الأطعمة المجمدة المغلفة بالبلاستيك ووضعها في الميكروويف أو الفرن مباشرة).

2- يختلف سُمك المادة من نوع لآخر من البلاستيك، ووُجِدَ أن زيادة سمك المادة يزيد من الانتقال حتى حد معين يصبح معدل الانتقال ثابتًا بعده.

3- نسبة الدهون: يزداد معدل الهجرة بزيادة نسبة الدهون بالغذاء.

المواد المضافة

تتنوع المواد المضافة حسب الدور الذي تلعبه ونوع البلاستيك المستخدم.

أجريت دراسات لمعرفة مدى انتقال عدة مواد إلى الغذاء، فأظهرت بعض المواد انتقالًا بتركيز عالٍ، بينما أظهر البعض الآخر تركيزًا أقل. سنتعرف فيما يلي على أنواع المواد المضافة ولمحة بسيطة عن بعض الدراسات.

(1) «الملدنات» (Plasticizers):

مواد ذات وزن جزيئي خفيف، تُضاف لعدة أسباب مثل تحسين المرونة. هناك العديد منها، مثل «الفيثالات» (Phthalate) الذي يشيع استخدامه في «عديد كلوريد الفينيل» (PVC) و«عديد الإيثيلين» (PE).

وقد وُجد أن مادة الفيثالات تنتقل بمعدلٍ عالٍ إلى الغذاء. وفي دراسةٍ أخرى وجدوا أن الفيثالات تهاجر من زجاجات الرضع في ظروف تخزين ساعتين تحت درجة حرارة 70 مئويّة.

(2) «مضادات الأكسدة» (Antioxidants):

مواد تُضاف لخفض معدل تدهور البلاستيك نتيجة تعرضه للأشعة فوق البنفسجية. أقيمت دراسة لمعرفة تأثير نسبة الدهون ودرجة الحرارة على هجرة مركب منها للأطعمة المختلفة، كالدجاج والشوكولا والحليب وأطعمة أخرى، فوُجِدَ أن معدل الهجرة يزداد بزيادة نسبة الدهون. وسجلت الشوكولا التي تحتوى على نسبة دهون 32% أعلى معدل للهجرة.

(3) «مثبتات الضوء» (Light Stabilizers):

مواد تُضاف لحماية البلاستيك من التدهور نتيجة التعرض لعوامل الجو.

(4) «مواد الانزلاق» (Slip Agents):

 عبارة عن أحماض أمينية دهنية تضاف لتقليل معامل الاحتكاك لسطح البوليمر. في دراسة لتحديد هجرة خمسة أحماض أمينية «أوليميد» (Oleamide ) و«إريكاميد» (Erucamide) و«ستيراميد» (Stearamide) و«ستيريل أميد» (Stearylamide) و«أليل بالميتاميد» (Oleyl Palmitamide) من 4 بوليمرات هي عديد الإيثيلين منخفض الكثافة وعديد البروبلين وعديد الستايرين وعديد الفينيل كلوريد، حدثت أعلى نسبة هجرة لأميدات الأحماض الدهنية من عديد الإيثيلين منخفض الكثافة إلى زيت الزيتون وذلك لأن معدل إذابة تلك الأحماض فيه ضعيف لذا تخرج أسرع .

(5) «المونيمرات والأوليجومرات» (Unreacted Monomers and Oligomers):

من «الأوليجومرات» (Oligomers)، وهو عبارة عن بوليمر يحتوي على عدد أقل من وحدات المونيمر، لذا له وزن جزيئي منخفض وبالتبعية خواص مختلفة.

في علب حفظ الطعام البيضاء المصنعة من عديد الستايرين (صورة 2)، يتبقى جزء من الستايرين لا يحدث له بلمرة، وعند تعرضه للحرارة، كتسخين الطعام في الميكروويف، يذوب الستايرين في الأوساط الدهنية المكونة للغذاء، ومن ثم يدخل جسم الإنسان ويتراكم في الأنسجة الدهنية كالدماغ والحبل الشوكي، وفي التركيزات العالية منه 350 نانو جرام، يحدث تسمم في الأعصاب مما يؤدي إلى الشعور بالإجهاد والأرق، ويحدث هذا أيضًا عند شرب عند شرب قهوة بمبيض أو حليب (مادة دهنية) بأكواب عديد الستايرين، إذ تم التأكد ان تلك الأكواب تفقد وزنها مع الاستعمال، مما يؤكد هجرة مادة الستايرين للقهوة.

لذا أعادت الهيئة العامة لأبحاث السرطان في ليون – فرنسا تصنيف تلك المادة كأحد المواد المحتمل تسببها في السرطان عند الإنسان، مع العلم أن الأبحاث التي تمت أجريت جميعها على حيوانات فقط.

أنواع البلاستيك واستخداماته

(1) «عديد الإيثيلين التيرفثلاتي» (Polyethylene terephthalate – PETE):

عبارة عن «بوليستر». أسمّيه «بلاستيك زجاجات المياه»، حيث يُطبع أسفل أغلب زجاجات المياه المثلث الأول. يُستخدم أيضًا في صناعة زجاجات المشروبات الغازية والعصائر.

يعتبر عديد الإيثيلين التيرفثلاتي آمنًا لكنّه لا يستعمل لفترة طويلة، وعند تكرار استخدام الزجاجة، يجب غسلها من حين لآخر لمنع نمو البكتريا الضارة.

(2) «عديد الإيثيلين عالي الكثافة» (High-density polyethylene – HDPE):

من «الأوليفينات» (Polyefins)، وهي مركبات تتضمن رابطة ثنائية. يستخدم في صناعة زجاجات العصائر وعلب الشامبو والمنظفات، ويتميّز بكونه مُعتم وأكثر صلابة، ويعتبر آمنا.

(3) «عديد كلوريد الفينيل» (Polyvinyl chloride – PVC):

كان يستخدم في حفظ الأغذية، حتى اكتُشِفَ تلوّث الغذاء به، إذ أن المونيمر المكوّن له، كلوريد الفينيل، صُنِّف ضمن المواد المسببة للسرطان، فتوقف استخدامه في مجال الأغذية وصار يُستخدم في مجالات أخرى كصناعة أنابيب السباكة، ألعاب الأطفال، وأكياس السوائل الوريدية، والأنابيب الطبيّة، وأقنعة الأكسجين، واستخدامات أخرى.

يتميز بالصلابة ومقاومة المواد الكيميائية والعوامل الجوية، مما يجعله مرغوبًا في تطبيقات البناء والتشييد، كما أنه لا يوصل الكهرباء، لذا يشيع استخدامه في التطبيقات عالية التقنية، كالأسلاك والكابلات.

(4) «عديد الإيثيلين منخفض الكثافه »(Low-density polyethylene – LDPE):

من الأوليفينات، ويستخدم في صناعة أكياس حفظ الطعام واللحوم الشفافة وأكياس التسوق، ويجب عدم تعريضه للحراة العالية، حيث يُطلق مواد كيميائية تسبب اضطرابًا في الغدد الصمّاء. فتجنب وضع الطعام الساخن كالخبز في الأكياس.

(5) «عديد البروبلين» (Polypropylene – PP):

من الأوليفينات، ويستخدم في صناعة بعض علب العصائر وأغطية العلب وعلب حفظ الأطعمة ويعتبر آمنًا، لكن يجب ألا يتعرّض للحرارة العالية.

(6) «عديد الستايرين» (Polystyrene – PS):

يستخدم في صناعة علب حفظ الأطعمة الجاهزة قليلة الدسم، كالزبادي والعسل وأكواب القهوة الرغوية.

(7) «عديد الكربونات» (Polycarbonate – PC):

يتم إنتاجه من «ثنائي فينول- أ» (Bisphenol A) مع «الفوسجين»، ويتميز بالقوة والمتانة والشفافية العالية، كما أنه مستقر حراريًا.

لذا يدخل في استخدامات عديدة كصناعة الأجزاء الداخلية للإلكترونيات وكبديل للزجاج، ويُستعمل في صناعة حاويات المياه القابلة لإعادة التعبئة ورضاعات الأطفال.

رغم تصريح «منظمة الغذاء والدواء الأمريكية» (FDA) أنه آمن عند التركيز المنخفض منه، إلا أن هناك شكوكًا حول سلامة استخدامه، لذا ستجد منتجات منتشرة مكتوبٌ عليها خالية من ثنائي فينول-أ.

صوره (2): استخدامات البلاستيك

المصادر:

 كتاب الغذاء والبلاستيك لـ د. فارس بن دباس السويلم

https://plasticoceans.org/7-types-of-plastic/

https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/1541-4337.12028

مصادر الصور: 

https://www.plasticsfacts.com/new-page-1

https://tangentmaterials.com/plastic-building-materials/

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى