نوبل في الفيزياء 2023: فيزياء الأوتوثانية

نوبل 2023 تذهب للرصد على المستوى دون الذري باستخدام نبضات ضوئية شديدة القصر

أعلنت لجنة نوبل للفيزياء حصول «بيير أجوستيني» (Pierre Agostini) و«فيرنس كراوز» (Ferenc Krausz) و«آن لولييه» (Anne L’Huillier) معًا على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023، وذلك عن جهودهم التجريبية في توليد نبضات ضوئية قصيرة تُقاس بوحدة «الأتوثانية» (Attosecond) (وتُعادل جزءًا من مليون تريليون جزء من الثانية) لدراسة حركة الإلكترونات في المواد.

لنفهم أهميّة هذه الجهود، سنعود إلى ورقة «هايزنبرج» الشهيرة المنشورة عام 1925 (التي حصل بفضلها على نوبل لعام 1932)، حيث يطرح فيها نظرية لميكانيكا الكم تقوم على علاقاتٍ بين كميّات يمكن رصدها، مثل تردد «الانتقال الكمي» (Quantum Transition)، بدلًا من الطرح السابق للنظرية الذي يعتمد على علاقات وكميّات لا يمكن رصدها، مثل موقع الإلكترون أو «دورته المدارية» (Orbital Period)(1).

كان السبب في صعوبة رصد هذه العمليات داخل الذرة يرجع إلى سرعاتها التي تُقاس بوحدة زمنية ذرية تُقدر بـ 24 أتوثانية تقريبًا(2)، بينما كان النطاق الزمني لأقصر النبضات الضوئية يُقاس بـ «الفمتوثانية» (Femtosecond) (أي 1000 أتوثانية). تمكّن العالم المصري «أحمد زويل» من رصد حركة الذرات في الجزيئات و«الحالات الانتقالية» (Transition States) أثناء التفاعلات الكيميائية (وحاز نوبل لعام 1999 عن ذلك) باستخدام هذه النبضات القصيرة، إلا أنّها لم تكن قصيرةً كفاية للرصد على المستوى «دون الذري» (Subatomic).

هنا أتت إسهامات العلماء الثلاث الذين تمكنوا من توليد نبضات من الضوء شديدة القصر تُقاس بالأتوثانية. بدأت لولييه وفريقها في 1987 بدراسة تأيّن غاز الأرجون، حيث لاحظوا أنّ الغاز الخامل، عند تسليط أشعة الليزر تحت الحمراء عليه، يُصدر فوتوناتٍ بترددات أعلى من موجات الليزر التي تسببت فيها، فيما يُعرف بـ «التوليد التوافقي العالي» (High-order Harmonic Generation, HHG) ثم تمكنت في أوائل التسعينيات مع علماء آخرين من تفسير فيزياء هذه العملية(3).

عندما تصطدم موجة الليزر الكهرومغناطيسية بالذرة، يؤثر مجالها الكهربي على الذرة وينتزع عنها إلكترونًا، فتتأين الذرة، إلا أنّ اهتزازات مجالات الموجة عند تردد معيّن تعكس هذه العملية مباشرةً فيرتد الإلكترون إلى الأيون، لكنّه يرتدّ حاملًا طاقةً أكبر من الطاقة التي تسببت في تأين الذرة في البداية، فتنطلق الفوتونات الأعلى ترددًا.

استُخدمت هذه التقنية بعد ذلك لتوليد نبضات شديدة القصر، وكان أجوستيني وفريقه عام 2001 أول من تمكنوا من توليد سلسلة من نبضات ضوئية، تُقاس النبضة منها بـ 250 أتوثانية. إلا أنّ التتابع السريع بين النبضات حال دون استخدامها في دراسة العمليات التي تقع ضمن نطاق يُقاس بالأتوثانية، والتي تطلبت فصل هذه النبضات. هنا وضع كراوز تقنيات نحو فصل النبضات، وذلك باستخدام نبضات ليزر قصيرة في عملية «التوليد التوافقي العالي» لا تتجاوز بضعة آلاف أتوثانية، وتمكن في 2001 من فصل نبضة ضوئية واحدة بهذه التقنية قِيست بـ 650 أتوثانية(4(.

تبعت هذه التجارب العديد من الدراسات التي تستخدم نبضات الأتوثانية، كقياس سرعة التأثير الكهروضوئي الذي تفقد فيه الذرة الإلكترونات بفعل موجات الضوء المسلطة عليها. إلا أنّ استخدامات هذه التقنية لا تقتصر على الفيزياء فحسب، بل تمتد إلى مجالات العلوم الأخرى، فقد تمكن كراوز وفريقه -على سبيل المثال- من تطوير بصمة جزيئية للمجال الكهربي لرصد التغيرات في التكوين الجزيئي للموائع الحيوية كالدم، وهي خطوة نحو تقنية تحليلية لرصد آثار الأمراض في عينات الدم باستخدام أشعة الليزر غير الضارة للمساعدة في التشخيص. ولا تزال الجهود مستمرة نحو تطوير تقنيات التوليد والوصول إلى نبضات أقصر على خطى العلماء الثلاث، حيث حقق باحثون آخرون نبضات أقصر تصل إلى 43 أتوثانية(5).

جدير بالذكر أنّ لولييه هي خامس امرأة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وأنّ أجوستيني لم تكن له صفحة على موسوعة ويكيبيديا قبل إعلان الجائزة!

المصادر:

1) https://shorturl.at/ptALT

2) https://physics.nist.gov/cgi-bin/cuu/Value?aut

3) Scientific Background to the Nobel Prize in Physics 2023

4) https://doi.org/10.1038/d41586-023-03047-w

5) https://doi.org/10.1364/OE.25.027506

اظهر المزيد

فريق العمل

لأن كل عقل يفرق! نعمل على بناء نظام بيئي يتعلم فيه كل فرد ويُعلم غيره، ويساهم ويستفيد ويتطوع ويدعم ويشارك وجهات النظر ويتبادل الأفكار. كل ذلك بهدف تحقيق التقدم العلمي وإثراء العالم، وإحداث نهضة تنموية شاملة مركزها مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى