اكتشاف نوع جديد من خلايا الدماغ: هجين من الخلايا العصبية والنجمية

في دراسة نُشِرت مؤخرًا في مجلة «نيتشر» (Nature)(1)، اكتشف العلماء مجموعة من «الخلايا النجمية» (Astrocytes) ذات خصائص خاصة «بالخلايا العصبية» (Neurons)، مما جعلهم يصفونها بـ«الخلايا الهجينة» (2). تتسم هذه الخلايا باحتوائها على الآلية اللازمة لعملية الطرد الخلوي المعتمد على الكالسيوم «للجلوتامات» (Glutamate)، وهذه الآلية خاصة بالخلايا العصبية، أما الجلوتامات فهو الناقل العصبي الاستثاري الرئيسي في الجهاز العصبي المركزي (3). وبناء على ذلك، أطلق العلماء على هذا النوع من الخلايا اسم «الخلايا النجمية الجلوتاماتية» “Glutamatergic Astrocytes”.

يوجَد في الدماغ نوعان من الخلايا: الأول هو الخلايا العصبية، والثاني هو «الخلايا الدبقية» (Glial Cells). تنقسم الأخيرة إلى ثلاثة أنواع: «الخلايا الدبقية الصغيرة» (Microglia)، و«الخلايا الدبقية قليلة التغصن» (Oligodendrocytes)، والخلايا النجمية. تمثل الخلايا النجمية 20% من خلايا الدماغ (4)، ومن المعلوم دور الخلايا النجمية في دعم الخلايا العصبية، بدءًا من توفير الطاقة اللازمة لعملها، مرورًا بالتدعيم الهيكلي والأيضي لها، وحتى التحكم في استثارة الخلايا العصبية عن طريق الحفاظ على «توازن» (Homeostasis) الأيونات و«الناقلات العصبية» (Neurotransmitters) (5). وفوق ذلك، تشارك الخلايا النجمية في تكوين «التشابكات العصبية» (Synapses)، وتساهم في اكتساب الجهاز العصبي لخاصية «الليونة العصبية» (Neural Plasticity) (6).

منذ عقود ودور الخلايا النجمية المتجاوز لتدعيم الخلايا العصبية محل جدل في الوسط العلمي (7,8,9)، خاصة امتلاكها «آلية الطرد الخلوي» (Exocytosis) للجلوتامات التي تساهم من خلالها في النقل العصبي ومعالجة المعلومات. وفي هذه الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها، يضع العلماء نهاية لهذا الجدل، حيث يظهر جليًا من خلال النتائج انخراط الخلايا النجمية في عملية النقل العصبي بشكل فعال عن طريق عملية الطرد الخلوي للجلوتامات.

من خلال تقنية «سَلسَلة الحمض النووي الريبي للخلية الواحدة» (scRNA-seq)، وباستخدام خلايا من «منطقة الحُصين» (Hippocampus) في دماغ الفئران، ومن خلال تقنية التصوير ثنائي الفوتون للدماغ في أجساد الفئران (in vivo) ومعمليا باستخدام شرائح من أدمغتهم (in situ)، تبيَّن للعلماء وجود خلايا نجمية ذات آلية تُمكِّنها من إطلاق الجلوتامات ونقله عن طريق «نواقل الجلوتامات الحويصلية» (vGLUTs) بسرعة تقترب من سرعة الخلايا العصبية. هذه النواقل الحويصلية هي المسؤولة في الخلايا العصبية عن ملء الحويصلات العصبية تمهيدًا لإطلاق الجلوتامات، وقد تم تحديد وجود هذه النواقل الحويصلية عن طريق رصد «نُسَخ» (transcripts) من الحمض النووي الريبي الذي يشفر البروتينات المسؤولة عن تكوين هذه النواقل، كما أن هذه النُسَخ من الحمض النووي الريبي محفوظة تطوريًا في خلايا الإنسان.

إضافة إلى ذلك، وبتثبيط عملية التعبير عن الجينات المشفِّرة للنواقل الحويصلية، ومن ثَم منع تكوين البروتينات المكوِّنة لنواقل الجلوتامات الحويصلية، لاحظ العلماء ضعف الذاكرة السياقية لدى الفئران المعدلَّة جينيًا. يشير تدهور الذاكرة السياقية بعد حذف الجينات المسؤولة عن تكوين النواقل الحويصلية إلى أن الخلايا النجمية لها دور في المعالجة الفسيولوجية للذاكرة. وفي ذلك إشارة إلى ارتباط هذه الخلايا بـ«مرض ألزهايمر» (Alzheimer’s Disease). كما لاحظ العلماء -إثر خلخلة وظائف هذه الخلايا- ظهور أعراض الصرع على الفئران، كما أوضحت الدراسة أن هذه الخلايا تنظم الدوائر الدماغية المشارِكة في التحكم في الحركة، مما يعني ارتباطها بـ«مرض باركنسون» (Parkinson’s Disease).

ختامًا، فإن اكتشافًا كالذي بين أيدينا من شأنه أن يفتح طرقًا كثيرة أمام علماء الأعصاب لدراسة الخلايا النجمية وتنوعاتها ووظائفها، وكذلك للبحث عن سُبل علاجية مبنية على وظائف هذه الخلايا المنخرِطة في أمراض مثل: ألزهايمر، والصرع، وباركنسون. ويضيف الباحثون القائمون على هذه الدراسة بأنه من المهم الشروع في دراسات تبحث وجود هذه الخلايا في أماكن أخرى غير الحُصين، وبناء خريطة كاملة لها داخل الجهاز العصبي المركزي، وذلك لفهم مدى وجودها وعلته ومدى ارتباطها بأمراض الجهاز العصبي المركزي.

شكل 1. يوضح الشكل خلية نجمية (يمينًا) وتشابكًا عصبيًا لخليتين عصبيتين (يساراً). يُظهِر الشكل الناقل العصبي «جلوتامات» (G) مع «ناقل الجلوتامات الحويصلي» (vGLUT) وعددًا من النواقل العصبية والمستقبلات العصبية (6).


المراجع

1. de Ceglia R, Ledonne A, Litvin DG, Lind BL, Carriero G, Latagliata EC, Bindocci E, Di Castro MA, Savtchouk I, Vitali I, et al. 2023 Sep 6. Specialized astrocytes mediate glutamatergic gliotransmission in the CNS. Nature.

2. https://www.newscientist.com/article/2390978-new-type-of-brain-cell-discovered-that-acts-like-hybrid-of-two-others/

3. Institute of Medicine (US) Forum on Neuroscience and Nervous System Disorders. 2011. Overview of the Glutamatergic System. Nihgov. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK62187/

4. Salas IH, Burgado J, Allen NJ. 2020. Glia: victims or villains of the aging brain? Neurobiology of Disease. 143:105008.

5. Satarker S, Bojja SL, Gurram PC, Mudgal J, Arora D, Nampoothiri M. 2022. Astrocytic Glutamatergic Transmission and Its Implications in Neurodegenerative Disorders. Cells. 11(7):1139.

6. Cuellar-Santoyo AO, Ruiz-Rodríguez VM, Mares-Barbosa TB, Patrón-Soberano A, Howe AG, Portales-Pérez DP, Miquelajáuregui Graf A, Estrada-Sánchez AM. 2022. Revealing the contribution of astrocytes to glutamatergic neuronal transmission. Frontiers in Cellular Neuroscience. 16:1037641.

7. Bezzi P, Carmignoto G, Pasti L, Vesce S, Rossi D, Rizzini BL, Pozzan T, Volterra A. 1998. Prostaglandins stimulate calcium-dependent glutamate release in astrocytes. Nature. 391(6664):281–285.

8. Hamilton NB, Attwell D. 2010. Do astrocytes really exocytose neurotransmitters? Nature Reviews Neuroscience. 11(4):227–238.

9. Sahlender DA, Savtchouk I, Volterra A. 2014 What do we know about gliotransmitter release from astrocytes? Phil. Trans. R. Soc. B 369: 20130592.

اظهر المزيد

فاطمة الزهراء عبد المجيد

أهتم بقضايا المناخ والبيئة وتأثيراتهما على الكائنات الحية، وكيفية استجابة الكائنات لتلك التأثيرات وتكيفها على المستوى الجزيئي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى