أدب الخيال العلمي وتداخله مع الكتابة العلمية – حوار خاص مع كاتب الخيال العلمي ياسر أبو الحسب

بقلم: احمد نوح

يُعدُّ مجال الأدب والكتابة من أهم المجالات في العالم، وذو تأثير بالغ على المجتمعات فكريًا وأخلاقيًا، وقد يكون هذا التأثير إيجابيًّا أو سلبيًّا، وتتنوع ألوان الأدب وتتمايز في حضورها وتأثيرها وأهميتها، لكن عند الحديث عن مجال أدب الخيال العلمي نجد فجوةً وعجز واضح للعيان في وطننا العربي.

وإيمانًا منَّا بوجود الكفاءات في كل من بلدنا مصر وعالمنا العربي في كل المجالات، يسلط حوارنا اليوم الضوء على واحدة من هذه الكفاءات التي بدأت في سبر أغوار هذا المجال، وهو الكاتب «ياسر أبو الحسب»، تطرَّقنا في البداية إلى أهمية المجال، وكيفية التغلب على معضلة شُح الموارد والمصادر في هذه اللون من الأدب، والسبل المتاحة لزيادة وعي شبابنا بهذا المجال وكيفية إثرائه.

– بدايةً، هل يمكننا أن نتعرف على الأستاذ ياسر عن قرب؟ وما الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى دخول مجال أدب الخيال العلمي من البداية، وكيف بدأتَ مشوارك في أدب الخيال العلمي؟

= أنا سعيدٌ جدًا بهذه الفرصة لإجراء حوارٍ مع مؤسسة علمية مرموقة مثل علماء مصر. اسمي الكامل «ياسر أحمد أبو الحسب»، مهندس مصري من مواليد عام 1989 بمُحافظة الفيوم.

المهندس ياسر أبو الحاسب كاتب الخيال العلمي ومؤسس مجلة علم وخيال

ربما كانت بداياتي في الخيال العلمي غريبة بعض الشيء، إذ حدثت بمحض الصدفة حينما ذهبت في رحلة من رحلات إجازة منتصف العام بمدرستنا إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير من العام 2005، واشتريت مجموعة كتب من جناح مكتبة الأسرة بسعر زهيد جدًا أتذكّر أنّه كان ثلاثة جنيهات. لم أكن أعرف الكثير عن الكتب وعالمها بوجه عام؛ فاخترت الكتب بحسب العناوين التي يبدو أنّها جذابة نوعًا ما، عناوين مثل “عشرون ألف فرسخ تحت الماء”، و”أول رجال على سطح القمر”، جذبتني جدًا رغم عدم علمي بمحتواها.

بدأت قراءة تلك الكتب وعمري وقتها لم يتجاوز السادسة عشرة، أعجبتني الحبكة ونسج العلوم داخلها والخيال الهائل المصبوب فيها، مضت السنوات وانتقل سكني إلى القاهرة لإتمام دراستي الجامعية، فبحثت عن المزيد من الكتب للمؤلفين الذين قرأت لهم، وعرفت بعد ذلك أن الذي أقرأه يطلقون عليه “الخيال العلمي”.

في نهايات عام 2011، بدأت أكتب أوَّل رواية لي وكان اسمها “الوجه الآخر للكون”، وفي عام 2012 أسستُ مجلة “علم وخيال” للتعريف بالخيال العلمي وعلاقته بالعلوم (صدر منها حتى الآن 32 عددًا)، وإلى الآن أصدرتُ أربعة كتب هي: “مهندسو الخيال” (طبعتان: 2016 و2021)، و”ماكينات الخيال” عام 2018، وكلا الكتابين عن الخيال العلمي، ومجموعة قصصية بعنوان “قبلة أينشتاين” 2017عام ، ورواية “القمر الأسود” عام 2021.

غلاف كتاب قبلة آينشتاين

– إذن، ما هو مجال أدب الخيال العلمي؟ وما هي أوجه الاختلاف بينها وبين الكتابة العلمية؟ سأقتبس مقولتك من مقدمة كتاب “مهندسو الخيال” وهي مقولة للأديب «هوجو جرنسباك» عن أدب الخيال العلمي، يقول: “نتعلم دون أن ندري مرة واحدة أننا نتعلم” ما مدى صحة هذه المقولة؟ وأخيرًا، ما الاستفادة المرجوة من كتابة وقراءة روايات الخيال العلمي؟

ربما لا يوجد تعريف جامع وإطار ثابت للخيال العلمي، ومسألة التعريف نفسها اختلف عليها الكثير من النقّاد والكتّاب، لكن نستطيع أن نقول بوجه عام: إن الخيال العلمي يشمل أعمالًا في جوهرها حبكة (قصة أو رواية) تتحدث عن وقائع ليست من ضمن الواقع الذي نعيشه الآن، ولكنها تنطوي على مبادئ علمية ينطلق الكاتب منها مُحاولًا استقصاء ما يمكن أن يترتب على هذه التقنية (أو التقنيات).

الكتابة العلمية تختلف تمامًا عن الخيال العلمي من حيث الحبكة، فالمقال العلمي يَشرح المبدأ أو النظرية من ناحية علمية بمعزل عن الحبكة أو القصة، بينما القصة هي أساس الخيال العلمي حيث إنه تصنيف أدبي في أصله.

أمَّا عن مقولة «جرنسباك» عن قصص الخيال العلمي، أننا نتعلم دون أن ندري أننا نتعلم، فقد قَصَدَ بذلك أن القيمة التعليمية التي يُمكن أن تُضمَّن في القصة ويتشرَّبَها القارئ يمكن أن تكون عظيمة، فالإنسان بطبيعته يُحبُّ القصة والأحداث المحكيَّة، وإدماج العلم في القصة سيربط العلمَ في عقل الطفل بالمتعة، فينشأ مُحبًا للعلم مثل عدد هائل من العلماء و رجال الأعمال الذين تأثَّروا بأعمال الخيال العلمي في صغرهم، مثل ميتشيو كاكو، وإِلون مَاسك، وغيرهم.

أمّا عن أهمية الخيال العلمي، فقد ذكرنا أولًا البعد التعليمي، وثانيًا فهو تمهيد العقول للمستقبل: فالكثير من الاختراعات الجديدة كانت تُقابل من الناس باستهجان، والخيال العلمي يُسهم نوعًا ما في تهيئة العقول لتلك الاختراعات وكسر جدار الغرابة بينها وبين الناس. يرتبط تهيئة العقول للمستقبل أيضًا بجانب تحذيري من الاختراعات أو السلوكيات السيئة، الاحتباس الحراري مثلًا (كما في رواية غروب الشمس لجيم الخليلي) أو استخدام العلم أداة في يد الأنظمة الشمولية (مثل رواية 1984 لجورج أورويل)، وتحذر روايات عديدة من القنبلة الذرية وأثرها المدمِّر، حتى قبل أن تُخترع القنبلة الذرية (مثل رواية العالَم مُحرَرًا، لهربرت جورج ويلز التي صدرت عام 1913)، وثالثًا تستخدم المؤسسات العلمية والتكنولوجيّة الخيال العلمي من أجل مشاريعها المستقبلية، فمثلًا تستعين شركة “إنتل – Intel” بكُتَّاب للتنبؤ بالتكنولوجيا المُستقبلية، وكان لوكالة الفضاء الأورُبية (ESA) مشروع تنقيب عن أفكار علمية في روايات الخيال العلمي، فينتقل الخيال العلمي بذلك من التنبؤ إلى صناعة المستقبل بالفعل، حتَّى إن الجيش الفرنسي يستعين بكتَّاب الخيال العلمي للتنبؤ بحروب المستقبل في فريق أطلقوا عليه “الفريق الأحمر”؛ وبررت وكالة الابتكار الدفاعي الفرنسي ذلك بأن الروائيين سيقدمون سيناريوهات عن تهديدات “قد لا تخطر على بال الخبراء العسكريين”، وتتعاون “مايكروسوفت – Microsoft”  و”جوجل – Google” و”آبل – Apple” مع كتَّاب خيال علمي يلقون محاضرات للموظفين والعمال.

– لقد نشرتَ العديد من الكتابات والترجمات والقصص القصيرة ومنها على سبيل المثال كتاب “مهندسو الخيال” ورواية “القمر الأسود”، وبالنسبة لي كانت بداية معرفتي بروايات الخيال العلمي هي رواية “التحول – Metamorphosis” للكاتب «فرانز كافكا»، بالنسبة لك ماهي بداياتك مع روايات الخيال العلمي؟ وما هي الرواية الملهمة، أو بمعنى آخر، ما هي الرواية المحببة إلى قلبك؟ ولماذا؟

غلاف الطبعة الثانية من كتاب مهندسو الخيال

= كما ذكرتُ في إجابتي عن بداياتي في الخيال العلمي، فأول رواية قرأتُها كانت: “أوَّل رجال على سطح القمر”، ثم “عشرون ألف فرسخ تحت الماء”، وربما تحمل كلتاهما الأهمية الأكبر والأثر الأعظم على تكويني بوصفي قارئًا ثم كاتبًا في الخيال العلمي.

أمَّا عن الرواية القريبة إلى قلبي، فلا أستطيع أن أسمي واحدة، لكن هناك مجموعة من الروايات والمجموعات القصصية في الخيال العلمي أحببتها جدًا منها “المادة السوداء” لـ «بليك كراوتش»، و”اتصال” لـ «كارل ساجان»، و”الحديقة الجوراسية” لـ «مايكل كرايتون»، و”سجين المريخ” لـ «آندي وير»، ومجموعة “أنا روبوت” لـ «إسحق أزيموف»، ومجموعة “زفير” لـ «تِد تشانج»، و1984 لـ «جورج أرويل»، وأخيرا سلسلة “راما” لـ «آرثر كلارك» و«جنتري لي» (الرواية الأولى تحديدًا).

– السؤال التالي إجابته تهم من يريد دخول مجال أدب الخيال العلمي: ما هي المقومات والأساسيات التي يجب أن تكون موجودة لتصبح كاتب خيال علمي مميز؟ وما نصائحك للكتاب الشباب ليصبحوا كتابًا متميزين؟

أوّلا: اقرأ كثيرًا، في الخيال العلمي وغيره، اقرأ في العلوم وتابع مواقع الأخبار العلمية، ففيها الكثير من الأخبار التي ستخرج منها بكنوز من أفكار الخيال العلمي، وكي تكوِّن خلفية علمية جيدة تنطلق منها في الكتابة، اقرأ لكتَّاب ذوي قلم فصيح لتضبط جُمَلَك وأسلوبك، وتجمع قاعدة كبيرة من الألفاظ والتعبيرات مثل نجيب محفوظ أو يوسف السباعي طه حسين وغيرهم.

ثانيًا: اكتب كثيرًا في الخيال العلمي، اكتب عن أي شيء، عن عالِم اكتشف عنصرًا جديدًا، أو حرب في الفضاء، أو نبات مُعدَّل جينيًّا له وعي، اشطح بخيالك واكتب، وابحث بين المقالات العلمية عن أي شيء يدعم فكرتك، فالكتابة الكثيرة والتعثُّر والتصحيح هي السبيل الوحيد كي يتحسن مستواك.

ثالثًا: اعرض كتاباتك من حين إلى حين على من هو أكثر منك خبرة في مجال كتابة الخيال العلمي، سيوفر عليك رأيُه الكثير من الوقت ويمنحك بعض الاختصارات في الطريق والنصح لتحسين ما تكتب.

– بالنسبة لمجال الكتابة العلمية ودمجها مع الخيال العلمي، وهذا ما لمسناه في مجلة “علم وخيال”، حدِّثنا عن تجربتك في إعداد وإصدار المجلة بوصفك رئيسًا للتحرير منذ عام 2012، وما التحديات التي واجهتك؟ وهل أنت سعيد بهذه التجربة حتى الآن؟ وما هي الخطوات القادمة؟

= تجربة “علم وخيال” من أكثر التجارب التي مررت بها في حياتي ثراءً، من حيث طولها الزمني وما واجهته في أثنائها وما تعلمته منها، فقد بدأتُ المجلّة مُحاولًا أن أعرِّف النّاس على الخيال العلمي وعلاقته بالعلوم، مع جرعة تبسيطية عامّة من العلوم، وفي عشر سنوات أو يزيد قليلًا، نشرنا عشرات المقالات لكتَّاب من أكثر من ثماني جنسيات عربية مُختلفة، مع عشرات الآلاف من تحميلات المجلة من آلاف القرَّاء.

غلاف أحد أعداد مجلة علم وخيال

أكبر تحدٍّ يواجه المجلة، وهو نفس التحدي الذي يواجه كل الأعمال التطوُّعية، هو الحفاظ على مُعدَّل ثابت من الإنتاجية خلال فترات طويلة، حيث يقوم العمل في الأغلب على أفراد لا يتلقون مُقابلًا ماديًّا على العمل في المجلة، وبالتالي يتأثر المُعدَّل كثيرًا بانشغالات وظروف المتطوعين في الكتابة والتحرير والتصميم.

أنا بالتأكيد سعيد جدًا بالتجربة، وأرى أنَّها تجربة سبَّاقة في مصر تحديدًا، وهي -على الرغم من الانقطاع من وقت لآخر- مُستمرة على مدار السنوات الماضية، والتحسن في المحتوى (الأقسام الجديدة مثالًا) والتصميم واضح جدًا، ويصلنا الكثير من ردود الفعل الإيجابية على الأعداد المنشورة.

أمَّا الخُطوة القادمة، فمزيد من التحسين بإذن الله، نُفكِّر مثلًا في إضافة أقسام جديدة في المجلَّة وأتمنى أن تكون واحدة من خطواتنا القادمة لمجلة “علم وخيال” أن يتبنى ناشر أو جهة ما النشر الورقي وتوزيع المجلَّة.

– في نهاية حديثنا الشيق والذي استمتعت به نشكرك على هذا اللقاء ونتمنى لك كل النجاح والتوفيق فيما هو قادم بإذن الله.

= شكرًا لكم، وسعدت جدًا بهذا اللقاء.

المصادر:

صفحة الأستاذ ياسر أبو الحسب الشخصية على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/yasser.abuelhassab
قناة الأستاذ ياسر أبو الحسب على اليوتيوب :
https://www.youtube.com/c/YasserAbuelhassab
رابط مجلة علم وخيال :
https://uncertaintyblog.wordpress.com/science-and-fiction/issues/

اظهر المزيد

أحمد علاء الدين نوح

تخرّجت عام 2014 في كلية العلوم، جامعة الإسكندرية، تخصص الأحياء الجزيئية والكيمياء. متطوّع في فريقي دار والمكتبة بمؤسسة علماء مصر، ومتطوع أيضًا في مجال صناعة وكتابة المحتوى العلمي وتبسيطه. شغوف بكل ما يخص العلوم، وتحديدًا علم الأحياء. ومؤسس وصانع محتوى صفحة «معلومة 101» على موقع فيسبوك، ومن هواياتي القراءة ومتابعة الأخبار العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى