اللؤلؤ: من الخيال الأسطوري إلى التحقيق العلمي

بقلم: عبير غانم

تُروَى عن اللؤلؤ قصصٌ سحرية تمتزج فيها قوة الأساطير مع الخرافات. فقد اعتقدت الشعوب القديمة أن اللؤلؤ يخرجُ من دموع الآلهة أو يسقط من السماء عند تقاتُل التنانين بين الغيوم. لكن، هل هذه مجرد خيالات أم أنَّ هناك حقائق علمية وراءها؟

إن الإبحار في عالم اللؤلؤ يفتح أمامنا أبوابًا لا تنتهي من الاستكشاف والتعلم. وخلال هذه الرحلة، سنستمتع بجمال اللؤلؤ وروعة تكوينه، ونتواصل مع تاريخ الإنسانية وتراثها القديم الذي أعطى للؤلؤ مكانة خاصة في قلوب الناس على مر العصور. وفيما يلي بعض القصص البارزة المرتبطة ب

أمثلة من اللآلئ على مر العصور المصرية القديمة والرومانية والعصور الوسطى وعصر النهضة

الأساطير الرومانية واليونانية القديمة:

ارتبط اللؤلؤ ارتباطًا وثيقًا بالآلهة. فإلهة الحب والجمال «فينوس» (Venus) -وهو اسمها الروماني أو «أفروديت» (Aphrodite) كما في الأساطير اليونانية- وُلِدَت من صدفة اللؤلؤ التي سقطت في البحر، واستقبلتها الحوريات ثم ألبسنها عقدًا من اللؤلؤ تكونت حباته من الدموع المُتناثِرَة من عينيها بعد ولادتها أو خلقها. وتعتبر هذه الأساطير رمزًا للأنوثة والجمال، فهي المسؤولة عن الحب والزواج والخصوبة ونمو وتكاثر جميع الكائنات، وتشير إلى أن اللؤلؤ يحمل قوى خارقة.

الحضارة الفرعونية القديمة:

يُعَد اللؤلؤ رمزًا للحياة الأبدية، كما أن له قوى علاجية ويحمي من الأمراض والشرور لدرجة أنهم دفنوه معهم. تقول الأسطورة أن كليوباترا أذابت لؤلؤة من أحد أقراطها في كأس من النبيذ وشربتها لتُظهِر لـ «مارك أنتوني» (Mark Antony) أنها تستطيع أن تستهلك ثروات هائلة في جرعة واحدة فقط. وكانت هذه بمثابة أفخم وأثمن وليمة في التاريخ نظرًا لأن اللؤلؤ كان باهظ الثمن، وكان يُنظر إليه كدليل على الثراء.

الحضارات الصينية القديمة:

ذكرت إحدى الأساطير الصينية أن اللآلئ تساقطت من السماء عند حدوث الأعاصير بسبب تَقاتُل التنانين بين الغيوم. وتقول أسطورة أخرى أن اللؤلؤ نشأ على شكل قطرات مطر ابتلعها المحار. كما أنه في إحدى القصص القديمة، وجد صبيٌ لؤلؤةً سحريةً، وكان إذا وضعها في جرةٍ مع القليل من الأرز، يتضاعف الأرز ويملأ الجرة في اليوم التالي. وعندما اكتشف جيرانه ذلك، حاولوا سرقتها. فابتلع الصبي اللؤلؤة لحمايتها وتحول إلى تنين. واعتُقِد أيضًا أن اللآلئ السوداء تتشكل داخل رأس التنين، وبمجرد اكتمال نموها يحملها التنين بين أسنانه، ولتجمع اللآلئ عليك أن تصارع التنانين.

ما هو التفسير البيولوجي لتكون اللؤلؤ الطبيعي؟

يتكون اللؤلؤ في الطبيعة نتيجة استجابة المحار المناعية لوجود جسم غريب بين الصدفة والجسم اللحمي للمحار. وقد يكون هذا الجسم من أصل عضوي أو غير عضوي، مثل الطفيليات، أو اليرقات، أو بيض الرخويات، أو الأجزاء المتحللة من النباتات، أو حبات الرمال. حيث تدخل هذه الجسيمات إلى المحار عندما تكون صمامات الصدفة مفتوحة للتغذية أو التنفس.

ويؤدي وجود جسم غريب إلى تهيج «طبقة الخلايا الطلائية» (Epithelial Layer) في الوشاح، فتبدأ في إفراز «الصدف» (Nacre)، وهو مادة غنية بكربونات الكالسيوم تُحيط بالجسم الغريب في طبقات متحدة المركز مُكَوِنَةً «النواة» (Nucleus)، وبذلك يتشكل «كيس اللؤلؤ «(Pearl Sac).

تتصلب طبقات الصدف تدريجيًا مُكَوِنَةً لؤلؤة طبيعية، يتناسب حجمها بشكل مباشر مع درجة التهيج التي سببتها الجسيمات الغريبة. وقد يستغرق تكوين اللؤلؤ متوسط الحجم ما يقرب من 3-5 سنوات. كما أنَّ محارًا واحدًا فقط من بين عشرة آلاف قادرٌ على إنتاج اللؤلؤ. ويعتمد لون اللؤلؤ على نوع المحار الذي تكونت بداخله بجانب العوامل البيئية الأخرى.

إذا كان وجود مُهَيِّج أو جسم غريب هو العامل الأساسي في تكون اللؤلؤ، فلِمَ لا نُحفِّز المحار صناعيًا لإنتاج المزيد من اللآلئ النفيسة في وقت قصير؟! في الحقيقة، هذا ما ابتكره بالفعل الياباني «ميكيموتو كويتشي» (Kokichi Mikimoto) عام 1893 من خلال إدخال مُهَيِّج يدويًا في المحار لتحفيزه على تكوين اللؤلؤ.

وفي أوائل القرن العشرين أدى استزراع اللؤلؤ الذي أحدثه «ميكيموتو» إلى قلب صناعة اللؤلؤ رأسًا على عقب، وتسبب في انخفاض قيمة اللؤلؤ الطبيعي. وبحلول عام 1935، كان هناك ما يقرب من 350 مزرعة للؤلؤ في اليابان تُنتِج 10 ملايين لؤلؤة مُستَزرَعة سنويًا. وكان «ميكيموتو» يدافع عن نفسه باستمرار ضد الاتهامات بأن لؤلؤته ليست حقيقية. وعلى عكس المُتَوقَع، أشارت الأدلة العلمية إلى أن للآلئ المزروعة نفس خصائص نظيرتها التي تشكلت في أعماق البحار، حيث كان الاختلاف الوحيد هو توفر يد المساعدة لبدء العملية الطبيعية.

تقنية تكوين اللؤلؤ الاصطناعي

في هذه العملية، يتحد عنصران أساسيان معًا: الخلايا الطلائية الخارجية لفص الوشاح، والنواة التي تتكون من قطع صغيرة من الأصداف الطبيعية. ومن خلال التجارب اكتشف العلماء أن الأجزاء المُستَخرجة من خلايا الوشاح تُحفِز إفراز اللؤلؤ، بينما تجذب حبات الصدف المُعَالَج انتباه المحار كأجسام غريبة.

ومن خلال العمليات الجراحية الدقيقة، يُوضَع اللقاح (نسيج خلايا الوشاح وقطع الصدف معًا) باستخدام إبرة رفيعة في الغشاء الداخلي للمحار. وقد تُوضَع أيضًا قطعة صغيرة من أنسجة اللؤلؤ مع اللقاح لتحفيز نمو اللؤلؤ. ثم يُعاد المحار إلى البحر، أو تُوَفَّرُ له ظروف مناسبة لينمو في المزارع، كدرجة حرارة وملوحة الماء وغيرها من العوامل. وبمرور الوقت تنشط الخلايا الطلائية وتستعيد وظيفتها في إفراز الصدف الذي يترسب فوق النواة على هيئة طبقات دقيقة متحدة المركز (اللؤلؤ).

هل يموت المحار عند حصاد اللؤلؤ؟

تنطوي عملية حصاد اللؤلؤ على فتح صدفة المحار واستخراج اللؤلؤة من داخلها. ويمكن أن تتسبب هذه العملية في تلف أو إصابة أجزاء حيوية بداخل المحار، مما يؤثر على قدرته على البقاء على قيد الحياة. وبالرغم من حرص بعض مُزارعي اللؤلؤ على أن تكون العملية آمنة وخالية من الإجهاد سواء باستخدام أدوات دقيقة أو محاليل مخدرة لفتح الصدفة، أو عمل شق صغير دون التسبب في أي ضرر للمحار أو اللؤلؤة نفسها، إلا أن المؤشرات تقول إنَّه يبقى ما يقرب من ثلث إلى نصف الأعداد، بينما يُفقَد الباقون. لذا عادةً ما تُعّد عمليات حصاد اللؤلؤ مميتة.

كيف يمكن أن يشعر المحار بالألم؟

لا يوجد اتفاق نهائي بين العلماء بشأن قدرة المحار على الشعور بالألم، فهناك اقتراحات متباينة في هذا الصدد. حيث يشير البعض إلى أن اللافقاريات بشكل عام قد لا تشعر بالألم بنفس الطريقة التي نشعر بها نحن البشر. ومع ذلك، هناك أيضًا من يشير إلى أن لهذه الكائنات مجموعات صغيرة من الأعصاب أو العقد العصبية -حتى لو لم تكن كلها متصلة كالعقل -، إلا أنها تُمَكِنُها من الشعور بالألم. ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة لفهم قدرة المحار على الشعور بالألم بشكل أوضح. ومع بقاء الجدل قائمًا، فإن احترام ورعاية هذه المخلوقات وضمان رفاهيتها يظل أمرًا هامًا على أي حال.

وهكذا تنتهي رحلة المحار المذهلة، التي قد تبدو كحكاية صعبة ومؤلمة، ولكنها في حقيقة الأمر تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والإلهام. ففي قلبه المحطم وراء قشرته القوية، يَكمُن سر تحويل الألم إلى جمال لا يُقَدَّر بثمن. حيث يُعلمنا المحار أن الألم ليس نهاية المطاف، بل بداية لإبداع جديد وقصة تُروَى باللؤلؤ النفيس.

المصادر:

https://www.longsjewelers.com/blogs/estate/mythology-of-pearls

https://www.thejewelleryeditor.com/jewellery/article/history-of-pearls-pearl-jewellery-rings-earrings-necklaces/?fbclid=IwAR2tX1eSG-hTkEE3P0t_hTCmJH4iZLsK3jLlhz86sUUFpDTLeUsns6XMV74

https://eusharon.com/blogs/blogs/legends-of-pearls

https://www.hattonjewels.com/june-pearls/

https://www.fao.org/3/AB726E/AB726E00.htm

https://www.al.org.au/are-pearls-ethical

اظهر المزيد

عبير عثمان غانم

تخرّجت عام 2022 في كلية علوم الثروه السمكية، جامعة كفرالشيخ، تخصص التصنيع والبيوتكنولوجيا البحرية. متطوّعة في فريق الكتابة العلمية بمكتبة مؤسسة علماء مصر، وتطوعت سابقًا في مجال صناعة المحتوى العلمي وتبسيطه لغير المتخصصين من المتحدثين بالعربية، وتحديدًا في مجال علوم البحار والوعي البيئي. شغوفة بالقراءة والصحافة العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى