لقاحات الحمض النووي الريبي وأمل القضاء على الملاريا

بقلم: شروق عبد الحكيم

وصلت صناعة اللقاحات اليوم إلى مرحلة مذهلة من الدقة والسرعة، ويمكن اعتبار الثورة الحقيقية في تصنيع اللقاحات قد بدأت مع تطوير وطرح لقاحات كورونا الحديثة التي تعتمد على استخدام «الحمض النووي الريبي الرسول» (mRNA)، واليوم تتجه أنظار العالم إلى تكرار التجربة مع أمراض مختلفة.
في اليوم الثالث والعشرين من ديسمبر 2022 أعلنت شركة «بيو إن تِك» (BioNtech) بدء التجارب السريرية للمرحلة الأولى لتجربة لقاح الملاريا الجديد (BNT165b1)، المُعتمِد في تصنيعه على نفس تقنية لقاحات كورونا السابقة من نفس الشركة. ويعتقد المصنعون أن نسبة نجاحه ستصل إلى 80% أو أكثر.

الملاريا، ولماذا يصعب القضاء عليها؟


منذ اكتشاف الطفيليات المسببة للملاريا على يد العالم «ألفونس لافران» (Alphonse Laveran) قبل أكثر من قرنين من الزمان وحتى يومنا هذا، لم يُعثر بعد على علاج نهائي للملاريا، ولا زالت تعد وباءً من أحد أكبر مسببات الوفاة في الدول الأفريقية، خاصة بين الأطفال والرضع، وقد وصل عدد حالات الوفيات إلى 619 ألف في عام 2021.
يُرجِع البعض صعوبة القضاء على الملاريا إلى قدرات الطفيل التي تكسبه صفات يصعب معها تصنيع دواء أو لقاح ضده؛ منها:

  • أنه يعيش بداخل خلايا الجسم وليس طليقًا في دم الإنسان، مما يجعل مهاجمة خلايا الجسم المناعية له أمرًا صعبًا.
  • التنوع الجيني الشديد الذي يمر به الطفيل، مما يجعل نفس الدواء الذي أظهر فعالية في حالة مرضية لا يُظهر نفس الفعالية في حالة أخرى. ورغم وجود بعض الأدوية بالفعل لمواجهة هذا الوباء، إلا أنها جميعًا تواجه مشكلة مقاومة الطفيليات لها، مما يجعلها غير فعّالة.

وقد كانت هناك محاولات لصناعة لقاح يقضي على الملاريا للأبد، لعل من أكثر هذه المحاولات نجاحًا لقاح «آر تي إس، إس» (RTS,S) المُوصَى باستخدامه من قبل منظمة الصحة العالمية منذ أكتوبر 2021.
إلا أن هذا اللقاح، التقليدي في طريقة تصنيعه، لم تزد فعاليته عن 36%، كما أن الإصابة بالملاريا لا تزال واردة بعد إعطاء اللقاح. لهذا كان من الضروري إيجاد بديل أفضل.

لقاحات الحمض النووي الريبي


تمتاز لقاحات الحمض النووي الريبي الرسول عن اللقاحات التقليدية في أنها آمنة تمامًا، على عكس اللقاحات التقليدية التي تعتمد فعليًا على إدخال الميكروب إلى جسم الإنسان. كما يمكن إضافة بعض التعديلات على تركيب اللقاح بسهولة ليحاكي التغيرات الجينية للميكروب المستهدف، مما يضمن أن يكون ذا فعالية عالية في حالة طفيل الملاريا كثير التغير، كما سبق شرحه.
كما أنَّ تصنيعها غالبًا ما يكون أسهل وأقل تكلفة، مما يسرع من عملية إتاحة اللقاح للعامة والسيطرة السريعة على المرض. وهذا بالضبط ما رأيناه في حالة فيروس كورونا، وسرعة تصنيع اللقاح ضده.


الحمض النووي الريبي الرسول، هو مركب حيوي مهم في عملية تصنيع الخلايا للبروتينات، حيث يقوم مقام حلقة الوصل بين الحمض النووي للخلية (DNA) صاحب الأمر بتصنيع البروتين، وبين الجزيئات الأخرى خارج النواة التي تقوم فعلًا بعملية التصنيع.
تُحقَن مادة الحمض النووي الريبي الرسول للطفيل داخل جسم الإنسان لتفعل ما تفعله عادة؛ حيث تعطي خلايا الجسم الكود الخاص بتصنيع بروتينات من جسد الطفيل، لتقوم الخلايا الدفاعية عند الإنسان بعد ذلك بالتعرف على هذا البروتين وتكوين آليات دفاعية ضده. بهذا نحقق مناعة ضد أي ميكروب يحمل على سطحه نفس البروتين المحقون.


لقاح شركة «بيو إن تِك»


باستخدام التقنية السابق ذكرها، طورت شركة «بيو إن تِك» لقاحًا تنعقد عليه آمال كبيرة، بفعالية تزيد عن 75%، ويُتوقع أن يكون الحل النهائي للقضاء على وباء الملاريا في البلاد الأكثر تضررًا.
وقد صرحت شركة «بيو إن تِك» في بيان لها أنها تجهز لافتتاح مصنع لتصنيع اللقاح على أراضٍ أفريقية، وهو ما يعد بمثابة خطوة إضافية للتغلب على كثير من المشاكل أثناء نقل اللقاح من البلد المصنع إلى البلد المستفيد؛ كالحفاظ على درجات حرارة منخفضة للحمولة وهو أمر بالغ الأهمية في هذا النوع من اللقاحات، كما تساعد أيضًا على تقليل التكلفة النهائية للمستخدم بعد استبعاد تكلفة النقل، وهو ما يساعد على وصول اللقاح إلى أكبر عدد من المتضررين في البلاد الأفريقية الفقيرة.


لقاحات المستقبل


إلى جانب لقاح «بيو إن تِك» الجديد، يوجد لقاح آخر على نفس الشاكلة وبالتقنية نفسها، هو لقاح جامعة أكسفورد «آر 21» (R21) الذي يسبق لقاح شركة «بيو إن تِك» بخطوة في التجارب السريرية، وحتى الآن فإنه يحقق بالفعل نجاحات باهرة بنسبة فعالية تصل إلى 80%.
ومع إتاحة هذين اللقاحين معًا للاستخدام، يُتوقع أن يتحقق بالفعل هدف منظمة الصحة العالمية بالقضاء على جائحة الملاريا في خلال عام 2023 الجاري.
مرة أخرى نرى انتصارًا للعلم وقدرته على إنقاذ البشرية متى سنحت له الفرصة، ونرى أن ما حلم به بعض العلماء وطرحوه كفكرة ثورية عام 2018 للقضاء على الملاريا بهذه التقنية النظرية في ذلك الوقت، أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح واقعًا في المستقبل القريب.

المصادر:

1) https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/malaria

2) https://www.cdc.gov/parasites/malaria/index.html

3) https://investors.biontech.de/news-releases/news-release-details/biontech-initiates-phase-1-clinical-trial-malaria-vaccine#:~:text=BioNTech’s%20proprietary%20BNT165%20program%20is,clinical%20disease%20and%20disease%2Dassociated

4) Henry M. Staines, Sanjeev Krishna. Treatment and Prevention of Malaria: Antimalarial Drug Chemistry, Action and Use. 2012.

5) Riley, E., Stewart, V. Immune mechanisms in malaria: new insights in vaccine development. Nat Med 19, 168–178 (2013). https://doi.org/10.1038/nm.3083

6) Pardi, N., Hogan, M., Porter, F. et al. mRNA vaccines — a new era in vaccinology. Nat Rev Drug Discov 17, 261–279 (2018). https://doi.org/10.1038/nrd.2017.243

7) Laurens MB. RTS,S/AS01 vaccine (Mosquirix™️): an overview. Hum Vaccin Immunother. 2020 Mar 3;16(3):480-489. doi: 10.1080/21645515.2019.1669415. Epub 2019 Oct 22. PMID: 31545128; PMCID: PMC7227679.

8) Asante KP, Adjei G, Enuameh Y, Owusu-Agyei S. RTS,S malaria vaccine development: progress and considerations for postapproval introduction. Vaccine: Development and Therapy. 2016;6:25-32

9) Kanoi, B. N., Maina, M., Likhovole, C., Kobia, F., & Gitaka, J. (2022). Malaria vaccine approaches leveraging technologies optimized in the COVID-19 era. Frontiers in Tropical Diseases, 91.

10) Datoo, M. S., Natama, H. M., Somé, A., Bellamy, D., Traoré, O., Rouamba, T., … & Tinto, H. (2022). Efficacy and immunogenicity of R21/Matrix-M vaccine against clinical malaria after 2 years’ follow-up in children in Burkina Faso: a phase 1/2b randomised controlled trial. The Lancet Infectious Diseases, 22(12), 1728-1736.Baeza Garcia, A., Siu, E., Sun, T. et al. Neutralization of the Plasmodium-encoded MIF ortholog confers protective immunity against malaria infection. Nat Commun 9, 2714 (2018). https://doi.org/10.1038/s41467-018-05041-7

اظهر المزيد

شروق عبد الحكيم

شروق عبد الحكيم. كاتبة محتوى علمي. تخرّجت في كلية طب الأسنان عام 2022. تهتم بالعلوم والفلك بصفة خاصة وبتبسيطهما لغير المتخصصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى