القفص الصدري البلَّوري: تقنية واعدة تُتيح فهمًا أعمق للأمراض الرئوية

تمكن فريق بحثي تابع لـ«جامعة بوسطن» (Boston University) الأمريكية من تطوير تقنية معملية تساعد على متابعة تطور الأمراض الرئوية. تسمح الأداة المُسمَّاة «القفص الصدري البلَّوري» (Crystal Ribcage) بتصوير الرئة على مستويات متعددة لمتابعة الوظائف الرئوية، سواءً على مستوى العضو ككُل أو على مستوى الخلية المفردة، وذلك تبعًا للدراسة التي نُشِرت في دورية «نيتشر ميثودز» (Nature Methods).

أهمية وخطر

تمثل الرئتان الأعضاء الرئيسية في الجهاز التنفسي، حيث إن الوظيفة الرئيسية لـ«النظام الرئوي» (Pulmonary System) هي استخلاص الأكسجين من البيئة المحيطة بالكائن ثم تصديره إلى البيئة الخلوية. تستخدم الخلايا الأكسجين للقيام بعملية «التنفس الهوائي» (Aerobic Respiration) لإنتاج مركبات الـ«أدينوسين ثلاثي الفوسفات» (Adenosine Triphosphate, ATP) التي تمثل العملة الرئيسية للطاقة المُتداوَلة ما بين الخلايا الحية.

تتعرض الرئتان بشكل دائم للاعتلال من نواحٍ متعددة، وأسبابه: الإجهاد الميكانيكي المستمر الناتج عن حركة الهواء أثناء التنفس (إذا صاحبه مرض رئوي ما)، وأيضًا العوامل البيولوجية والمناعية؛ حيث تمثل الرئتان بؤرة للعديد من الأمراض الفتاكة، وتشمل: الأورام السرطانية الأولية (التي تنمو من نفس خلايا العضو) والثانوية (التي تتفشى خارج العضو الأصلي)، والتليف الرئوي، والالتهابات الرئوية، بالإضافة إلى الربو.

إن فهم العلاقة المعقدة ما بين التركيب والوظيفة التي تقوم بها الرئة -ومحاولة فهم التغيرات التي تطرأ عليها، وخاصةً في المراحل المرضية الأولى- يتطلب توصيفًا دقيقًا، ليس على مستوى العضو فقط؛ بل وعلى مستوى الخلية أيضًا.

التحدي

دراسة الرئتين بشكل عام تواجه بعض العوائق، مثل وجود القفص الصدري والحركة المستمرة، ولذلك فإن دراسة الوظائف الرئوية على المستوى الخلوي في الوقت الآني تمثل تحديًا بالنسبة للباحثين.

تعجز «طرق التصوير السريري» (Clinical Imaging Modalities) -والتي تضم «التصوير بالرنين المغناطيسي» (Magnetic Resonance Imaging, MRI)، و«التصوير المقطعي المُحوْسَب» (Computed Tomography, CT)، وغيرها- عن دراسة الوظائف الرئوية على المستوى الخلوي في نطاق محدد أثناء عمل الرئتين.

أما الطرق الهستولوجية، فهي توفر لنا مجرد لقطة من حياة العضو المستهدف للدراسة، ولا يمكنها تتبع التغيرات الطارئة عليه مع مرور الوقت، وذلك لأن العضو قد مات بالفعل بسبب المواد الكيميائية المستخدمة في هذه التقنية.

طريقة جديدة وعقبة جديدة

صمم الفريق منصة القفص الصدري البلَّوري -كما أطلقوا عليها- التي مكَّنتهم من تصوير سطح رئة الفئران المستخدمة للدراسة على المستوى العضوي أو الخلوي في حيز معين، وفي نفس الوقت أثناء قيام الرئة بوظيفتها، فيما يُعرَف بـ«الاستبانة المكانية الزمانية» (Spatiotemporal Resolution).

القفص الصدري البلَّوري نموذج شفاف يشبه القفص الصدري المُتعارَف عليه من حيث شكل التجويف، يتميز هذا النموذج بأنه متوافق بيولوجيًا لدراسة الرئة خارج جسم الكائن الحي المستخدم للدراسة، ويوفر البيئة الفسيولوجية المناسبة حيث تتمكن الرئة من القيام بوظائفها خارج الجسم. صُنِع القفص الصدري البلَّوري بخصائص تحاكي القفص الصدري الطبيعي لتوفير بيئة شبه طبيعية، وهذا حتى لا تؤثر على الوظائف الخاصة بالرئة.

Credit: Biomedical Engineering department, Boston University
صورة توضح الرئتين داخل القفص الصدري البلَّوري أثناء التصوير في أوضاع مختلفة باستخدام «المجهر متحد البؤرة» (Confocal Microscopy)

تم بناء النماذج عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث تتوافق مع حجم رئتي الفئران المستخدمة في الدراسة، وذلك عن طريق فحص التجويف الصدري لكل فأر باستخدام التصوير المقطعي المُحوْسَب.

أثمرت هذه التقنية نتائج جيدة، إلا أنها تواجه بعض التحديات المرتبطة بنظام التصوير في بعض الحالات المرضية التي تمتلئ فيها الحويصلات الهوائية بالماء، مثل مرض «الاستسقاء» (Edema). يرجع ذلك إلى اختلاف حيود الضوء بين الوسطين: المائي والهوائي؛ حيث يقلل امتلاء الحويصلات الهوائية بالماء من انتشار الضوء، مما يؤدي إلى انخفاض جودة الرؤية.

تطبيقات و آثار طبية جديدة

Credit: Biomedical Engineering department, Boston University
صورة توضح الخلايا السرطانية في الرئة (اللون الوردي) محاطة بحِزم من بروتين الكولاجين (اللون الأخضر)

ساعد استخدام هذه التقنية في دراسة عدد من الأمراض الرئوية على نماذج الفئران، منها: سرطان الرئة، والتليف الرئوي، وكذلك انتفاخ الرئة. وقد تتبَّع الفريق التغيرات الوظيفية الناجمة عن تطور وانتشار المرض في الرئتين، والذي يؤثر على عملية التنفس وسريان الدورة الدموية خلال الرئة.

تحمل هذه التقنية عدة تطبيقات تساهم في تحسين حياة الإنسان، وستتجلى هذه المساهمة في تسهيل دراسة الأمراض الرئوية، ومتابعة أدق التغيرات الفسيولوجية على مستوى الخلية، والتي ستساهم بدورها في توفير رؤى لاستراتيجيات جديدة للعلاج.

المصادر

1) Banerji, R., Grifno, G. N., Shi, L., Smolen, D., LeBourdais, R., Muhvich, J., Eberman, C., Hiller, B. E., Lee, J., Regan, K., Zheng, S., Zhang, S., Jiang, J., Raslan, A. A., Breda, J. C., Pihl, R., Traber, K., Mazzilli, S., Ligresti, G., … Nia, H. T. (2022). Crystal Ribcage: A Platform for Probing Real-Time Lung Function at Cellular Resolution in Health and Disease. https://doi.org/10.1101/2022.10.28.514251

2) Physiology, Lung – statpearls – NCBI Bookshelf. (n.d.). https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK545177/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى