اختفاء الطفيليات قد لا يجعل عالمنا مكانًا أفضل

نسمع كثيرًا عن «الطفيليات» (Parasites)، وهي كائنات حية تعيش على أو داخل جسم كائن حي آخر يُعرف باسم «العائل» (Host)، حيث يستغل الطفيليُ العائلَ للحصول على الطعام والمأوى بالإضافة إلى بيئة مناسبة للتكاثر مما يسبب أضرارًا للعائل قد تؤدي إلى الموت. تلعب الطفيليات دور الشرير في حياة الإنسان، فعلى سبيل المثال: قَتَل الطفيل المعروف باسم «المتصورة المنجلية» (Plasmodium falciparum) وثلاثة شركاء آخرين من نوع المتصورة نحو 627000 إنسان عن طريق إصابتهم بـ «مرض الملاريا» (Malaria Disease)، بالإضافة إلى وجود 241 مليون إصابة بنفس المرض عالميًا، وذلك طبقًا لإحصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية في عام 2020.

هناك العديد من الطفيليات التي تسبب الضرر للإنسان، ولكن إذا تناولنا الموضوع من منظور أوسع ورأينا الأدوار الأخرى الخفية التي تلعبها الطفيليات والتي تساهم بشكل بارز في الحفاظ على «توازن النظام البيئي» (Ecosystem Equilibrium)، فسوف نحتاج إلى أن نعيد النظر في دور الطفيليات، فعلى الرغم من آثارها الضارة، فهي تساهم في تحقيق الخير لجميع الكائنات الحية.

يمثل القضاء على الطفيليات أهم الإنجازات التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها، حيث نجح بالفعل في القضاء على «فيروس الڤاريولا» (Variola Virus) المسبب لمرض «الجُدري» (Smallpox) الذي قضى على حياة 500 مليون إنسان في القرن العشرين، لذلك يعتقد البعض أن القضاء على الطفيليات قد يجعل عالمنا مكانًا أفضل، ولكن هناك العديد من الأوراق العلمية التي تسلط الضوء على الآثار السلبية المحتمل حدوثها نتيجة زوال الطفيليات. بلا شك، القضاء على مسببات الأمراض بشكل عام يساعد على تحسين صحة الإنسان والحفاظ على الحياة البرية، ولكن حينما نتحدث عن الطفيليات تحديدًا، فيجب أن نعيد النظر أكثر من مرة قبل محاولة محوها، حيث إنها تلعب العديد من الأدوار المعلومة وغير المعلومة في الحفاظ على توازن النظام البيئي وتوفير العوامل والظروف المناسبة لكل نوع من الكائنات الحية.

يحتوي كل نظام بيئي على وجه الأرض على طفيليات، إذ نجد أن كل نوع من «الكائنات الحيوانية متعددة الخلايا» (Metazoans) يحتوي على الأقل على نوع واحد من الطفيليات، وتمثل الطفيليات نحو 40 % من الأنواع المعروفة من الكائنات الحية، مما يدل على تأثيرها البارز في الحفاظ على المجتمعات التي تعيش فيها الكائنات الحية.

التأثير الإيجابي للطفيليات على الأفراد في النظام البيئي

يؤثر الطفيل سلبيًا على العائل، فهو على سبيل المثال يؤثر على نمو العائل بشكل سليم ويمنعه من التكاثر في بعض الأحيان، بالإضافة إلى قدرة الطفيل على تغيير السلوك، ولكن من ناحية أخرى يحمل الطفيل العديد من التأثيرات الإيجابية للعائل مثل حمايته من طفيل آخر أكثر ضررًا. يساعد أيضًا الطفيل في تحسين الجهاز المناعي للعائل؛ حيث إن غياب الطفيليات قد ينجم عنه تبعات غير متوقعة تؤثر بشكل سلبي على صحة الفرد، فمثلًا الأمراض المزمنة التي يصاب بها الإنسان مثل الحساسية وأمراض المناعة الذاتية تم ربطها بقلة التعرض للتطفل وبالأخص من قِبَل الديدان. لذلك غياب الطفيليات سوف يساهم في إضعاف الجهاز المناعي حيث يتخلص الجسم من الدفاعات المناعية المكلفة للطاقة، ولكن يظل هذا الجسم عرضة للإصابة من قبل طفيلي آخر أكثر تطورًا، وفي هذه اللحظة لن يكون تأثير الطفيل على العائل ضارًا، بل مميتًا.

التأثير الإيجابي للطفيليات على العشائر في النظام البيئي

العشيرة هي مجموعة من الأفراد من نفس النوع تعيش في منطقة جغرافية معينة ولديها قدرة على التكاثر. تساعد الطفيليات بشكل ملحوظ في تنظيم الحياة البرية، حيث إنها تؤثر على معدل نمو عشيرة العائل وحجمها. ومن أشهر الأمثلة، تأثير «الطفيل متساوي الأرجل» (Isopode Parasite) على أحد أنواع أسماك الشعاب المرجانية، حيث يقلل هذا الطفيل من معدل النمو والتكاثر، الأمر الذي يؤثر بشكل إيجابي على عدة جوانب؛ أهمها تقليل المنافسة ما بين أفراد العشيرة.

التأثير الإيجابي للطفيليات على المجتمعات في النظام البيئي

تتصيد الطفيليات أنواعًا مختلفة من الكائنات الحية مما يجعل تأثيرها ممتدًا إلى مستوى المجتمع. وتشمل التغييرات التي تتسبب بها الطفليات التغيير في كثافة أحد الأنواع في المنطقة أو التغيير في الوظائف الحيوية أو الشكل الظاهري أو حتى سلوك الكائن، والذي بدوره يؤثر على أنواع أخرى تتشارك مع هذا العائل في نفس النطاق الجغرافي، مما يوحي بقدرة الطفيليات على تغيير تركيب المجتمع. مثال على ذلك: تأكل كائنات «ليتورينا ليتوريا» (Littorina Littorea) -أحد أنواع «حلزون البحر» (Periwinkle Snail)- المصابة بطفيلي من ديدان «المثقوبات» (Trematodes) كمية طحالب أقل من غير المصابة، ويرجع ذلك إلى تأثير الطفيلي على الجهاز الهضمي للعائل. ويؤدي وجود هذه الأنواع المصابة إلى ازدهار تلك الأنواع من الطحالب، وعليه تزدهر الأنواع الأخرى التي تعتمد على هذه الطحالب كموطن أو طعام.

التأثير الإيجابي للطفيليات على السلسلة الغذائية في النظام البيئي

تلعب «الطفيليات المتلاعبة بسلوك العائل» (Behavioural Manipulating Parasites) دورًا هامًا في نقل العناصر الغذائية من نظام بيئي إلى نظام بيئي آخر، وذلك عن طريق دفع العائل للهجرة إلى نظام بيئي يكون أكثر ملائمة للطفيل. تستطيع بعض الطفيليات تغيير سلوك «العائل الوسيط» (Intermediate Host)، وهو عائل يستخدمه الطفيل لإكمال دورة حياته والوصول إلى العائل النهائي (Definitive Host)، بحيث يكون أكثر عرضة للافتراس، الأمر الذي يؤثر على عدة عناصر في السلسلة الغذائية؛ منها «التفاعل ما بين المفترس والفريسة» (Prey-predator Interaction). ويمتد التأثير إلى عمليات أخرى مثل تحلل المواد العضوية وبالتالي توفير العناصر الغذائية للمنتِج (النبات) والمستهلك في شبكة الغذاء.

أعلم عزيزي القارئ أنك مليء بالحيرة وترى أن الفكرة ذاتها تحمل شيئًا من التناقض، ولكن دعنا سويًا في الختام نتناول بعض الأفكار التي تساعدنا على الإحاطة بالموضوع:

الفكرة الأولى: وجود عالم بدون طفيليات هي فكرة مستحيلة ولا يمكن تحقيقها، ولكن وضع مثل هذه السيناريوهات قد يساعد علماء البيئة في فهم الأدوار المختلفة للطفيليات وكيف تستطيع أن تحافظ على اتزان النظام البيئي.

الفكرة الثانية: لن تتسبب الطفيليات في انقراض الإنسان أو تحويله إلى «زومبي» كما نرى في أفلام الخيال العلمي أو انقراض أي كائن آخر إلا في حالات شديدة الندرة؛ وذلك لأن الكائنات الحية هي الأنظمة البيئية التي تعيش فيها الطفيليات.

الفكرة الثالثة: على الرغم من أن الطفيليات تسبب أضرارًا لأنواع مختلفة من الكائنات الحية بما فيها الإنسان، فهذه الأضرار هي منافع ضخمة لأنواع أخرى بما فيها الإنسان أيضًا. ما نريد أن نسلط الضوء عليه هو أنه على الرغم من التأثيرات السلبية العديدة للطفيليات، فمحصلة وجود الطفيليات في النظام البيئي لها نتائج إيجابية لا يمكن الاستغناء عنها، حيث تلعب دورًا بارزًا في الحفاظ على توازن الأنظمة البيئة واستمرار عجلة الحياة في الدوران.

المصادر:

1) Wood, C. L., & Johnson, P. T. (2015, October). A world without parasites: Exploring the hidden ecology of infection. Frontiers in ecology and the environment. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5222570/

2) Centers for Disease Control and Prevention. (2023, June 28). C”C – Malaria – about malaria – faqs. Centers for Disease Control and Pr”vent’on. https://www.cdc.gov/malaria/about/”aqs.html#:~:text=Malaria%20is%20a%20serious%20and,%2C%20and%20flu%”Dlike%20illness.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى