باطن الأرض الثائر: لماذا تزداد الزلازل؟

بقلم: شروق عبدالحكيم

عانت بعض دول العالم من الآثار المدمرة للزلازل في الآونة الأخيرة، وامتلأ العالم بأخبار الكوارث الطبيعية وبعض المحاولات لفهم التغيرات الطارئة والتأقلم معها، وانتشرت حالة ذعر نتيجةً لزعم البعض أن الوتيرة غير مسبوقة لحدوث الزلازل، فهل ازدادت أعداد الزلازل عالميًا بالفعل؟ وهل علينا أن نستعد للأحداث الطارئة في المستقبل القريب؟

خلال العقد الماضي فقط، تم رصد ما يتعدى 134,257 زلزالًا تبلغ شدته 4 درجات فأكثر على مقياس الزلازل عالميًا، بآثار تدمير تتخطى مليارات الدولارات والخسائر في الأرواح التي لا تُقدَّر بثمن. أليس هذا عددًا كبيرًا من الزلازل؟

/Graph from Statista.com, original data from USGS https://www.usgs.gov

زلازل يومية

للإجابة عن السؤال الذي يدور في أذهاننا عمَّا إذا كانت معدلات حدوث الزلازل في ازدياد أم لا، علينا أولًا معرفة المعدل الطبيعي لحدوث الزلازل سنويًا، ومعرفة أسباب حدوثها، وما إذا كان هناك شيء قد اختلف في هذه المسببات.

لفهم طبيعة ومعدل حدوث شيء ما، علينا دراسة تاريخه ورؤية الأنماط في حدوثه منذ بدايته. تكمن المشكلة فيما يتعلق بالزلازل في كوننا -نحن البشر- لا نزال سكانًا جُدُدًا نسبيًا للأرض على مر تاريخها، ناهيك عن أدوات القياس التي نستخدمها لقياس حدوث تلك الزلازل والتي تطوَّر معظمها فقط خلال القرن الماضي.

أما الزلازل فهي موجودة منذ نشأة الكوكب وتكوينه، لذا فإن أية محاولة للقياس هي بطبيعة الحال محاولة قاصرة؛ تركز فقط على تاريخ البشر بالغ الحداثة. هذه نقطة من الأساسي فهمها عند الحديث عن «المعدل الطبيعي» لشيء كالزلازل؛ فنحن لا نعرف قطعًا ما هو المعدل الطبيعي، لكن ما نعرفه هي البيانات المتوفرة لدينا منذ بداية عملية القياس.

وبناءً على البيانات من مركز المعلومات الدولي للزلازل، فإن الزلازل الصغيرة تحت مقياس 6 ريختر تحدث بمعدل مئات المرات يوميًا، أما الزلازل الكبيرة البالغة 7 ريختر فأكثر فإنها تحدث بمعدل أكثر من مرة واحدة شهريًا، والزلازل المدمرة بمقياس 8 فأكثر تلك تحدث بما يعادل أكثر من مرة سنويًا. بالتالي، من الطبيعي التصور أن هناك زلزالًا يحدث في مكان ما بالعالم في أية ثانية.

ولكن كيف تقاس الزلازل؟

بدأت المحاولات الأولى لقياس وتسجيل الزلازل في الصين القديمة عام 132 بعد الميلاد، عندما طوَّر «تشانج هينج» (Zhang Heng) أول جهاز سيزموغراف، وقد كان جهاز قياس عتيقًا ذا شكل أسطوري، حيث يتكون من جرَّة تخرج منها رؤوس ثمانية تنانين تحمل في أفواهها كرات معدنية، ويقابلها ثمانية ضفادع تفتح أفواهها استعدادًا لتلقي تلك الكرات عند سقوطها. وعلى الرغم من الفاصل الزمني الكبير بين ما صنعه تشانج هينج وبين أدوات القياس الحالية، فإنه أمر غير قابل للشك كم هو دقيق هذا الجهاز الأسطوري.

صورة توضح مقياس تشان هينج للزلازل
Mary Evans Picture Library Ltd/age fotostock

منذ مقياس الصين القديمة، ظهرت عدة محاولات لقياس الزلازل، كانت جميعها تعتمد على نفس الفكرة البسيطة، وهي إحساس الجهاز بالاهتزازات والاضطرابات في باطن الأرض والتي تؤدي إلى تحرك جسم معلق في الجهاز كالبندول في شكل حركة اهتزازية، ثم تسجيل هذه الحركة وتمثيلها رياضيًا وبيانيًا.

بعد آلاف السنين، ظهر مقياس ريختر؛ مقياس يعتمد على نفس فكرة العمل السابقة، لكنه كان أول من استخدم تمثيلًا أُسِّيًّا للبيانات الواردة للتسهيل من عملية التسجيل، ولا زالت معادلاته تُستخدَم حتى اليوم ويُعتمد عليها في تحليل البيانات الواردة من المقاييس المختلفة.

تطور أجهزة القياس وشبكات الرصد

حاليًا تستخدم معظم المراصد «مقياس درجة العزم» (Moment Magnitude Scale)  لتسجيل الزلازل، وهو مقياس تم تطويره في السبعينيات ليكون بديلًا أكثر دقة وأوسع استخدامًا من مقياس ريختر والمقاييس المشابهة. يقيس مقياس درجة العزم مقدار تزحزح الفوالق الناتجة عن الزلزال مع حجم الفالق الكلي، وباستخدام معادلة خاصة به نحصل على رقم كالذي نحصل عليه من مقياس ريختر ليكون سهل الفهم. 

تدل المقاييس من نوعية مقياس ريختر أو مقياس درجة العزم على حجم الزلزال؛ أي مقدار الطاقة المنبعثة نتيجةً لاهتزاز الأرض. بينما توجَد أنواع أخرى من المقاييس توضح شدة الزلزال؛ أي مقدار الدمار الذي خلفه حدوث هذا الزلزال.

اليوم هناك المئات -بل والآلاف- من أجهزة القياس هذه، والتي تُشكِّل فيما بينها شبكة ضخمة لرصد أي اهتزازات أرضية في أي مكان على الأرض، وتعمل هذه الشبكات كوحدة واحدة تتناقل البيانات فيما بينها وتساهم كل منها في دقة رصد الأخرى. من هذه الشبكات الرصدية العالمية: «الشبكة العالمية لرصد الزلازل» (Global Seismographic Network)، و«نظام المراقبة الدولي» (International Monitoring System).

هل تزداد أعداد الزلازل على الأرض؟

في حالة كان السؤال ما يزال قائمًا، فإن الإجابة المختصرة هي “لا”؛ يرى العلماء أن العدد الإجمالي للزلازل والهزات الأرضية لم يتغير، مع القول بوجود أوقات من زيادة النشاط وأوقات من قلته، وهو ما يُعتبَر أمرًا طبيعيًا كذلك. ولكنهم يُرجِعون أسباب الإحساس بهذا التغير إلى عدة عوامل، وهي:

أولًا: تطور عملية القياس؛ فما كان يمكن أن يمر من هزات دون الشعور بها، تجد له الآن شبكة عالمية لرصد أضعف الحركات الأرضية وأقواها. لذا، يمكن القول بأن ما زاد فعلًا هو إدراكنا لحدوث كل تلك الزلازل التي كانت تحدث على كل حال.

ثانيًا: سهولة التواصل بين مختلَف بقاع الأرض؛ فأخبار وقوع زلزال ما في بعض الجزر في المحيط الهندي صارت تصل لك موثَّقة بالصور وأشكال الدمار بضغطة زر صغيرة، وأحيانًا بلا ضغط منك. وسهولة نقل الأخبار بهذا القدر وبهذه التفاصيل تُشعِرك دائمًا أنك في منتصف الحدث، وتساهم في الإحساس الجمعي بزيادة معدل الزلازل والكوارث الطبيعية بشكل عام. يمكنك حتى الوصول لبيانات لحظية عن وقوع أي زلزال في أي مكان على الأرض من خلال مواقع مثل «هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية» (USGS).

ثالثًا: عامل مهم وهو الزيادة السكانية، وزيادة الاستعمار العمراني لأماكن كانت لوقت طويل غير مأهولة بالبشر، ويمكن تعليل ذلك بأننا -نحن البشر- مَن ذهب خلف أماكن حدوث الزلازل في مختلَف بقاع الأرض لنسكنها ونقيم المنشئات بها. والحقيقة أننا لا نهتم لحدث الزلزال نفسه وإنما نهتم لآثاره على البشر والمنشآت وكمية الدمار التي يخلفها؛ فعدد الزلازل لم يزدد وإنما ما ازداد هو كَم الدمار الذي تخلفه الزلازل للمنشآت وللأشخاص.

الأمر الأخير هو التحيز المعرفي تجاه المعلومات والأخبار التي نتلقاها؛ فأنت لن تتذكر ولن تهتم لأخبار تفيد بعدم حدوث الزلازل أو تراجع معدلاتها في مكان ما، ولكنك بالتأكيد ستهتم عند حدوث أي اطراد في عدد الزلازل التي تضرب منطقة ما خلال مدة زمنية قصيرة، فيما يُعرَف بـ«التجمعات الزلزالية» (Earthquake Clusters)؛ وهو ما يفسر اهتمام الناس وقلقهم المتزايد عند استشعارهم لأي زيادة في معدلات حدوث الزلازل، مع تذكرهم لتبعاتها السلبية وآثارها المأساوية، بالرغم من الثبات النسبي لتلك المعدلات على المدى الطويل.

في النهاية… فإن الأحداث والكوارث الطبيعية دائمًا ما كانت مرافقِة للكوكب منذ بداية تكوينه وكتابة تاريخه، وستستمر بهذه الشكل ما دامت الأرض. وعلينا -نحن السكان الجُدُد- للكوكب أن نتعلم كيف نتعايش معها ونتقبل حدوثها.

المصادر:

1) Lists, Maps, and Statistics | U.S. Geological Survey (usgs.gov)

2) How Often Do Earthquakes Occur?- Incorporated Research Institutions for Seismology (iris.edu)

3) Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2023, January 1). Zhang Heng. Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/biography/Zhang-Heng

4) Moment magnitude, Richter scale – what are the different magnitude scales, and why are there so many? | U.S. Geological Survey (usgs.gov)

5) How are Earthquakes Measured? Magnitude & Intensity Scales | CEA (earthquakeauthority.com)

6) Is Earthquake Activity Increasing? (bgs.ac.uk)

7) IRIS: Frequently Answered Question

اظهر المزيد

شروق عبد الحكيم

شروق عبد الحكيم. كاتبة محتوى علمي. تخرّجت في كلية طب الأسنان عام 2022. تهتم بالعلوم والفلك بصفة خاصة وبتبسيطهما لغير المتخصصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى