كيف تستطيع خلايا الإنسان التحدث مع بعضها؟

خلال الدراسة الابتدائية وحتى الثانوية، يتعلم الطالب أن الحيوانات تتكون من أجهزة، وهي: الجهاز الهضمي، والتنفسي، والعصبي، والبولي، وغيرها. ثم إن هذه الأجهزة تتكون من أعضاء، كالمعدة والأمعاء في حالة الجهاز الهضمي، والرئة والشعب الهوائية في حالة الجهاز التنفسي، والمثانة والحالب في الجهاز البولي، والمخ والحبل الشوكي في الجهاز العصبي.

وبعدها يتعلم أن الأعضاء تتكون من أنسجة تختلف في خصائصها حسب وظيفتها؛ فأنسجة الكبد بعضها «برنشيمية» (Parenchymal)، أي أنها أنسجة وظيفية تتكون من خلايا كبدية تخزن بعض المركبات والعناصر الضرورية (كالدهون والحديد)، وتفرز إنزيمات هاضمة للمواد السامة، وتنتج بروتينات الدَّم وبعض الفيتامينات الضرورية لوظائف الجسد.

هناك أيضًا أنسجة غير برنشيمية (غير وظيفية) يحيط بعضها بالكبد، ويُشكِّل البعض الآخر منها أنسجة الأوعية الدموية والقنوات الصفراوية المهمة للحفاظ على سلامة الكبد وبقاء وظائفه. تتكون هذه الأنسجة من خلايا، وهي ما نسميها بـ«الوحدة الوظيفية للإنسان»، وتختلف هذه الخلايا هي الأخرى في وظائفها وهيئتها حسب مكانها.

لكن السؤال الذي نحاول إجابته هو: كيف استطاعت هذه الخلايا الميكروسكوبية الحجم التواصل لتتمكن من التعاون والتكامل في صورة وحدات أكبر هي -كما نعلم- الأنسجة والأعضاء؟ كيف استطاعت الانسجام مع بعضها لتحقيق ذلك الهدف بشكل متناسق خالٍ من العيوب (في حال انعدام المرض)؟


«الإشارات الخلوية» (Cell Signals)

الإجابة عمَّا سبق هي: عن طريق الإشارات الخلوية؛ فكما يتحدث الإنسان عن طريق اللغة المنطوقة والإشارة -في حال فقده القدرة على الكلام- ليتمكن من التواصل مع أقرانه، وكما في عالم الحيوان نرى الأصناف المختلفة من الحيوانات والطيور تصدر أصواتًا (لتتمكن بواسطتها من تحذير صديق، أو إخافة مفترس، أو التعاون في فريق لاصطياد فريستهم)، فإن خلايانا تستطيع التخاطب عن طريق إشارات لتحقيق وظيفة مهمة لحياة الإنسان -المتكوِّن من كل هذه الخلايا- كالهضم، والتفكير، والتنفس، والرؤية، وغيرها.

قد تكون الإشارات الخلوية «ذاتية» (Autocrine) تُذكِّر بها الخلية نفسها بعمل ما (مثلما نكتب الملاحظات على هواتفنا لنقوم بمهام معينة لاحقًا)، وقد تتحدث الخلية مع جارتها عن طريق «الموصلات الفجوية» (Gap Junctions) -فجوات توجَد بين خليتين متجاورتين- كما يتبادل الجيران الهدايا والرسائل عن طريق الأبناء، أو تتواصل الخلية مع خلية أخرى قريبة ولكن «غير مجاورة» (Paracrine) كما تبعث الأم أبناءها لأحد الأقرباء في شارع مجاور.

وقد تحتاج الخلية لإرسال رسائل إلى مسافات بعيدة عن طريق مجرى الدم (وسيلة النقل العام للجسد) لتصل لخلية أخرى بعيدة؛ هذه الرسائل هي غالبًا إشارات كيميائية، مثل: الهرمونات، و«وسائط الالتهاب» (Inflammatory Mediators)، و«عوامل النمو» (Growth Factors)، و«النواقل العصبية» (Neurotransmitters)، وأحيانًا «الحمض النووي الريبي» (RNA).


كيف تعمل الإشارات الخلوية؟

تحتاج هذه الإشارات لوجود مستقبِلات قادرة على استقبال الأوامر؛ عندما ترسل الخلية المواد الكيميائية (الإشارات) لخلايا أخرى تمتلك المستقبِل المناسب، تبدأ سلسلة من التفاعلات داخل تلك الخلايا بهدف تنفيذ أمر الخلية المنتجة للإشارات، هذا الأمر قد يكون: إنتاج إشارات أخرى، أو تكسير مادة كيميائية، أو قتل خلية ما، أو زيادة نموها، أو تطورها، أو عددها، أو تغيير شكلها. بهذه الطريقة، فقط الخلايا التي تمتلك المستقبِلات المناسبة تستطيع فهم الإشارة، وهكذا تتمكن الخلايا من التواصل بشكل فعال والقيام بوظائفها.


الخلايا العصبية: مثال لـ«التواصل الخلوي» (Cellular Transduction)

تنقسم الخلايا العصبية إلى: خلايا عصبية حسية، وخلايا عصبية حركية. تختلف هذه الخلايا في وظيفتها، ولكنها تتفق في طريقة التواصل بينها؛ تستطيع الخلايا العصبية نقل الإشارات الكهربية بسرعة فائقة تصل لأجزاء من الثانية، وذلك بعد تعرض هذه الخلايا لمُحفِّز قادر على إحداث ما يُسمَّى بـ«جهد الفعل» (Action Potential)، وهو التغير في فرق الجهد -الناتج عن تغير تركيز الأيونات- بين داخل الخلية وخارجها.

جهد الفعل قادر على بدء سلسلة من التفاعلات داخل الخلايا العصبية تؤدي إلى إفراز نواقل عصبية تنتقل من الخلية العصبية للخلية التي تليها، ويُنقَل معها جهد الفعل بمساعدة «قنوات الأيونات الحساسة لفرق الجهد» (Voltage-Gated Ion Channels)، حيث إنه عند التصاق النواقل العصبية بمستقبلاتها في الخلية التالية، تنفتح قنوات الأيونات ويحدث تغير في فرق الجهد في الخلية الجديدة نتيجة لخروج بعض الأيونات ودخول أخرى، ويؤدي ذلك إلى إفراز نواقل عصبية ناحية الخلية التالية.

وهكذا يستمر إفراز النواقل وانفتاح القنوات وتغير جهد خلية تلو الأخرى، حتى تصل الإشارة إلى عضو يبدأ هو الآخر في سلسة جديدة من الإشارات. هذه النواقل العصبية تحتاج مستقبلات لا توجَد إلا في عدد محدود من الخلايا، مثل الخلايا العضلية والعصبية، مما يؤدي في النهاية إلى القيام بوظيفة معينة دون أخرى، مثل انقباض عضلة لتحريك أحد أطرافك، أو وصول صورة من عينك لعقلك، أو سماعك لصوت، أو غير ذلك.



ماذا يحدث عند حدوث مشكلة في الإشارات الخلوية؟

عند حدوث أي اضطراب بالزيادة أو النقص لهذه الإشارات، تفقد الخلايا القدرة على التواصل مع بعضها، وهذا ينعكس على الإصابة بأمراض واضطرابات عدة، منها: التصلب اللويحي، والسرطان الذي ينشأ عن عدم قدرة الخلايا على التواصل مع بعضها لقتل أو إيقاف الخلايا الأخرى الخارجة عن السيطرة، وغيره من الأمراض.


المراجع

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK535438/

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK554403/

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK551652/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى