أربعة مصطلحات تثير جنون العالم وعليك أن تعرفها – الجزء الخامس

في الجزء السابق تحدثنا عن تحليل البيانات العملاقة والبرامج التي تُستخدم من أجل ذلك، وكيف أن نتائج التحليل إن تم توجيهها بشكل صحيح فسوف تؤدي لميكنة العديد من الوظائف بلا أخطاء. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة زيادة البطالة وفقدان البشر لوظائفهم، فمع كل تكنولوجيا تتغير طبيعة الوظائف البشرية ليتمكنوا من متابعة التقدم في مستقبلهم المهني. في هذا الجزء نتناول بشيء من التفصيل المصادر التي تأتينا بالبيانات العملاقة.

مصادر البيانات

البيانات تأتي بطريق من اثنين: طريق رقمي (Digital)، وطريق غير رقمي (Analog) يتم تحويله لإشارات رقمية.

البيانات الرقمية هي كل ما يُوَلَّد إلكترونيًا، مثل ملفاتك وصورك التي ترفعها على Dropbox أو Google Drive مثلًا، أو الرسائل النصية والصور والموسيقى والكتب التي تقرأها وتشاركها وتحملها على هاتفك الذكي المتصل بالإنترنت، أو خدمات البريد الإلكتروني ورسائلك المتبادلة على Gmail وYahoo وMicrosoft Exchange Online، أو محركات البحث والمواقع التي تتصفحها كالجرائد الإلكترونية والمدونات ومواقع الهيئات والشركات ونشاطك الإلكتروني الذي يتم تسجيله عليها، وبالطبع أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، كفيسبوك، وتويتر، ولينكدإن، ومواقع أخرى كبينتريست، وإنستجرام وغيرها.

كل تلك المصادر للبيانات قائمة على الاتصال بالإنترنت، ولكن هناك من المصادر حولنا ما يعطي بيانات في صورة غير رقمية وغير متصلة بالإنترنت. هذه المصادر هي المصادر التي دخلت عالم البيانات العملاقة مؤخرًا عن طريق ما يسمى بـ «إنترنت الأشياء» (Internet of Things – IoT).

انترنت الأشياء

إنترنت الأشياء مصطلح يصف واقع العديد من الأشياء أو الأجسام التي تحيط بنا ونستخدمها يوميًا، فالأدوات الشخصية والخدمات والأنظمة حتى المواصلات العامة والمبانى كلها قادرة -أو ستكون قادرة في المستقبل القريب- على إرسال واستقبال البيانات من خلال الإنترنت، وربما تتجاوز مرحلة تواصل الآلات إلى ما هو أبعد من ذلك.

هذا لا يعني تزايد كمية البيانات بشكل يفوق أي وقت مضى فحسب، بل يعني كذلك أننا قريبًا سنعرف كل شيء يدور في هذا الكوكب ويمكننا من إنشاء عالم ذكي. وذلك لأن “Thing” تعني أي شيء، ابتداءً من المستشعرات (Sensors) والشرائح المدمجة في الدوائر الكهربية (Chips)، ويطلق عليها الأجهزة المدمجة (Embedded Devices)، وحتى الأجهزة أو الأجسام المستقلة حولنا (Standalone Devices) التي نسميها أجسامًا ذكية (Smart Objects) لاحتوائها على المستشعرات التي تستخدم تردد موجات الراديو RF لإرسال واستقبال البيانات أو الأجهزة الذكية (Smart Device) لأنها أجهزة إلكترونية تتصل بالشبكات والأجهزة الأخرى من خلال وسائل نقل البيانات اللاسلكية مثل Bluetooth أو NFC أو WiFi أو3G وغيرها.

تلك الأجهزة هي: هاتفك الذكي مثل Apple iPhone وأغلب الهواتف التي تعمل بنظام أندرويد، والأجهزة اللوحية مثل iPad أو Google Nexus 7، والساعات الذكية، والأساور الذكية (Smart Bands)، وسلاسل المفاتيح الذكية (Smart Keychains) مثل Prestigio Keys.

هذا المصطلح أيضا يمكن أن يُشير إلى ما يسمى «أجهزة الحوسبة في كل مكان» (Ubiquitous Computing Device)، فهي ليست كأجهزة الحاسب المكتبية، بل أجهزة حاسب محمولة ومتنقلة كلابتوب أو تابلت وأيضًا كنظارات.

وبذلك فإن القدرة على ربط كل تلك الأجسام والأجهزة التي تحوي معالجات بيانات وذاكرة ومصادر للطاقة بشكل محدود تعني أن تطبيقات إنترنت الأشياء ستكون في كل المجالات بداية من النظم البيئية الطبيعية وحتى الأبنية والمصانع. وتعني أيضًا انتشار الميكنة في تلك المجالات من خلال شبكات ذكية (Smart Grid) اقتصادية ومستدامة تعمل على نقل البيانات وتحسين الأداء.

نمط حياة شامل

ساعة آبل (Apple Watch) هي أحد نماذج الأجهزة المُرتداة، والتي تُعد خير دليل على استخدام إنترنت الأشياء على أجسام متنقلة أو محمولة – مصدر الصورة

ضربنا أمثلة في السابق على المجالات التي تستخدم البيانات العملاقة، مثل التجارة والرياضة والرعاية الطبية وغيرها. هذه المجالات بالتبعية هي نفسها التي تعتمد في جمع هذه البيانات على تكنولوجيا إنترنت الأشياء. لكن الأمر لا يتوقف عند منفعة وقتية أو أسلوب إدارة عمل أو مستوى معيشي بمجموعة من الدول، بقدر ما تريد بعض الشركات تحويله إلى نمط الحياة السائد على الكوكب.

هناك مبادرة «كوكب أذكى» (Smarter Planet) التي أطلقتها بها شركة آي بي إم (IBM) لحث القادة المفكرين في الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني على انتهاز الفرصة بتطبيق الأنظمة الذكية لتحقيق نمو اقتصادي وتنمية مستدامة وكفاءة سريعة مع رخاء مجتمعي. بدأت الشركة بعد ذلك مبادرة «مدن أذكى» (IBM Smarter Cities) لتوفير الخدمات والبرمجيات والأجهزة وكل الحلول التي تقدمها شركة آي بي إم من حوسبة سحابية وتحليلات وأعمال مجتمعية. استطاعت هذه المبادرة حتى الآن أن تخدم آلاف المدن حول العالم في مجالات الأمن والصحة العامة والبنية التحتية من طاقة ومياه، وتعمل المبادرة على دمج المواطنين للمشاركة ببرنامجها من خلال الموقع الإلكتروني People4SmarterCities.com حتى يساهموا في تطوير مدنهم.

وليست شركة آي بي إم الوحيدة في ذلك الهدف، فقد بدأت شركة إتش بي (Hewlett-Packard –HP) هي الأخرى مشروع «النظام العصبي المركزي لكوكب الأرض» (Central Nervous System of the Earth -CeNSE) لوضع مستشعرات في كل مكان في الكوكب تنقل البيانات بسرعة الضوء، وستمكن البشر من العلم مثلًا بحدوث هزة أرضية قبل 10 ثوان من حدوثها على بعد 20 ميلًا من موقعها.

اختصارًا، يمكن القول أن الأجهزة والأجسام الذكية متواجدة وستتواجد في كل المجالات لمختلف الأغراض، ومنها:

  • رصد البيئة (Environmental Monitoring) كأحوال الجو والمياه والتربة.
  • إدارة البنية التحتية ووسائل النقل (Infrastructure Management and Transport systems) كالجسور والسكك الحديدية والطرق السريعة والمحيطات والموانئ والحركة فيها.
  • التطبيقات الصناعية (Industrial Applications) لرفع الكفاءة.
  • إدارة الطاقة (Energy Management) لترشيدها.
  • النظم الطبية والرعاية الصحية (Medical and Healthcare Systems) للرصد عن بعد والإشعار في حالة الطوارئ.
  • ميكنة الأبنية والمنازل (Building and Home Automation) كأمثلة كثيرة شرحناها سابقًا.

إلا أن عناصر إنترنت الأشياء لا تكون متصلة بالضرورة بالعالم أجمع، فمن الممكن لأشياء مثل المنازل الذكية أن تعمل على شبكة محلية (Local Network) فقط.

كما لا يُشترط كما ذكرنا أن تكون أجهزة أو أجسام ثابتة، فالأجهزة المرتداة خير دليل على استخدام إنترنت الأشياء على أجسام متنقلة أو محمولة، فهي أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم تُرتدى تحت أو فوق الملابس لعدة أغراض لجمع ونقل المعلومات وأيضًا للتحكم في الأجسام عن بعد. ستجدها على هيئة خوذة أو نظارة أو ساعة يد أو قفاز بل وتطور الأمر من كونها مُلحقات (Accessories) إلى عمل ملابس ذكية (Smart Clothing / Smart Shirt). مثال تلك الأجهزة ساعة موتورولا (Moto 360) وساعة آبل ( Apple Watch) وساعة الأطفال المتصلة بالجي بي إس (hereO) ونظارة جوجل (Google Glass) وسماعات سيمنز (Siemens Hearing Aid) وخاتم (Ring Hub) ومعالج اضطرابات النوم والصداع المزمن (Quell) وساعة اليد الرياضية (Polar A300) والأسورة الرياضية (FitLinxx AmpStrip) وأسورة التحكم عن بعد ( Myo Gesture-Control Armband) وغيرها الكثير.

سلبيات مُحتملة

بالطبع إلى جانب تلك المزايا لابد من وجود نقدٍ لتكنولوجيا إنترنت الأشياء، وهو نفسه النقد المثار ضد البيانات العملاقة من حيث انتهاك خصوصية البشر أو المستهلكين والتلاعب بهم أو تعريضهم لسرقة معلوماتهم من قبل القراصنة.

يضاف إلى ذلك الخوف من مشاكل التصميم مع زيادة الحجم (Design Scalability)، ومشاكل بيئية ناتجة من أن المكونات الإلكترونية غالبًا ما يتم التخلص منها بدفنها في الأرض نظرًا لصعوبة إعادة تدويرها، مما يشكل مصدر تلوث للتربة والمياه الجوفية والهواء، وهو ما يترجم إلى مخاوف مزمنة حول صحة الإنسان لا يمكن تجاهلها لأن تلك المكونات لا يتم التخلص منها عند حدوث أعطاب فحسب، بل بشكل دوري للحاق بركب التكنولوجيا وضمان التوافق وحسن الاستغلال، مما يزيد من كمية النفايات الناتجة عن ذلك بمعدل 10 أضعاف فيكون حجم النفايات الناتج عن 5 سنوات مساويًا لما كان يُنتج في 50 سنة في السابق.


يبقى السؤال هنا حول تحولنا إلى كتلة متحركة من البيانات دون اعتبار إنسانيتنا وحريتنا، هل هناك من وسائل حماية أو على الأقل وسائل تتحكم في تسريب كل هذه البيانات عنّا أو على الأقل خيارات بديلة؟ هذا ما سنتناوله تفصيلًا في المقال القادم.

المصادر
Bernard Marr: What The Heck is… The Cloud?Bernard Marr: What The Heck is… The Internet of Things?Wikipedia: Internet of things Wikipedia: Smarter Planet Wikipedia: CeNSE Wikipedia: Wearable computer Wikipedia: Wearable technology Teena Maddox: CES 2015: Six cool new wearable tech devicesTeena Maddox: CES 2015: Myo wearable controls everything from robots to smart home devices
اظهر المزيد

راندة الأنور

تعمل حاليًا كباحث في معهد بحوث الإلكترونيات (مركز أبحاث مصري). حصلت على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة عام 2003، ودرجة الماجستير عام 2007، ودرجة الدكتوراه عام 2012 من جامعة القاهرة (هندسة الإلكترونيات والاتصالات). اهتماماتها البحثية تشمل معالجة الإشارات الرقمية وإبصار الحاسب وتطبيقات تعليم الآلة فيما يتعلق بتحليل المستندات وأنظمة التعرف على خط اليد واسترجاع المعلومات. تركزت أبحاثها على اللغة العربية ولها عدة أبحاث منشورة في دوريات ومؤتمرات محلية ودولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى