التكنولوجيا الحيوية والتنمية المستدامة: تحقيق أهداف القضاء على الجوع

بقلم: معاذ فتح الله

تشكل زيادة التعداد السكاني -جنبًا إلى جنب مع السلوك البشري الأناني في التعامل مع بيئته- خطرًا حقيقيًا على البيئة والموارد والصحة العامة على المدى القريب والبعيد. لذلك، وضعت الأمم المتحدة خطة شاملة وتحويلية تتضمن 17 هدفًا طموحًا تهدف بها إلى تحقيق الاستدامة للبيئة والموارد لحل المشاكل العالمية الأكثر إلحاحًا بحلول عام 2030. وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا كبيرًا في تحقيق هذه الأهداف.

يُعَدُّ الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، تحديًا معقدًا ومتعدد الأوجه يستدعي نهجًا منسقًا. فما هي التحديات التي تواجهها الزراعة والصناعات الغذائية؟ وكيف تشارك التكنولوجيا الحيوية في التصدي لها؟ وما هي المخاطر المحيطة بمنتجاتها؟ في هذه المقالة، سنستكشف الفوائد المحتملة للتكنولوجيا الحيوية في تحقيق القضاء على الجوع.

التعديل الوراثي لحل مشكلات الزراعة

تقوم التكنولوجيا الحيوية على استخدام الكائنات الحية والتقنيات المختلفة لحل مشاكل بيئية وصحية وخلق منتجات حيوية ذات قيمة، وبذلك أحدثت ثورة في العديد من المجالات في السنوات الأخيرة، منها مجال الزراعة والتصنيع الغذائي. إحدى أهم التقنيات المستخدَمة هي التعديل الوراثي؛ وهي عملية تغيير التركيب الجيني للكائن الحي لإدخال خصائص جديدة به.

المحاصيل المعدلة وراثيًا لديها القدرة على معالجة بعض التحديات الرئيسية التي تواجه الزراعة اليوم. على سبيل المثال، يتسبب تغير المناخ والاحتباس الحراري في ظروف جوية قاسية، كارتفاع درجة الحرارة والجفاف والتصحر، بجانب انتشار الحشائش والآفات التي يمكن أن تُلحِق الضرر بالمحاصيل وتقلل من الإنتاج. يدور حل هذه المشكلات حول محورين أساسيين، وهما: المقاومة والتحسين.

المقاومة هي تطوير محاصيل أكثر مقاومة للآفات والأمراض والظروف البيئية القاسية، ويتم ذلك عن طريق تحديد واستخلاص الجينات التي تمنح صفات المقاومة لهذه التهديدات من نباتات استطاعت أن تتكيف مسبقًا مع هذه الظروف، كالنباتات التي تستطيع مقاومة نوع ما من الآفات أو التي تنمو في ظروف صحراوية جافة.

يمكن أن يساعد التعديل الوراثي في استصلاح الأراضي الصحراوية، والحد من استخدام المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الضارة الأخرى. ومن ثَمَّ، إنتاج محاصيل أكثر قدرة على التكيف مع هذه الظروف، وضمان رقعة زراعية أكبر لإنتاج المحاصيل محليًا في المناطق المتضررة، وتوفير الأمن الغذائي في مواجهة تغير المناخ.

يعتمد الكثير من سكان البلدان النامية على المحاصيل الأساسية، مثل الأرز أو القمح، للحصول على السعرات الحرارية اليومية، وغالبًا ما تفتقر هذه المحاصيل إلى المغذيات الدقيقة الضرورية مثل الحديد والزنك وفيتامين أ. وهنا تأتي أهمية التحسين في معالجة سوء التغذية والمشاكل الصحية ذات الصلة من خلال عملية تُسمَّى «الدعم البيولوجي» (Biofortification)؛ وهي إدخال الجينات التي تنتج هذه المغذيات الإضافية داخل النباتات والحيوانات المنتِجة. وهكذا، يمكن إنتاج محصول ذي قيمة غذائية أكبر، ومعالجة أحد الأسباب الرئيسية لسوء التغذية في البلدان النامية.

استخدام الكائنات الدقيقة كمصدر غذائي بديل

للحفاظ على نمط غذائي صحي، يجب اتباع نظام غذائي متعدد المصادر ومتوازن يشمل البروتينات والكربوهيدرات والدهون. اقتُرِح استخدام البروتينات وحيدة الخلية (SCP) كمصدر بديل لهذه المغذيات بسبب توفرها بتكلفة منخفضة، واحتياجها لمساحة صغيرة للنمو، وعدم تأثرها بالظروف الجوية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها لا تسبب انبعاث غازات الاحتباس الحراري في البيئة (كما في حالة مصادر البروتين الأخرى).

وُجِد أن العديد من الكائنات الدقيقة، مثل الطحالب الدقيقة، تحتوي على العديد من العناصر الغذائية الضرورية، بالإضافة إلى مضادات الأكسدة والفيتامينات والأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة، وغيرها من المركبات النشطة بيولوجيًا. إذن، فإن استخدام البروتينات وحيدة الخلية يعتبر مصدرًا مستدامًا للتغذية المتجددة، ويمكن أن يحل محل مصادر البروتين التقليدية في النُظم الغذائية للبشر والحيوانات وكذلك الأسماك، دون أي تأثير ضار. لذا، استخدام البروتينات وحيدة الخلية يعد خيارًا مبتكرًا لتوفير مصدر بروتين غذائي مستدام في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.

الأغذية الحيوية على أرض الواقع

وافقت الحكومة المصرية عام 2008 لأول مرة على بدء استخدام بذور الذرة المعدلة وراثيًا، وكان أول تطوير في محصول الذرة وأكثرها إلحاحًا هو مقاومة الآفات الزراعية عن طريق إدخال جينات مسؤولة عن إنتاج بعض السموم المقاومة لهذه الآفات من بكتيريا «ب. ثرونجينسيس» (B. thuringiensis) إلى الذرة فسميت بـ «ذُرة Bt».

وجدت دراسة أُجرِيت في عام 2016 أن «ذرة Bt» قللت بشكل كبير من الأضرار التي تسببها هذه البكتيريا، مما أدى إلى زيادة في محصول الذرة بنسبة تصل إلى 30%. ونظرًا لوجود حالة من التشكيك في مدى أمان هذه المحاصيل محليًا، لا تزال المحاصيل المعدلة وراثيًا في مصر في مرحلة البحث والتجربة، ولم تصل بعدُ إلى الاعتماد والتعميم. كما لا تتجاوز مساحة المحاصيل المعدلة وراثيًا في مصر نسبة 1% مقارنةً بالبرازيل (19%) والولايات المتحدة (43%).

«الأرز الذهبي» أحد الأمثلة الأكثر شهرة أيضًا للتعديل الوراثي للمحاصيل، وهو سلالة معدلة وراثيًا من الأرز عن طريق إدخال جين من نبات النرجس البري وبعض البكتيريا إلى الحمض النووي لنبات الأرز، مما يتيح له إنتاج «بيتا-كاروتين» (Beta-Carotene) داخل حبوب الأرز، وهي مادة أولية لفيتامين (أ)، وهي أيضًا ما تعطيه اللون الذهبي المميز.

يشكل نقص فيتامين (أ) مشكلة صحية رئيسية في العديد من البلدان النامية حيث الأرز هو الغذاء الرئيسي، ويمكن أن يؤدي هذا المرض إلى العمى وضعف جهاز المناعة، مما يجعل المتضررين أكثر عرضة لمزيد من الأمراض. ثبت بالفعل أن «الأرز الذهبي» يستطيع أن يزيد من مستويات فيتامين (أ) في الوجبات الغذائية للأشخاص الذين يستهلكونه، مما يساعد في الوقاية من هذه الأمراض.

السوق العالمية للأغذية المعدلة وراثيًا (Genetically Modified Foods, GMOs) كبيرة وتستمر في النمو. وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة (Research and Markets)، بلغت قيمة سوق الأغذية المعدلة وراثيًا عالميًا 19.8 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن تصل إلى 32.3 مليار دولار بحلول عام 2027. ويشير التقرير إلى أن الحاجة إلى ممارسات زراعية أكثر كفاءة يقود إلى نمو هذا السوق.

المخاطر المحيطة بالأغذية المعدلة وراثيًا

على الرغم من الفوائد التي تقدمها التكنولوجيا الحيوية في الزراعة والأغذية، فإن التعديل الوراثي لا يخلو من التحديات. ويناقش بعض النُقَّاد خطورة المحاصيل المعدلة وراثيًا على صحة الإنسان والصحة العامة والبيئة، حيث يُعتقَد أن الاستخدام واسع النطاق للمحاصيل المعدلة وراثيًا يمكن أن يؤدي إلى تطوير بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية. تحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تطور البكتيريا والفطريات القدرة على إبطال تأثير الأدوية المصممة لقتلها، وهذا يعني أن علاج العدوى المقاوِمة قد يصبح أمرًا صعبًا أو مستحيلًا في بعض الأحيان.

احتمالية فقدان التنوع البيولوجي واحدة من المخاطر الأخرى، وقد تحدث نتيجة الزيادة في الاعتماد على السلالات المحسنة على حساب المحاصيل الطبيعية. كما يمكن أن يؤدي التركيز على تطوير النباتات المقاوِمة لمبيدات الحشائش، كجزء من تطوير صفات المقاومة، إلى نتيجة عكسية تؤدي الى زيادة انتشار هذه الأعشاب الضارة بغزارة.

أدت هذه المخاوف إلى تدقيق تنظيمي للمحاصيل المعدلة وراثيًا في العديد من البلدان. ففي عام 2012، أوقفت الحكومة المصرية زراعة الذرة المعدلة وراثيًا، مشيرةً إلى عدم وجود قانون للسلامة الحيوية يحكم إنتاج مثل هذه المنتجات وتسويقها، وتوقفت جميع الأعمال الأخرى التي تركز على الكائنات المعدلة وراثيًا، ولم تعد مصر تستخدم هذه التكنولوجيا.

وفي الاتحاد الأوروبي، تخضع زراعة المحاصيل المعدلة وراثيًا لقيود شديدة، مع وضع العلامات الواضحة وتتبُّع المنتجات المعدلة وراثيًا للمستهلكين. على النقيض من ذلك في الولايات المتحدة، تُستخدَم المحاصيل المعدلة وراثيًا على نطاق واسع، بل هي الأكثر شيوعًا بين المنتجات الزراعية، لكنها تخضع أيضًا لرقابة تنظيمية من قِبل وكالات مثل: إدارة الغذاء والدواء (FDA)، ووكالة حماية البيئة الأمريكية.

وأخيرًا، تحقيق هدف الأمم المتحدة للقضاء على الجوع تحدٍّ عالمي حاسم يتطلب نهجًا بالغ التعقيد. وفي الواقع، لدى التكنولوجيا الحيوية القدرة على لعب دور هام في تحقيق هذا الهدف من خلال إنتاج محاصيل أكثر مرونة وكفاءة وتغذية. ومع ذلك، من المهم الاعتراف بالمخاطر المحيطة بالتعديل الوراثي والتكنولوجيا الحيوية في الزراعة، ومن الضروري الإشراف التنظيمي ومواصلة البحوث لضمان سلامة المحاصيل المعدلة وراثيًا للاستهلاك البشري والبيئة؛ فمن خلال موازنة الفوائد المحتمَلة للتكنولوجيا الحيوية مع الحاجة إلى معالجة هذه المخاوف، يمكننا إنشاء نظام غذائي أكثر استدامة وإنصافًا يدعم تحقيق هدف الأمم المتحدة للقضاء على الجوع.

المصادر:

FAO. (2018). The state of food security and nutrition in the world 2018. Rome: FAO.

Ezezika، O.C.، Daar، A.S. Building trust in biotechnology crops in light of the Arab Spring: a case study of Bt maize in Egypt. Agric & Food Secur 1 (Suppl 1)، S4 (2012).

Bekhit، M.، 2019. Detection of Genetically Modified Foods Existence in Egypt Markets. Annals of Agricultural Science، Moshtohor، 57(3)، pp.725-738.

Pérez، A. M.، Rodríguez، A. M.، & Romero، C. D. (2019). Biofortification of crops: a way to feed the world with healthy food. Journal of agricultural and food chemistry، 67(21)، 5869-5883.

Gustavsson، J.، Cederberg، C.، Sonesson، U.، van Otterdijk، R.، & Meybeck، A. (2011). Global food losses and food waste: extent، causes and prevention. Rome: FAO.

Kahane، R.، & Hodgkin، T. (2014). Agricultural biodiversity، social-ecological systems and sustainable diets. Proceedings of the Nutrition Society، 73(4)، 498-508.

Barkia I، Saari N، Manning SR. Microalgae for High-Value Products Towards Human Health and Nutrition. Mar Drugs. 2019 May 24;17(5):304. doi: 10.3390/md17050304. PMID: 31137657; PMCID: PMC6562505.

Sharif، M.، Zafar، M.H.، Aqib، A.I.، Saeed، M.، Farag، M.R. and Alagawany، M.، 2021. Single cell protein: Sources، mechanism of production، nutritional value and its uses in aquaculture nutrition. Aquaculture، 531، p.735885.

James، C. (2016). Global status of commercialized biotech/GM crops: 2016. ISAAA Brief No. 52. International Service for the Acquisition of Agri-biotech Applications.

Brookes، G.، & Barfoot، P. (2021). GM crops: global socio-economic and environmental impacts 1996-2019. PG Economics Ltd.

Research and Markets. (2021). Global GMO market (2021 to 2027) – Industry analysis، trends، market size، and forecasts.

https://joint-research-centre.ec.europa.eu/scientific-activities-z/gmos_en

اظهر المزيد

معاذ فتح الله

طالب بكلية التكنولوجيا الحيوية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، مهتم بمجالات الأحياء الجزيئية والهندسة الوراثية وكيفية تطبيقهما في الصناعات الطبية والبيئية. أمتلك خلفية علمية عميقة في هذه المجالات، وأسعى لتوسيع معرفتي بها ونشر الوعي بالتكنولوجيا الحيوية وإمكاناتها وأهميتها في المجتمع العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى