نحو دواجن خالية من المضادات الحيوية

باحثة مصرية تستخدم بكتيريا نافعة للسيطرة على أكثر أنواع البكتيريا الضارة انتشارًا بين الدواجن

بقلم: إيناس الجرزاوي

أصبحت صناعة الدواجن واحدةً من أهم الصناعات الغذائية في ظل الظروف الاقتصادية العالمية وما يتبعها من نقص في نصيب الفرد من الموارد الغذائية جرّاء التضخم السكاني خاصةً في الدول النامية، مما يجعل صناعة الدواجن الأكثر فاعلية بين الصناعات الحيوانية الأخرى، من حيث سهولة الإنتاج وتغطية احتياج السوق من البروتين الحيواني بتكلفة شراء بسيطة، كما أنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير مقارنةً بالأرباح المرتفعة ودورة الإنتاج السريع.

ولكن على الرغم من كل المميزات، إلا أن انتشار الأمراض بين الدواجن يُعتبر من أصعب التحديات التي تواجه المستثمرين في هذه الصناعة. ليس هذا فحسب، فتلك الأمراض يمكنها الانتقال إلى الإنسان في نهاية السلسلة الغذائية، لتصبح بذلك تحديًا صحيًا عالميًا من الضروري مواجهته، وتعتبر «بكتيريا العطيفة» أو «الكامبيلوباكتر» (Campylobacter) أكثر أنواع البكتيريا الضارة انتشارًا بين الدواجن، كما أنها من بين أهم المسببات الرئيسية للأمراض التي تنتقل للإنسان عن طريق الغذاء، وتحديدًا عن طريق تناول الدواجن المصابة. (1)،(2)

تأثير بكتيريا العطيفة على الصحة العامة وجودة الإنتاج الحيواني

نظرًا لكونها أكثر أنواع البكتيريا المنقولة عن طريق الغذاء شيوعًا، صنفت منظمة الصحة العالمية بكتيريا العطيفة في تقرير لها سنة 2020 كواحد من أربعة مسببات رئيسية للأمراض المعوية على مستوى العالم،(3) فحال انتقال بكتيريا العطيفة للإنسان عن طريق الغذاء الملوث، فإنها تهاجم الجهاز الهضمي وتسبب حالات التسمم الغذائي. وتبدأ أعراض الإصابة في الظهور خلال فترةٍ تتراوح بين يوم وحتى سبعة أيام من التعرض للبكتيريا، وتتضمن الإسهال والقيء وتقلصات المعدة والحمى، كما أن انتشارها الواسع، خصوصًا بين الأطفال تحت عُمر الثانية، يرفع خطورة الإصابة إلى الوفاة، مما يُحدث ضررًا كبيرًا على الصحة العامة.

أما فيما يخص الدواجن، فإن بكتيريا العطيفة تنتشر بسرعة كبيرة بين القطيع، وقد تسبب ضعف الإنتاج وقلة جودته وما يترتب على ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة لأصحاب المزارع والتجار على حدٍ سواء.

باحثون يحاربون الأمراض المنقولة بالغذاء بوسائل علاجية صحية ومستدامة

شغفًا بالعلم وإيمانًا بدوره في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه مجتمعاتنا، انطلقت د. نهلة منصور- أستاذ البيولوجيا الجزيئية الميكروبية ورئيس مجموعة ميكروبيوتا الجهاز الهضمي والمناعة بمعهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية التابع للمركز القومي للبحوث في مصر- وأسست مشروعها البحثي حول الأمراض المنقولة بالغذاء بالتعاون مع د. إين كونيرتون – الشريك البريطاني والباحث بجامعة نوتنغهام بإنجلترا -. ونظرًا لأهمية البحث، نجحت د. نهلة وفريقها بالفوز بتمويل لتنفيذ المشروع البحثي من صندوق نيوتن-مشرفة، وهو شراكة مصرية بريطانية في مجال البحث العلمي والابتكار.

أوضحت د. نهلة أن مشروعها البحثي يهدف إلى اختيار سلالات بكتيريا نافعة من أصل بشري، تُسمّى «بكتيريا البروبيوتك» أو «المعززات الحيوية»، وهي عبارة عن ميكروبات حية تُحدث تأثيرًا نافعًا عندما يتناولها الإنسان أو الحيوان بكميات كبيرة، ويستخدم المشروع هذه السلالات كبديل علاجي للوقاية من عدوى بكتيريا العطيفة بين الدواجن.

الدواعي الصحية والاقتصادية لخلق وسائل بديلة ضد عدوى العطيفة

وبسؤالها عن جدوى استبدال العلاجات المستخدمة حاليًا للسيطرة على عدوى العطيفة في الدواجن، قالت د. نهلة أن أصحاب المزارع في الدول النامية لا يزالون يعتمدون على المضادات الحيوية بشكل أساسي، مما يتسبب في تفاقم الأزمة الصحية العالمية فيما يخص مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية وضعف جدواها في محاربة الأمراض، كما أن الاستخدام الجائر للمضادات الحيوية يؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي لميكروبات الجسم النافعة وسيطرة الميكروبات الضارة مما يخل بالجهاز المناعي عند الإنسان والدواجن على حدٍ سواء، ويجعلنا جميعًا تحت خطر الإصابة بالأمراض التي يستعصي على المضادات الحيوية علاجها، مما يحتم على المجتمع العلمي إيجاد بدائل علاجية آمنة.

هذا بالإضافة إلى تكلفة الشراء المرتفعة التي تقع على عاتق أصحاب المزارع لتوفير المضادات الحيوية بشكل مستمر.

من ناحية أخرى، فإن بكتيريا البروبيوتك تستبدل عيوب المضادات الحيوية بمميزات، فبالإضافة إلى كونها باكتيريا نافعة تحسّن من صحة الدواجن وتعزز مناعتها مما يرفع من جودة الإنتاج، فإنها أيضًا توفر التكاليف الباهظة لشراء المضادات الحيوية، لأنها في الأصل عبارة عن بكتيريا موجودة في الطبيعة، يسهل زراعتها وإنتاج كميات كبيرة منها بتكاليف ومتطلبات بسيطة للغاية.

الصورة للمصور: مارك ستيبنيكي/ موقع بيكسيلس

فعالية بكتيريا البروبيوتك في القضاء على عدوى الدواجن

أما عن خطوات المشروع وأهم النتائج، قالت الباحثة: «قمنا بعزل واختيار حوالي 330 سلالة من بكتيريا البروبيوتك النافعة من عينات لأشخاص أصحاء، ثم قمنا باختبار قدرة تلك السلالات على السيطرة والقضاء على سلالات بكتيريا العطيفة الضارة التي تنتقل للإنسان عن طريق الدواجن، وقد تمت التجارب العملية في المعمل وعلى فئران التجارب هنا بمعملنا في مصر، وبالفعل حصلنا على ست سلالات فعّالة من بكتيريا البروبيوتك النافعة، التي استطاعت التنافس والسيطرة على انتشار البكتيريا الضارة».

كما أوضح البحث أن بكتيريا البروبيوتك استطاعت السيطرة على انتشار البكتيريا الضارة عن طريق عدة طرق محتملة تتضمن: إفراز البروبيوتك مواد نشطة ضد البكتيريا الضارة، وأيضًا قدرة بكتيريا البروبيوتك على التنافس في استهلاك العناصر الغذائية المتاحة، مما يمنع البكتيريا الضارة من النمو والانتشار عند تواجدها في نفس البيئة.

بكتيريا البروبيوتك من المعمل لأرض الواقع

يتميز المشروع بسهولة تطبيقه على أرض الواقع، حيث من الممكن أن يستفيد من تطبيقاته أصحاب مزارع الدواجن والمستثمرون في الصناعة الحيوانية، لما له من فوائد صحية ومكاسب اقتصادية للصناعة، وللصحة العامة في المجتمع ككل.

وبسؤال الباحثة هل طُبِّقَ المشروع بالفعل في أحد مزارع الدواجن في مصر، قالت أنه على الرغم من إمكانية وسهولة تطبيق المشروع، إلا أنه لم يُجرّب هنا على الدواجن، بل تمت التجربة في إنجلترا في مزارع للدواجن على يد الشريك البريطاني في المشروع البحثي والباحث بجامعة نوتنغهام، عن طريق إضافة العلاج الجديد لغذاء الدواجن، وقد أثبت العلاج فاعليته.

التعاون بين الصناعة والبحث العلمي ضرورة محلية وعالمية

تشعر د. نهلة بالامتنان للمنح والاستثمارات البحثية لإسهامها في استمرار البحث العلمي في إيجاد وتقديم حلول حقيقية وفعالة، كما أنها تتطلع مستقبلًا إلى نقل مشروعها من البحث إلى الصناعة هنا في مصر، وأن تتوسع في تطبيقه ليصل إلى أصحاب المزارع ومصانع الدواجن وحتى شركات الصناعات الدوائية، وختمت اللقاء بالحديث عن أهمية التفات الصناعة والمستثمرين إلى البحث العلمي قائلةً:

«الصناعة في وادِ والبحث العلمي في وادٍ آخر. نحن نحتاج إلى البحث العلمي في حياتنا، فالعلوم والتكنولوجيا هي عوامل مهمة للغاية، ومن الضروري أن تتواجد الثقة بين الاستثمار وأصحاب رأس المال وبين البحث العلمي، وذلك لتحسين حياة الناس وخلق مستقبل أكثر أمانًا واستدامة».

المصدر الرئيسي للتقرير الصحفي:

أُعِدّ التقرير بناءً على لقاء صحفي مع أ.د. نهلة منصور- أستاذ البيولوجيا الجزيئية الميكروبية بمعهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية- المركز القومي للبحوث، الباحثة الرئيسية في مشروع «استخدام بكتيريا البروبيوتك للقضاء والسيطرة على بكتيريا الكامبيلوباكتر والمنتقلة من الأغذية».

مصادر أخرى:

  1. https://doi.org/10.1007/s42770-021-00635-8
  2. DOI: 10.1146/annurev-animal-061220-023200
  3. https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/campylobacter
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى