أربعة مصطلحات تُثير جنون العالم وعليك أن تعرفها – الجزء الأول
مصطلحات تسمعها اليوم، وتُثير اهتمام من يعمل بالتجارة وإدارة الأعمال، كما تثير اهتمام من يعملون بالتكنولوجيا أيضًا. ولكن إن كنت لا هذا ولا ذاك، هل يعني ذلك أن تلك الكلمات تخرج عن نطاق اهتمامك؟ بالطبع لا.
كل ما يتعلق بالتكنولوجيا لا بد وأن يقع في دائرة اهتمامك؛ لأن التكنولوجيا تُصنع من أجلك. تُصنع لكي تعمل لصالحك وتخدمك، ولكي تعمل ضدك وتراقب سلوكك أحيانًا. وكل ما يتعلق بإدارة الأعمال، يتعلق بك أيضًا بالضرورة؛ لأنه يؤثر على نمط معيشتك، وأنت بدورك تؤثر فيه.
إذًا، ما تلك المصطلحات؟
- Big Data: وتعني البيانات الهائلة أو العملاقة.
- Cloud Computing: وتعني الحوسبة السحابية.
- Analytics: وتعني التحليلات.
- Internet of Things: وتعني إنترنت الأشياء.
قبل أن نشرح كل واحدة منها على حدة، دعني أطرح عليك أولًا بعض الأسئلة:
- هل استغربت مرة وأنت تشاهد عددًا من مقاطع الفيديو على يوتيوب أنه تم ترشيح المزيد منها مما يعجبك في القائمة الجانبية؟
- هل تفاجأت بوجود إعلان عن منتج يباع على موقع أمازون كنت تبحث عنه منذ أيام بقائمة الإعلانات الجانبية الموجودة على حسابك على فيسبوك؟
- هل تعجبت أن فيسبوك يحدد موقعك الذي يظهر مع كل منشور تكتبه من خلال هاتفك «الآيفون» (iPhone)؟
- هل سمعت عن «مؤشرات جوجل» (Google Trends) وأن بإمكانك معرفة أكثر الكلمات التي يبحث عنها المستخدمون على محرك البحث جوجل؟
- هل فوجئت يومًا بتخفيضات مبالغ فيها في موعد غير طبيعي أو عرض مغرٍ غير متوقع على سلعة أو خدمة كنت تستخدمها منذ فترة وكنت تنوي أن تكف عنها لعدم رضاك؟
- هل استخدمت مرة خرائط جوجل وفوجئت أن بإمكانك معرفة تاريخ خط سيرك بالكامل خلال أي وقت مضى؟
- هل سمعت عن ساعة جوجل (Google Watch) أو الأجهزة المُرتداة (Wearable Devices) ولم تفهم فيما تستخدم؟
- هل سمعت عن المنازل الذكية (Smart Houses)؟
- هل سمعت مثلًا عن وظيفة مطلوبة تُسمى «محلل بيانات» (Social Analyst) أو (Data Analyst)؟
إن كانت أغلب إجاباتك بنعم، فالآن ستعرف ضرورة أن تفهم هذه المصطلحات الأربع حتى تجد إجابات على كل هذه الأسئلة.
سأضرب لك ببساطةٍ مثالًا توضيحيًا.
هل يمكنك أن تتوقع تصرف شخص أو رد فعله في موقف ما، دون أن تعرفه معرفة جيدة؟ بالطبع لا. إذًا كي تتمكن من ذلك، لابد وأن تجمع عنه أكبر قدر من المعلومات. بل إنك لا تتوقف عند ذلك، فتقوم بتحليلها وربطها ببعضها البعض لتتمكن من معرفة شخصيته وطباعه وتاريخه في مواقف مماثلة، قبل أن تتوقع رد فعله في الموقف الجديد. وإن كنت لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردك لكثرة المعلومات وتعدد أنواعها، فغالبًا ما ستلجأ لاستشارة آخرين كي يساعدونك في تلك المهمة، فتتشارك معهم البيانات. ولأن المعلومات القديمة لا تكون ذات فائدة بعد مدة، فغالبًا ما ستلجأ لوسيلة تبقيك على علم دائم بسلوك هذا الشخص وتحديث البيانات التي لديك، كأن تعرف مجموعة من الأشخاص المحيطين به طوال الوقت مثلًا في عمله ومنزله وفي الشارع.
إذًا، ترتكز هذه العملية على بضع دعائم أساسية:
أولًا: جمع المعلومات وتسجيل البيانات لأجل الحصول على بيانات عملاقة (Big Data)،
ثانيًا: تحليل البيانات (Analytics)،
ثالثًا: عمل التوقعات بإجراء عدة حسابات من خلال مشاركة البيانات مع عدد من الحاسبات (Cloud Computing)،
وأخيرًا: تحديث البيانات وجمع المزيد منها من خلال مكونات البيئة المحيطة (Internet of Things)، وهذه تحديدًا العلاقة التي تربط هذه المصطلحات ببعضها.
وبذلك تكون تعاريف كل من المُصطلحات السابقة كالتالي:
- البيانات العملاقة (Big Data): مجموعة هائلة من البيانات يمكن تحليلها حسابيًا للكشف عن أنماط واتجاهات وعلاقات تربط سلوك البشر بتفاعلهم.
- الحوسبة السحابية (Cloud Computing): استخدام شبكة من «الخوادم المضيفة» (Servers) على الإنترنت لتخزين ومعالجة البيانات بدلًا من استخدام خادم محلي أو حاسب شخصي.
- التحليلات (Analytics): المعلومات الناتجة عن تحليل منهجي للبيانات أو الإحصاءات.
- إنترنت الأشياء (Internet of Things): بأنه تطور مقترح للإنترنت حيث يمكن لكل الأشياء في الحياة اليومية أن تتصل به وتكون قادرة على إرسال واستقبال البيانات.
لنأخذ مثالًا يجيبُ على واحدٍ من الأسئلة المطروحة:
هاتفك الآيفون مثلًا يمكنه أن يسجل كل شيء عنك؛ كل المواقع التي تتصفحها عليه ومتى تتصفحها وكم مرة تقوم بذلك، والكلمات التي تبحث عنها والصور التي ترفعها أو تحملها وغيرها. ليس هذا فقط، بل والموسيقى التي تسمعها والمطربين وترتيب السماع وتكراره، ناهيك عن تسجيل موقعك في الشارع وسرعة سيرك، إلى جانب رسائلك النصية وبريدك الإلكتروني وكلمات السر وبيانات بطاقاتك الائتمانية.
إذًا فإنَّه لن يكون من المستغرب أن تجد تطبيقًا لسماع الموسيقى يقدم لك قائمة مذهلة من كل الأغنيات التي لم تسمعها بعد لأنه حلّل بياناتك واستنتج ذوقك العام ونوعك المفضل من الموسيقى. الشيء نفسه قد يحدث بأن تجد تطبيقًا يقترح عليك أفضل الشوارع التي تسلكها للذهاب إلى وجهتك بعد أن حلل سرعتك وسجل تحركاتك مع معرفته بكثافة السيارات في الشوارع كلها. وإذا أردت كتابة رسالة نصية فبمجرد بدء الرسالة تجد أنه يتوقع كلماتك التالية لأنه قد حدد أسلوب كتابتك وموعد كتابتها ونوعية مراسلاتك مع قائمة معارفك.
يمكنك أن تسرح بخيالك قليلًا – وإن لم يعد هذا خيالًا في الوقت الحالي، بل بدأ تنفيذه بالفعل!- فتجد نفسك لا تحتاج إلى ضبط منبهك ليوقظك فهو يعرف متى نمت وكم تنام في العادة وفي أي مرحلة من النوم أنت ليوقظك في موعد مناسب لا تكون فيه مجهدًا. وذلك الميزان في غرفتك لا يقيس وزنك فقط بل يقيس نسبة الدهون في دمك والسعرات الحرارية التي تحرقها. والمدفأة أو سخان المياه لا يحتاج إلى ضبط فهو يعرف درجة الحرارة الخارجية في ذلك الوقت من اليوم ويستطيع أن يعدل الحرارة ذاتيًا. وساعة يدك التي تقيس نبضك وضغط دمك ونسبة السكر تنبهك إلى موعد تناول طعامك وتناول دوائك حتى لا تتعب، كما تتوقع حلول أزمة صحية لك قبل أن تشعر بأعراضها.
ليس هذا فحسب، بل إن الثلاجة في مطبخك والسيارة في مرآبك يرسلان لهاتفك رسائل عند حدوث عطب أو احتياجهم إلى الصيانة. والنباتات في حديقة المنزل ترسل لهاتفك موعد احتياجها إلى الرىّ. والتلفاز يعرف من يجلس أمامه الآن فينتقل ذاتيًا إلى البرامج التي يُحب مشاهدتها أو يعرض إعلانات عن السلع التجارية التي تهمه ويقدم له مقترحات للقنوات التي تلائم ذوقه. أما عن حاسبك فإن المواقع المختلفة ترشح لك الأخبار التي تحتاج إلى قراءتها وتوقعات سوق المال وعروض المنتجات التجارية والرحلات السياحية للمدن الساحلية فقد اقترب موعد إجازتك السنوية وأنت موشك على أن تحصل على علاوة أيضًا وأنت من محبّي الشواطئ والمنتجعات والرياضات المائية ولست مغرمًا بالمدن الصاخبة أو السياحة الصحراوية أو الجبلية. كل ذلك يحدث دون أدنى تدخل منك!
كل هذا قد يشعرنا بالانبهار، والرعب أيضًا. فكيف سيصير العالم إذا انتشرت هذه التكنولوجيا حول العالم بالشكل الذي يتيح لها معرفة كل شيء عن كل شخص، واستطاعت بالفعل توقع كل شيء وأصبح القرار في يد مجموعة محدودة من البشر فقط هم من يمكنهم فك الشفرة وفهم المعلومة وتقييم الأفعال؟ لهذه الأسباب عليك أن تعرف هذه الكلمات لأن الفرصة لا تزال أمامك، فالتقدم التكنولوجي يسير في اتجاه مضطرد يمكن تمثيله بمنحنى أُسّي (Exponential)، بينما فهمنا لبواطن عمله وكيفية استغلاله لصالحنا يسير في نمط خطى (Linear)، وفي الفجوة المتزايدة بين المنحنيين تكمن الفرصة في أن نفهم ما يدور ونلحق بالركب ونحافظ على حقوقنا أيضًا. وهذا ما سنتعرف عليه في الأجزاء القادمة.