الأخطبوط كائن من كوكب آخر

بقلم: أحمد علاء الدين نوح

هل تساءلت من قبل عن شكل وهيئة الكائنات الفضائية -إذا وُجِدت- في هذا الكون؟! تناولت العديد من الأفلام وقصص الخيال العلمي هذا السؤال أو الطرح، حيث ظهرت الكائنات الفضائية ككائنات ذات أطراف مَلْأَى بالمجسات الزلِقة مثل حيوان الأخطبوط؛ فهو واحد من الكائنات فائقة الذكاء ولديه العديد من الصفات الغريبة التي تؤهله ليكون كائنًا من كوكب آخر بامتياز.

فما هو الأخطبوط؟

«الأخطبوط» (Octopus) كائن بحري من شعبة «الرخويات» (Mollusks)، وهي تابعة لطائفة «رأسيات الأرجل» (Cephalopods). وللأخطبوطيات ثمانية «مجسات» (Tentacles) طويلة على هيئة لوامس مليئة بالماصات.

الأخطبوط وعالم من العجائب

الأخطبوط من أكثر الكائنات البحرية شهرة؛ فهو معروف بذكائه، وقدرته الخارقة على الاندماج والاختفاء ببراعة في محيطه، بالإضافة إلى أسلوبه المميز في الحركة، وقدرته على نفث الحبر. لكن، هل تعلم أن للأخطبوط ثلاثة قلوب وتسعة أدمغة؟!

نعم، ما قرأته صحيح؛ يمتلك الأخطبوط ثلاثة قلوب بالفعل، حيث يعمل اثنان منهم لنقل الدم إلى ما وراء الخياشيم، أما القلب الثالث فيحافظ على تدفق الدم إلى بقية الأعـضاء في جسم الأخطبوط. لعلك تتساءل، لماذا يكون للأخطبوط ثلاثة قلوب؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب معرفة أن الأكسجين ينتقل في دم الأخطبوط وأغلب الحيوانات اللافقارية باستخدام «الهيموسيانين» (Hemocyanin) الغني بالنحاس مما يعطي الدم اللون الأزرق، وهو على عكس «الهيمـوجلوبين» (Hemoglobin) الغني بالحديد المتوفر في جسم الإنسان؛ فالهيموسيانين أقل كفاءة من الهيموجلوبين في نقل الأكسجين في درجات الحرارة العادية مما يتطلب جهدًا أكبر لنقل الأكسجين، لذلك يحتاج الأخطبوط إلى أكثر من قلب.

أما عن أدمغته التسعة، فهناك «دماغ مركزي» (Central Brain) مسؤول عن جميع عمليات التحليل وصنع القرار، بينما الأدمغة الثمانية الأخرى -أو بمعنى أدق- «العقد العصبية» (Ganglia) تساعد في توجيه وتحريك كل ذراع من الأذرع الثمانية. ويبلغ عدد «الخلايا العصبية» (Neurons) في الأخطبوط نحو 500 مليون خلية عصبية، وتحتوي الأذرع الثمانية على ثلثي تلك الخلايا.

التكاثر، وأحادية الإنجاب، والموت المبرمج

تُعرَف الأخطبوطات بأنها «أُحادِيَّةُ الإِنْجَاب» (Semelparous)، أي أنها تتكاثر مرة واحدة فقط، حيث تموت أنثى الأخطبوط عندما تضع بيضها. وتعد حياة أنثى الأخطبوط قصيرة جدًا؛ فهي تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات، وتكرس هذه الفترة القصيرة لتربية الجيل الجديد القادم.

يحدث التزاوج عن طريق الذكر الذي تحتوي إحدى أذرعه على طرف خاص أو عضو التكاثر المُسمى «هيكتوكوتيلس» (Hectocotylus)، الذي يُستخدَم لنقل الحيوانات المنوية إلى قناة الأنثى، ويموت الذكر بعد التزاوج بفترة وجيزة، وتبحث الأنثى عن مكان مناسب للعش أو العرين لتضع البيض المُلقَّح فيه. وتختلف أعداد البيض بناءً على نوع الأخطبوط، حيث يمكن أن تصل إلى مئات الآلاف من البيض. وتعمل الأم على الاهتمام بالبيض وحراسته وتنظيفه بأطراف أذرعها حتى يفقس، ثم تموت بعد ذلك بفترة وجيزة في مفارقة مثيرة تاركة وراءها جيلًا كاملًا جديدًا.

كان السبب الرئيسي المعروف لموت أنثى الأخطبوط هو عدم حصولها على أي تغذية في تلك الفترة الطويلة، إلا أن دراسة جديدة أُجريت في عام 2022 ونُشِرت في مجلة «علم الأحياء المعاصر» (Current Biology) أثبتت عكس ذلك؛ ففي هذه الدراسة اكتسب العلماء فهمًا أفضل للعمليات الكيميائية الحيوية التي تسبق وفاة إناث الأخطبوطات بعد وضعها للبيض، حيث وجد الباحثون تغيرات في سلسلة من المسارات الكيميائية الحيوية التي قد تكون مسؤولة عن التدمير الذاتي للحيوان. يؤدي أحد هذه التغيرات إلى زيادة في هرمون «7- دِيهيدروكوليسترول» (7-Dehydrocholesterol, 7-DHC)، وهو مقدمة هرمونية للـ«كوليسترول» (Cholesterol)، ووجدت الدراسة أيضًا ثلاثة مسارات كيميائية تزيد من «الهرمونات الستيرويدية» (Steroid Hormones) بعد التكاثر.

وقد أوضحت «زي يان وانغ» (Z. Yan Wang) -صاحبة الدراسة، وعالمة الأحياء الجزيئية، وأستاذة علم النفس في جامعة واشنطن- قائلة: “نعلم أن الكوليسترول مهم جدًا من المنظور الغذائي، ويدخل ضمن أنظمة الإشارات المختلفة في الجسم، إذ يشارك الكوليسترول في كل شيء تقريبًا، بدءًا من مرونة أغشية الخلايا وانتهاءً بإنتاج هرمونات التوتر والضغط، ولكن كانت مفاجأة كبيرة أن نعرف أنه يلعب دورًا في دورة حياة الأخطبوطات”.

توجَد هذه المسارات المُنتِجة للكوليسترول في الثدييات والقوارض والبشر أيضًا، وتكون المستويات المرتفعة لهرمون (7-DHC) سامة، وترتبط باضطراب وراثي يُسمَّى «متلازمة سميث ليملي أوبيتز» (Smith-Lemli-Opitz Syndrome, SLOS)، فعند حدوث طفرة في الإنزيم الذي يحول هرمون (7-DHC) إلى كوليسترول، يُسبب ذلك اضطرابًا جينيًا في عملية استقلاب الكوليسترول، مما يمكن أن يؤدي إلى سلوك ضار يشمل إيذاء النفس المتكرر واضطرابات التغذية، وقد تكون الحالات الشديدة منها مهددةً للحياة، وهذا ما يحدث للأخطبوطات بعد التكاثر وفقس البيض.

                                                                                
الأخطبوط والهروب التكتيكي عند الخطر

عندما يشعر الأخطبوط بالخطر والتهديد من الحيوانات المفترسة، يُطلق أو ينفث سحابة سميكة وكثيفة من الحبر الأسود، وتتكون في المقام الأول من «الميلانين» (Melanin)، وهي نفس الصبغة التي تعطينا لون بشرتنا وشعرنا. ليست هذه السحابة مجرد حاجز يعطي مساحة لهروب الأخطبوط دون أن تلاحظه الحيوانات المفترسة؛ بل إنها تتداخل وتحجب حاسة الشم لهذه المفترسات أيضًا مهما كانت حاسة الشم لديها قوية، كأسماك القرش القادرة على شم قطرات الدم القليلة من على بُعد مئات الأميال.

فصائل الأخطبوط وأخطر أنواعه

من الجدير بالذكر وجود قرابة 300 نوع من الأخطبوطات في جميع المحيطات والبحار، ويعيش معظمها في قيعان البحار، إلا أن البعض يعيش بالقرب من سطح الماء. وتتغذى الأخطبوطات في الغالب على الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى مثل «السرطان» (Crab)، و«الروبيان» (Shrimp)، و«الرخويات» (Mollusks).

أشهر أنواع الأخطبوطات وأخطر أنواعها هو «الأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء» (Blue-Ringed Octopus)، الذي يصل متوسط طوله إلى نحو 15 سنتيمترًا. ومع أن معظم الأخطبوطات كائنات «سامة» (Venomous) بطبيعتها، إلا أن للأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء وضعًا خاصًا، حيث تصل قوة سميته إلى 1000 مرة مقارنةً بسُم «السيانيد» (Cyanide)، والسم الذي يحتوي على مادة «التيترودوتوكسين» (Tetrodotoxin) في «سمكة الينفوخ» (Pufferfish)، ويمكن لسم هذا الأخطبوط أن يقتل 26 إنسانًا بالغًا خلال دقائق.

يقوم هذا السم بمنع الإشارات العصبية في جسم الإنسان، مما يسبب تخدر وشلل العضلات الذي قد يؤدي في النهاية إلى الاختناق، كما أن هناك بعض الأعراض الأخرى مثل العمى المؤقت والدوار، ويحتاج مَن تعرَّض للَّدغ أو العض إلى مساعدة طبية عاجلة قد تصل إلى التنفس الاصطناعي حتى تهدأ آثار السم. لا يوجد أي «ترياق» (Antidote) لهذا السم حتى الآن، لكنه نادرًا ما يسبب الوفاة؛ فلم يُوثَّق إلا عدد قليل من الوفيات الناتجة عن لدغة الأخطبوطات ذات الحلقات الزرقاء في جميع أنحاء العالم.

كيف يمكنك تجنب لدغة الأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء؟

ليست الأخطبوطات ذات الحلقات الزرقاء كائنات عدوانية؛ فهي تتجنب المواجهة عن طريق تسطيح أجسادها قدر الإمكان، ويمكن أن تلدغك فقط إذا خطوتَ عليها أو استفززتَها. فإذا رأيت هذا الأخطبوط، فتراجَع ودَعه وشأنه، وإذا كنت في منطقة معروفة بتواجُده فيها، فتجنب وضع يديك في الشقوق أو الأصداف إذا لم تتمكن من رؤية ما بداخلها.

المصادر:

  1. https://oceanconservancy.org/blog/2017/03/13/the-blue-ringed-octopus-small-but-deadly/
  2. https://a-z-animals.com/blog/how-many-brains-does-an-octopus-have/
  3. https://kids.nationalgeographic.com/animals/invertebrates/facts/octopus
  4. https://www.dkfindout.com/uk/animals-and-nature/squid-snails-and-shellfish/blue-ringed-octopus/
  5. https://www.nwf.org/Educational-Resources/Wildlife-Guide/Invertebrates/Octopuses
  6. https://www.thoughtco.com/fascinating-octopus-facts-4064726
  7.  Blue-Ringed Octopus Bite: What Causes It, and How It’s Treated (webmd.com)
  8. Blue-Ringed Octopus Bite Symptoms and Emergency First Aid (healthline.com)
  9. https://www.sciencealert.com/scientists-close-in-on-why-octopuses-tragically-destroy-themselves-after-mating
اظهر المزيد

أحمد علاء الدين نوح

تخرّجت عام 2014 في كلية العلوم، جامعة الإسكندرية، تخصص الأحياء الجزيئية والكيمياء. متطوّع في فريقي دار والمكتبة بمؤسسة علماء مصر، ومتطوع أيضًا في مجال صناعة وكتابة المحتوى العلمي وتبسيطه. شغوف بكل ما يخص العلوم، وتحديدًا علم الأحياء. ومؤسس وصانع محتوى صفحة «معلومة 101» على موقع فيسبوك، ومن هواياتي القراءة ومتابعة الأخبار العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى