لماذا لا يُجدي تناول الماء بكثرة قبل الصيام؟

بقلم: زياد هلال

اعتقاد سائد


يلجأ كثير من الناس -وكاتب المقال منهم- إلى تناول كميات كبيرة من الماء قبل الفجر في شهر رمضان، لا سيما وقد أهلَّ علينا الشهر الكريم هذا العام على أعتاب فصل صيف حار على معظم الأنحاء، ظنًا في ذلك معونة لأجسامهم على الصيام في اليوم التالي. وأعترف… لم يكن الأمر فعالًا البتة!
سنستعرض سويًا في هذا المقال لماذا لا يكون الأمر مجديًا، موضحين فسيولوجية عمل الكلى وتوازن الماء والأملاح في أجسامنا، وسنختم المقال ببعض النصائح التي ستفيد بحق قبل الصيام، فهيا نبدأ مقالنا!


توزيع الماء في الجسم والأسموزية


قبل أن نتحدث عن الكلى وتوازن الماء، لا بُد أن نُلقي نظرة سريعة على ما يحتويه الجسم من ماء وأملاح، وكيف تنتقل هذه العناصر الحيوية بين الخلايا وبعضها البعض.
يمثل الماء ثلثي وزن الجسم، وتقل هذه النسبة كلما تقدمنا بالعمر شيئًا فشيئًا، تنقسم هذه النسبة بين قطاعين كبيرين: القطاع الأول داخل خلايا الجسم، والثاني خارج الخلايا وفيما بينها، بنسبة الثلثين إلى الثلث على الترتيب.
بالتأكيد بدَر إلى ذهنك سؤال محير، وهو “كيف يحافظ الجسم على نسبة توزيع الماء ثابتة أغلب الوقت؟”،
والسر يكمن في العنصر الحيوي الثاني، وهو الأملاح (أو -بمزيد من الدقة العلمية- الإلكتروليتات وعناصر أخرى)؛ حيث تنجذب جزيئات الماء إلى الموضع المحتوي على عدد أكبر من الإلكتروليتات، وتلك هي الخاصية الأسموزية.
ببساطة، إذا كانت لدينا خليتان متجاورتان، الأولى بها ماء وأيونان من إلكتروليت الصوديوم، والثانية بها ماء وثلاث أيونات من إلكتروليت الصوديوم، ستنتقل جزيئات الماء من الخلية الأولى إلى الخلية الثانية بالأسموزية.
تلك الخاصية الفريدة تضمن حفاظ كل قطاع على ما يحتويه من ماء دون اختلال؛ فوجود عدد كبير من إلكتروليت البوتاسيوم داخل الخلايا يمنع تسرب الماء إلى خارجها، وأيضًا وجود عدد كبير من إلكتروليت الصوديوم خارج الخلايا يمنع انتقال الماء إلى الداخل بالأسموزية.



صورة توضح الخاصية الأسموزية وانجذاب جزيئات الماء إلى الموضع الذي على عدد أكبر من الإلكتروليتات أو الأيونات
صورة توضح الخاصية الأسموزية وانجذاب جزيئات الماء إلى الموضع الذي على عدد أكبر من الإلكتروليتات أو الأيونات

تركيب «النفرون» كوحدة الكلى الوظيفية


بعد أن فهمنا سويًا ماهية العلاقة بين الماء وما بالجسم من إلكتروليتات، نعود الآن إلى محور حديثنا عن العضو المسئول عن توازن الماء والإلكتروليتات في الجسم، وهي الكلية.
الوحدة الوظيفية للكلية هي «النفرون» (Nephron)، وتحتوي كل كلية على مليون نفرون، مما يعني أن لدينا ما يقرب من مليوني كلية مصغرة؛ حيث يؤدي كل نفرون وظيفته باستقلالية تامة عن أخيه.
وتركيب النفرون -أو الكلية المصغرة- يعبر عن طريقة عمله بشكل كبير؛ حيث يتركب النفرون من جزئين رئيسين وشبكة من الشعيرات الدموية المحيطة به (Peritubular Capillaries) لإعادة الامتصاص والإفراز. هذان الجزءان هما:
1- «جسيم ملبيجي» (Malpigian Corpuscle)

2- «أنبيب النفرون» (Renal Tubule)

جسم ملبيجي هذا عبارة عن شبكة متداخلة من الشعيرات الدموية تُدعى «كُبَيبات الكلية» (Glomeruli) محاطة بمحفظة دائرية تُسمَّى «محفظة بومان» (Bowman’s Capsule)، وتلك هي التي تستقبل الدم الوارد إلى الكلية وتقوم بترشيحه، فيَصِل إلى نبيب النفرون، وهو عبارة عن أنبوب صغير يتكون من أربعة أجزاء ملتوية، وهي:
أ- «الجزء الملتف القريب» (Proximal Convoluted Tubule)
ب- «عُقدة هنل» (Loop of Henle)
ج – «الجزء الملتف البعيد» (Distal Convoluted Tubule)
د- «القناة الجامعة» (Collecting Duct)

صورة توضح تركيب النفرون كوحدة الكلى الوظيفية

وتلك الأجزاء الأربعة هي المسئولة عن التحكم في مصير عناصر الدم الذي تم ترشيحه في جسم ملبيجي، فمنها ما يرى الجسم أنه يحتاجه، فيقوم بإعادة امتصاصه من نبيب النفرون إلى شبكة الشعيرات المحيطة بالنفرون، أو قد يتخلص الجسم من بعض المواد بإفرازها من تلك الشبكة إلى النبيب الكلوي، فتكون محصلة ما تخرجه الكلى من البول هو: ما تم ترشيحه من جسم ملبيجي + ما يفرزه الجسم من عناصر في نبيب النفرون – ما يتم إعادة امتصاصه.

إعادة الامتصاص والإفراز


ولفهم تعامل الكلية مع الماء بشكل أفضل، نحتاج إلى توضيح عمليتي إعادة الامتصاص والإفراز. عملية إعادة الامتصاص هي انتقال المواد التي يحتاجها الجسم من نبيب النفرون إلى الشعيرات الدموية المحيطة به، حتى لا نفقدها في البول. أما عملية الإفراز، فهي انتقال المواد من الشعيرات الدموية المحيطة بالنفرون إلى النبيب الكلوي، ليتم التخلص منها في البول.


صورة توضح عملية تكوين البول ومراحلها الأربعة

فعندما نشرب ويعبر الماء مع الدم الذي تم ترشيحه إلى نبيب النفرون، يكون للنبيبات الأربعة اليد العليا (مع بعض الهرمونات) في التحكم بمدى تركيز البول، وكمية الماء التي سيُعاد امتصاصها أو التخلص منها في البول.
تنقسم عملية إعادة امتصاص الماء إلى جزئين: الأول يتم إعادة امتصاصه إجباريًا (وهو الجزء الأكبر، ويمثل 87%)، والثاني يتم إعادة امتصاصه اختياريًا وفق احتياج الجسم (ويمثل 13%). الجزء الإجباري سيستعيده الجسم لا محالة، أما الاختياري فهو صلب مقالنا، ويتم التحكم في هذا الجزء اختياريًا بواسطة الهرمون المانع لإدرار البول (ADH).

الهرمون المانع لإدرار البول

ونعم التسمية حقًا! يقوم هذا الهرمون بزيادة نفاذية القناة الجامعة لجزيئات الماء، وهي الجزء الأخير من نبيب النفرون، والذي تتم به عملية إعادة امتصاص الماء الاختيارية عن طريق مستقبلات له تُسمَّى

(Vasopressin 2)، فيعبر ما يحتاجه الجسم من ماء إلى شبكة الأوعية الدموية المحيطة بالنفرون، وينضم إلى ما تم إعادة امتصاصه إجباريًا.

ويُعتبَر الهرمون المانع لإدرار البول هو المتحكم في كمية الماء التي تُفقَد في البول، وبالتالي فهو يتحكم في تركيز البول.

إما أن يُفرَز هذا الهرمون بكمية كبيرة في حالة احتياج الجسم للماء؛ فيقوم بعمله ويساعد الجسم على إعادة امتصاص نسبة كبيرة من نسبة الـ 13% فيصبح البول مُركَّزًا نوعًا ما، أو لا يُفرَز هذا الهرمون بكمية كبيرة في حالة تشبع الجسم بالماء، فنفقد نسبة كبيرة من الماء في البول؛ ويصبح البول مُخفَّفًا جدًا.

صورة توضح عمل هرمون المانع لإدرار البول على الكلى وتوضح التأثير حال وجود الهرمون وحال غيابه 

هذا ما يحدث إذًا! عندما نتناول كميات كبيرة من الماء قبل الفجر، يتشبع الجسم بالماء، فيتوقف إفراز الهرمون المانع لإدرار البول، فيخرج الماء الزائد عن حاجتنا في البول ولا نحتفظ به بتاتًا!

نصائح سريعة


والآن، إليك قليلًا من النصائح التي قد تفيد بحق لكيلا تفقد الماء أسرع:
1- تناول الماء بالقدر المعقول على فترات متقطعة من ساعات الليل.
2- أكثِر من تناول الخضروات والفاكهة التي تحتوي على ألياف وماء؛ فهي تمكث مدة أطول ويستطيع الجهاز الهضمي الاستفادة بها فيما بعد.

المصادر:

1-Lippincott Illustrated Reviews: Physiology

2- https://www.zmescience.com/science/what-is-osmosis-0634/

3- Medical Physiology of Rensl system Menofia

4- Dr NAGY LEctures on Youtube: https://www.youtube.com/watch?v=AigxGnG-nOE&list=PLFkJTdtzWoIYsrnHjR4OIGeuygJZHLV0n

5- https://www.mayoclinic.org/ar/healthy-lifestyle/nutrition-and-healthy-eating/in-depth/water/art-20044256

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى