ماذا يقول العلم عن الصيام؟

بقلم:عبير غانم

الصيام عبادة تُمارَس في العديد من الثقافات والديانات حول العالم، ويُعتبَر أحد أهم العادات الروحانية التي تميز الإنسان وتعزز روح الانضباط والتحكم في النفس، كما أنه اكتسب شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة باعتباره اتجاهًا للصحة والعافية، إلا أن الصيام قد لا يكون مناسبًا للجميع فهناك أيضًا مخاطر يجب وضعها في الاعتبار، فتُرى ماذا يقول العلم عن الصيام؟ هل هو آمن وفعال؟

ما هو الصيام؟

الصوم ممارسة تنطوي على الامتناع عن تناول الطعام أو الشراب لفترة معينة من الزمن. هناك عدة أنواع مختلفة من الصيام، بما في ذلك الصيام المتقطع؛ حيث يقصُر الأفراد تناول طعامهم على فترة زمنية معينة، والصيام المطوَّل، حيث يظل الأفراد بدون طعام لعدة أيام أو حتى أسابيع.

أظهرت الدراسات أن الصيام المتقطع يمكن أن يساعد الأفراد على إنقاص الوزن وتقليل الالتهاب وتحسين التمثيل الغذائي. وعلى النقيض، يُعَد الصيام المطوَّل ممارسة أكثر إثارة للجدل، وهناك أبحاث محدودة حول آثاره طويلة المدى على الصحة.

التاريخ الطبي للصيام

للصيام تاريخ طبي طويل ومتنوع يمتد عبر العديد من الثقافات والفترات الزمنية المختلفة. وفيما يلي بعض اللحظات والتطورات الرئيسية في التاريخ الطبي للصيام:

اليونان القديمة

غالبًا ما يُنسَب الفضل إلى الطبيب اليوناني «أبقراط» (Hippocrates) -الذي عاش من حوالي 460 إلى 370 قبل الميلاد- في كونه من أوائل المدافعين عن الصيام للأغراض الصحية. كان أبقراط يعتقد أن الصيام يمكن أن يساعد في علاج مجموعة متنوعة من الأمراض، وغالبًا ما كان يصف الصيام كطريقة لدعم عمليات الشفاء الطبيعية للجسم.

الصوم الديني

لعب الصيام أيضًا دورًا مهمًا في العديد من التقاليد الدينية عبر التاريخ. على سبيل المثال: يُعتبَر الصيام فرضًا على المسلمين ويؤدونه خلال شهر رمضان، بينما في الديانة اليهودية يحتفلون بعيد الفصح اليهودي بالصيام، وفي الديانة النصرانية يُمارَس الصوم خلال فترة الصوم الكبير التي تسبق عيد الفصح. يمارس أتباع الديانات فترات الصيام كوسيلة لتطهير الجسد وتقوية علاقتهم الروحية بالله.

الفترة الحديثة المبكرة

خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان هناك اهتمام متجدد بالفوائد الصحية المحتملة للصيام بين الممارسين الطبيين الأوروبيين والأمريكيين. غالبًا ما كان يُنصَح بالصيام كعلاج لحالات مثل السمنة، واضطرابات الجهاز الهضمي، والأمراض العقلية.

القرن العشرون

بحلول القرن العشرين، ازداد اهتمام  الباحثين بشكل كبير بآثار الصيام على السمنة. وحظي كتاب (العلاج بالصيام)، الذي كتبه «أبتون سنكلير» (Upton Sinclair) في عام 1911، بمزيد من الاهتمام بالصيام وفوائده الصحية المحتملة.

وبالطبع لن ننسى الإسكتلندي «أنجوس باربيري» (Angus Barbieri) الذي حقق الرقم القياسي العالمي لأطول فترة صيام حتى يومنا هذا؛ بدأ بالصيام عن الطعام من يونيو 1965 إلى يوليو 1966، وعاش على الشاي والقهوة والماء والفيتامينات فقط، وكان تحت إشراف الأطباء، كان وزنه 206 كيلو جرامًا، وبعد أكثر من سنة من الصيام (382 يومًا) وصل وزنه إلى 81 كيلو جرامًا فقط.

باربييري قبل وبعد الصيام

وبحلول عام 1945، كان الصيام المتقطع -أو ممارسة حصر الأكل لساعات محدودة في اليوم- قيد التجريب على جرذان المختبر. بشكل عام، يعكس التاريخ الطبي للصيام اهتمامًا طويل الأمد بالفوائد الصحية المحتملة للامتناع عن الطعام لفترات زمنية، ولا يزال هذا الاهتمام يدفع البحث والتجريب في هذا المجال لليوم.

ماذا يقول العلم عن الصيام؟

في دراسة أُجريت بكلية الطب «جامعة إيموري» (Emory University) بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وجد الباحثون أن الصيام المتقطع له تأثير وقائي ضد العديد من المخاطر القلبية الوعائية، بما في ذلك: السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري. كما أنه يعطي نتائج فعالة بعد الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، عن طريق تحسين وظائف الأوعية الدموية وتقليل احتمالية انسداد الشرايين.

أظهرت العديد من الدراسات أن الصيام المتقطع يمكن أن يزيد من إنتاج هرمون «الأديبونكتين» (Adiponectin) الذي يساعد في حرق الدهون والتحكم في الشهية، ويحسن من وظائف الكبد، ويساعد على تخفيف الوزن الزائد والسيطرة على مستويات السكر في الدم، مع الحفاظ على كتلة العضلات.

وفي عام 2013، أظهرت الدراسات التي أُجريت على الفئران أن ممارسة الصيام المتقطع لمدة 11 شهرًا أدت إلى تحسين وظائف المخ وبنية الدماغ، وقد يساعد الصيام أيضًا في منع الالتهابات والاضطرابات التنكُّسية العصبية، مثل: مرض «ألزهايمر» (Alzheimer)، ومرض «باركنسون» (Parkinson). وما زال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد آثار الصيام على وظائف الدماغ البشري.

كما أن فئران المختبر التي تم تقييد سعراتها الحرارية -مما يُعتبَر شكلًا من أشكال الصيام- عاشت أعمارًا أطول بنسبة 28٪ مقارنة بالفئران التي حصلت على طعام غير محدود؛ فالصيام يمكن أن يؤخر الشيخوخة ويزيد من العمر، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم مدى تأثير الصيام على طول العمر والشيخوخة لدى البشر.

كما أن الصيام له دور هام في الممارسة الطبية (مثل اختبارات قياس نسبة الجلوكوز ومستويات الدهون في الدم) للمساعدة في تشخيص العديد من الأمراض؛ حيث تمت دراسة التغيرات المرتبطة بالصيام وعلاقتها بتحسن المؤشرات الفسيولوجية المتعلقة بالصحة. تتضمن بعض هذه المؤشرات: حساسية الأنسولين، وضغط الدم، والدهون الثلاثية، والالتهابات.

بعض المخاطر المحتملة للصيام

  • الجفاف: خاصة إذا كان الشخص لا يشرب كمية كافية من السوائل. يمكن أن يكون هذا خطيرًا بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من حالات صحية معينة، مثل أمراض الكلى، أو قصور القلب.
  • نقص المغذيات: عندما يصوم الشخص لا يأكل أي طعام، مما يعني أنه قد لا يحصل على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم. هذا يمكن أن يؤدي إلى نقص في الفيتامينات والمعادن الأساسية (مثل: الصوديوم، والبوتاسيوم، والماغنيسيوم)، مما قد يكون له آثار سلبية على الصحة العامة.
  • اضطرابات الأكل: رغم أن الصيام يحسن من وظائف الجهاز الهضمي ويعالج بعض المشاكل كالانتفاخ والحموضة، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى انتكاس في نمط الأكل، خاصة للأشخاص الذين لديهم تاريخ مزمن من اضطرابات الأكل.
  • الإفراط في الأكل: بسبب الانقطاع عن الأكل خلال فترة الصيام قد يكون بعض الناس أكثر عرضة للإفراط في الأكل أو الشراهة، مما يؤدي إلى زيادة الوزن أو غير ذلك من النتائج الصحية السلبية.

من المهم ملاحظة أن الصيام المتقطع قد لا يكون مناسبًا للجميع؛ يجب على الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية معينة -مثل مرض السكري، وغيره من الأمراض المزمنة- استشارة مقدِّم الرعاية الصحية قبل محاولة الصيام.

المصادر:

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK534877/#article-21631.s1

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7021351

https://www.researchgate.net/publication/327069724_FASTING_-_A_MEDICO_HISTORICAL_OVERVIEW

https://kinnu.xyz/kinnuverse/lifestyle/intermittent-fasting/historic-and-scientifc-aspects/

https://www.gutenberg.org/files/63293/63293-h/63293-h.htm

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7415631

https://www.researchgate.net/publication/365776642_Fasting_A_Spiritual_and_physical_cleansing_for_strengthening_the_human_immune_system

file:///C:/Users/comex2021/Downloads/ReligiousFastingthePurgationofSoulandBody.pdf

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/23755298

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6326845/

اظهر المزيد

عبير عثمان غانم

تخرّجت عام 2022 في كلية علوم الثروه السمكية، جامعة كفرالشيخ، تخصص التصنيع والبيوتكنولوجيا البحرية. متطوّعة في فريق الكتابة العلمية بمكتبة مؤسسة علماء مصر، وتطوعت سابقًا في مجال صناعة المحتوى العلمي وتبسيطه لغير المتخصصين من المتحدثين بالعربية، وتحديدًا في مجال علوم البحار والوعي البيئي. شغوفة بالقراءة والصحافة العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى