الكربون الأزرق: البطل المجهول في قضية تغير المناخ

بقلم:عبير عثمان

يُعد تغير المناخ واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه كوكبنا اليوم، والتي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات على جبهات متعددة، بما في ذلك الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ووضع استراتيجيات للتكيف مع التغييرات التي تحدث بالفعل. ومن بين هذه الاستراتيجيات الكربون الأزرق، باعتباره أحد الأساليب المبتكرة والفعالة في مجال مكافحة تغيرالمناخ.

فما هو الكربون الأزرق؟

«الكربون الأزرق» هو ​​مصطلح جديد نسبيًا صِيغ في تقرير عام 2009 من قبل الأمم المتحدة ببرنامج البيئة «اليونيب» (UNEP)، وهو الكربون الذي يُخزَّن في المناطق البيئية الساحلية المغطاة بالنباتات مثل مروج الأعشاب البحرية، ومستنقعات المد والجزر، وغابات المنغروف.

ويعتبر الكربون الأزرق جزءً هامًا من دورة الكربون، حيث يُخزَّن الكربون الذي يُمتص من الغلاف الجوي في النباتات والطحالب والأنواع الحيوانية الأخرى التي تعيش في هذه المناطق، ويلعب الكربون الأزرق دورًا هامًا في توفير المواد الغذائية للحياة البرية، كما أنه يحافظ على جودة المياه ويحمي السواحل من الفيضانات وعوامل التعرية.

ويتدفق الكربون باستمرار بين أنظمة الأرض المختلفة، فيما يُعرف بدورة الكربون، حيث إن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من دورات الكربون:

دورة الكربون الجيولوجية: تتضمن حركة الكربون بين الغلاف الجوي للأرض والمحيطات والصخور على مدى ملايين السنين. يُطلَق الكربون في الغلاف الجوي نتيجة النشاط البركاني، ثُم يُزال من الغلاف الجوي ويُخزّن في الصخور في عملية تسمى التجوية. وتحدث هذه الدورة على نطاقات زمنية طويلة، وهي مسؤولة عن غالبية تخزين الكربون على الأرض.

دورة الكربون البيولوجية: تتضمن حركة الكربون بين الكائنات الحية والبيئة. تمتص النباتات الكربون في عملية التمثيل الضوئي ثم تنتقل إلى الحيوانات عبر السلسلة الغذائية. ويُطلق الكربون أيضًا في الغلاف الجوي نتيجة التنفس والتحلل. وتحدث هذه الدورة على نطاقات زمنية أقصر من دورة الكربون الجيولوجية، وهي مسؤولة عن دورة الكربون داخل النظم البيئية مثل الكربون الأزرق.

دورة الكربون البشري: تُعد دورة الكربون البشري ظاهرة جديدة نسبيًا في تاريخ الأرض وتُشير إلى حركة الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات فيتعطل توازن الكربون الذي كان من الممكن أن يظل مخزنًا في الأرض، ولكن يضاف إلى الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون، وهو غاز دفيء يحبس الحرارة ويسبب تغير المناخ.

كيف تعمل النظم البيئية للكربون الأزرق على عزل الكربون؟

  1. يُمتَص «ثاني أكسيد الكربون» (CO2) من الغلاف الجوي عن طريق الكائنات الحية الضوئية في النظم البيئية للكربون الأزرق، مثل الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف.

2. ثم يتم تحويل الكربون إلى مادة عضوية، التي تُخزَّن في النباتات، وعندما تموت العوالق النباتية، تسقط بقاياها في قاع البحر فتنشط الشعاب المرجانية والعديد من الكائنات الحية الأخرى في شبكة الغذاء البحرية التي تستخدم ثاني أكسيد الكربون المذاب في المحيط لتكوين أصداف وهياكل عظمية من كربونات الكالسيوم. وتُسمى هذه العملية بـ «مضخة الكربون البيولوجية» (Biological Carbon Pump)

3. أو تُحبَس المادة العضوية بعيدًا في رواسب المحيط، فتصبح مضغوطة أكثر فأكثر، وبمرور الوقت يؤدي هذا الضغط إلى تحويلها إلى كربون أزرق. يمكن أن يظل الكربون الأزرق مُخزنًا في الرواسب لعدة قرون أو حتى آلاف السنين، طالما ظل النظام البيئي سليمًا ولم تتأثر هذه الرواسب.

4. ونتيجة التغيرات المناخية والتدخلات البشرية التي تصيب هذه النظم الإيكولوجية البحرية، ينبعث هذا الكربون مرة أخرى في الغلاف الجوي والمحيطات على هيئة ثاني أكسيد الكربون.

5. بوجه عام، تعد مضخة الكربون البيولوجية في المحيط عملية معقدة تتضمن العديد من العوامل البيولوجية والفيزيائية المختلفة، وتتأثر بمجموعة متنوعة من الظروف البيئية، مثل درجة الحرارة، وتوافر المغذيات، ودوران المحيطات.

ما الذي يجعل النظم البيئية البحرية مختلفة عن نظيراتها الأرضية؟

  • تتمتع النظم البيئية الساحلية والبحرية ببعض الميزات الفريدة التي تُميزها عن نظيراتها الأرضية؛ حيث يمكنها امتصاص الكربون بمعدل أكبر خمسين مرة مقارنة بتلك الموجودة على الأرض، مع أن تغطيتها أقل من 3 ٪ من مساحة الغابات العالمية.
  • تشير الدراسات العلمية إلى أن أشجار المانجروف يمكنها امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ويقدر معدل امتصاصها بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4 أضعاف الغابات الاستوائية الرطبة.
  • يمكن للنظم البيئية للكربون الأزرق أن تدفن تحت الأرض كل عام كمية الكربون نفسها للغابات الأرضية، حتى المحيط المفتوح لا يمكن أن يضاهي قدرات هذة النظم على امتصاص الكربون.
  • على الرغم من أن الموائل الساحلية لا تشكل سوى قرابة 2 ٪ من مساحة سطح المحيط، إلا أنها مسؤولة عمّا يقرب من نصف الكربون المُحتجز في الرواسب البحرية.
  • أن النظم البيئية للكربون الأزرق تحبس الرواسب والمواد العضوية مثل نفايات الأوراق في جذورها وتسمح لهذا الكربون بالتراكم في قاع البحر، وخير مثال على ذلك هو مرج الشعاب المرجانية في قاع البحر قبالة سواحل إسبانيا، الذي تراكمت فيه رواسب كربونية بسمك 35 قدمًا على مدى 6000 عام.
  • على النقيض من ذلك تمامًا، تحتجز أشجار الغابات الكربون وتخزّنه على مدار حياتها، لكن في نهاية دورة حياتها تموت الشجرة وتطلق الكربون مرة أخرى في الغلاف الجوي أثناء عملية التحلل.

يلعب المحيط دورًا لا يقدر بثمن في التقاط «ثاني أكسيد الكربون» (CO2) من الغلاف الجوي، حيث يستوعب ما بين 5 إلى 12 مليار طن سنويًا. ونظرًا لمحدودية البحث، فإن العلماء ليسوا متأكدين بالضبط من كمية الكربون التي يلتقطها ويخزنها المحيط كل عام، أو كيف ستؤثر زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على هذه العملية في المستقبل. كما أن المناطق الساحلية الرطبة تعاني من تدهور البيئة وتراجعها بدرجة كبيرة نتيجة التدخلات البشرية، مثل التنمية الساحلية والتلوث والصيد الجائر مما يؤدي إلى تحرر الكربون الأزرق المُخزَّن فيها.

باختصار، يمكننا القول إن الكربون الأزرق ليس تقنية أو أداة محددة، بل هو مصطلح يستخدم لوصف مجموعة من الأنشطة والاستراتيجيات التي تهدف إلى الحفاظ على النظم البيئية الساحلية والبحرية وتنفيذ ممارسات الإدارة المستدامة لمنع المزيد من فقدان هذه النظم البيئية، ومحاولة استعادتها لتعزيز قدرتها على عزل الكربون ومن ثَمَّ التخفيف من آثار تغير المناخ، وتحسين المرونة الساحلية، ودعم التنوع البيولوجي وصحة النظام البيئي.

المصادر:

1) https://climeco.com/blue-carbon-101/

2) https://www.icef.go.jp/pdf/summary/roadmap/icef2022_roadmap_Blue_Carbon.pdf

3) https://www.whoi.edu/know-your-ocean/ocean-topics/climate-weather/ocean-based-climate-solutions/blue-carbon/

4) https://oceanservice.noaa.gov/facts/bluecarbon.html

5) https://www.nature.com/articles/s43017-021-00224-1

6) https://www.sciencedirect.com/topics/earth-and-planetary-sciences/biological-pump

7) https://www.whoi.edu/press-room/news-release/the-500-billion-question-whats-the-value-of-studying-the-oceans-biological-carbon-pump/

اظهر المزيد

عبير عثمان غانم

تخرّجت عام 2022 في كلية علوم الثروه السمكية، جامعة كفرالشيخ، تخصص التصنيع والبيوتكنولوجيا البحرية. متطوّعة في فريق الكتابة العلمية بمكتبة مؤسسة علماء مصر، وتطوعت سابقًا في مجال صناعة المحتوى العلمي وتبسيطه لغير المتخصصين من المتحدثين بالعربية، وتحديدًا في مجال علوم البحار والوعي البيئي. شغوفة بالقراءة والصحافة العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى