الموجة التكنولوجية الرابعة

وُلدت الطبيعة التكنولوجية للعصر الذي نعيشه الآن من رحم صناعة «أشباه الموصلات» (Semiconductor Industry)، والتي نشأت في ستينيات القرن الماضي وغيرت معها حياتنا للأبد. أقرب مقارنة لفهم عُمق التغير الحادث هو مقابلة أحوال العالم قبل وبعد اختراع الآلة البخارية.

الطبيعة التكنولوجية للعصر الحالي ليست تدريجية تمامًا، بل يمكن تقسيمها إلى مجموعة من «الموجات التكنولوجية» التي يستمر كل منها لفترة من الوقت تكون فيها تلك الموجة «حديث الساعة»، وبمرور الوقت تصل هذه الموجة لأقصى نقطة في تطورها، تختفي بعدها داخل الموجة التالية التي تكون قد بدأت بالفعل؛ ذلك لأن قابليتها للوصول إلى مستويات تقدم أعلى -وبالتبعية إحداث تغيير أكثر عمقًا- أكبر.

منذ سبعينيات القرن الماضي مر العالم بالموجات التكنولوجية التالية:

الموجة التناظرية

أشرطة تسجيل قديمة

بدأت في سبعينيات القرن الماضي واستمرت حتى بداية التسعينيات. وحينها كان يتحدث الجميع عن الأشكال الأولى للتليفزيونات ذات الحجم الكبير والمسجلات (أتَذكُرُ أشرطة التسجيل التي كنتَ تقوم بإعادة لفها عن طريق قلم؟) وذلك نتيجة التقدم في تصنيع الإلكترونيات التناظرية.

الموجة الرقمية الأولى

كان التحصل على كمبيوتر شخصي هوسًا في في فترة التسعينيات – مصدر الصورة

والتي تمثل النصف الأول مما نطلق عليه «الثورة الرقمية». بدأت منذ منتصف الثمانينيات واستمرت إلى ما بعد بداية الألفية الثانية بقليل. كان هوس الجميع في هذه الفترة هو «الكمبيوتر الشخصي» بلا منازع.

الموجة الرقمية الثانية

والتي تمثل النصف الثاني مما نطلق عليه «الثورة الرقمية». بدأت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي وسوف تستمر حتى ثلاثينيات هذا القرن (2030). هذا هو العصر الذي نعيشه الآن، عصر الإلكترونيات الاستهلاكية والشبكات. أنت لم تعد تتحدث عن الكمبيوتر الشخصي كمعجزة، انتهت تلك الفترة، أنت تتحدث عن الـ iPad والـ iPhone والـ Tablet وعن فرش الأسنان الذكية والمطبخ الذكي والمصنع الذكي والحمام الذكي (حمامات اليابان لا بد من استخدام دليل إرشادي قبل استخدامها!). ثم كل هذه الأجهزة متصلة بكل شيء عن طريق الإنترنت.

الموجة الرابعة: الروبوتات

بدأت هذه الموجة في أوائل الألفية الثالثة، وستبتلع الموجة الحالية تمامًا بحلول عام 2030. فبعد أن أصبح الحصول على الكمبيوتر الشخصي من المسلمات التي لا تستدعي أي نوع من التعجب، فإن كل الأجهزة التي نتفاخر بها الآن ستصل إلى نفس المصير، وسيكون حديث العالم لفترة غير محددة بعد ذلك عن شيء واحد: الروبوتات.

من الطبيعي أن يكون الحديث اليومي على هذه الشاكلة: كيف حال الروبوت المنزلي خاصتك؟ هل زرت الدكتور الروبوتي ER-16؟ فاتورته أرخص بكثير من الدكتور البشري فلان. ما هي النسبة المئوية للعمال البشريين في مصنعك؟ 15%! يا لك من متخلف! هل تعرف المدرسة الفلانية؟ الروبوت مدرس اللغات رائع، تستطيع تدريس 25 لغة، ابنتي تستمتع كثيرًا بها.

إن كنت تبتسم بسخرية أو عدم تصديق فهذا ليس له سوى تفسير وحيد: أنت تفكر بصورة خطيّة، بينما طبيعة التقدم التكنولوجي في العالم أُسِّية.

الفرق بين التفكير الخطي والتفكير الأسي بسيط؛ إذا كنت أود أن أعد 30 خطوة تمثل نمو التقدم التكنولوجي خلال السنوات بصورة خطية فسأعد 1، 2، 3… حتى أصل إلى 30 ضعف بعد ثلاثين خطوة من بداية العد، بينما إذا كنت أعد نفس الخطوات الثلاثين لكن بصورة أسية فسيكون العد 1، 2، 4، 16… ثم بعد 30 خطوة سنصل إلى مليار ضعف.

هل هناك دليل على هذا الكلام؟
نعم، الموبايل الذي في جيبك الآن. ثمن هذا الجهاز الصغير الذي تحمله في جيبك أقل مليون مرة من ثمن «الكمبيوتر الخارق» الذي كان بحجم طابقين في مقر MIT في ستينيات القرن الماضي، وقدرات المعالجة التي يحملها هذا الجهاز الصغير في جيبك هي ألف ضعف قدرات المعالجة لهذا الكمبيوتر الخارق، هذا يعني أننا نتحدث عن مليار ضعف على مستوى التحسن في السعر والكفاءة.

تنبَّه الكثيرون من الناس إلى هذه الحقيقة. بيل جايتس مثلًا مؤسس شركة مايكروسوفت وصاحب نبوءة أن الكمبيوتر سيتواجد في كل منزل، يخبرنا أنه بحلول العام 2020 سيكون هناك روبوت في كل منزل.

شركة جوجل، إحدى دعائم العصر الرقمي في وقتنا الحالي، تنبهت أيضًا إلى تلك الحقيقة، لذا فهي تعمل منذ فترة على تطوير سيارات روبوتية تقود نفسها ذاتيًا وتقف في إشارات المرور وتنتظر عبور الناس وتقود في الظلام… إلخ، دون أي تدخل بشري. في الحقيقة استطاعت هذه السيارة في شهر أغسطس 2012 أن تقطع مسافة 480 ألف كيلومتر دون حادثة واحدة، مع العلم أن متوسط عدد السيارات في أي لحظة زمنية حولها كان 12 سيارة.

وبما أن هذا ليس مرضيًا بما فيه الكفاية لجوجل، ولن يضمن لها سوقًا بالقوة الكافية في العصر القادم، فلقد علمنا منذ أيام أنها كانت تقوم سرًا بشراء عدة شركات ناشئة تعمل في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتحديدًا تم شراء سبع شركات حتى الآن تعمل في قطاعات متباينة في الروبوتات.

المصادر
Wikipedia: Fourth Industrial Revolution IEEE Spectrum: Google Acquires Seven Robot Companies, Wants Big Role in Robotics
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى